في أغسطس 2022، تعرّض الكاتب سلمان رشدي لمحاولة اغتيال، في هجوم مُتعلق مباشرة بفتوى عام 1989 أصدرتها إيران بإهدار دمه؛ ردًّا على كتابه المثير للجدل «آيات شيطانية»، وذكّرت تلك المحاولة المراقبين الغربيين بهذا النوع من أعمال العنف المرتبطة بالنظام. وفي السنوات الأخيرة، سُجلت زيادة في مثل هذه المؤامرات والهجمات التي نفذت في الدول الغربية، حيث أوضح المحللون أنها تأتي انتقامًا من الغارة الجوية الأمريكية التي قتلت قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، أثناء زيارته العراق في يناير 2020. وقد صعّد النظام والحرس الثوري الإيراني من استهدافهم المسؤولين الغربيين وشخصيات المعارضة السياسية الإيرانية، في مقدمة هذه الأعمال يأتي نمط محاولات الاغتيال. وكتب ماثيو ليفيت، زميل بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن فكرة تجنيد النظام الإيراني لعملاء في الولايات المتحدة للتخطيط وتنفيذ هجمات عنيفة ضد كبار المسؤولين والشخصيات «تبدو رائعة جدًّا لدرجة يصعب تصديقها»، ومن بين أبرز محاولات الاغتيال الفاشلة التي قام بها عملاء إيرانيون يعملون في الولايات المتحدة خطط لاغتيال جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، ومايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي السابق. وفي أغسطس 2022، اتهمت وزارة العدل الأمريكية شهرام بورصافي، المواطن الإيراني وعضو الحرس الثوري الإيراني بمحاولة اغتيال بولتون، وهو من الصقور المتشددة في السياسة الخارجية والذي اشتهر بمعارضته الشديدة للحكومات المعادية لأمريكا في الشرق الأوسط. وبالتزامن مع محاولات الاغتيال، تم القبض على إيرانيين مرتبطين بالنظام يقومون بأعمال مراقبة وتجسس. في عام 2019، أقر اثنان من الإيرانيين المقيمين في الولايات المتحدة بتهمة مراقبة أعضاء المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وحضور فعاليات في نيويورك وواشنطن للقيام بذلك. في هذه الحالة أيضًا، أضاف ليفيت أن «العملاء الإيرانيين كانوا على اتصال منتظم مع مسؤول بالحرس الثوري الإيراني في إيران»، ما يدل على أن هذه «ليست عمليات مارقة بل مؤامرات بتوجيه من المسؤولين الإيرانيين». وفسر البروفيسور أفشون أوستوفار، من كلية الدراسات العليا البحرية الأمريكية، سبب لجوء النظام الإيراني إلى مثل هذه الوسائل على الرغم من انخفاض مخاطر النجاح بشكل واضح، بأن طهران «تريد بشدة تحقيق شكل من أشكال الانتقام» لموت سليماني، لكن هذا «ما لم يتقنوه»، ومع كل فشل يذكرهم بنقاط ضعفهم بدلاً من ذلك. ومع ذلك، من الطبيعي أن يؤدي استمرار مثل هذه الهجمات إلى افتراض أن كفاءتها وقدراتها ستتحسن، مما يسلط الضوء على خطر أن تنجح إحدى المؤامرات أو أكثر في تحقيق أهدافها في نهاية المطاف. ويرى ليفيت أن طهران تعتبر الأسلوب الحالي «وسيلة فعالة من حيث التكلفة» لمحاولة إسكات المعارضة محليًّا ودوليًّا خاصة مع تأكيد جرايم وود، من مجلة ذي أتلاتنيك، أن محاولات شن العديد من الهجمات من قِبَل وكلاء «سُذج» تعكس «حدود ما يمكن أن تفعله إيران» حاليًا، ولكنها تعكس أيضًا نموذجًا «استراتيجيًّا» تلجأ إليه داعش والجماعات الإرهابية المتطرفة الأخرى لتشجيع مجاهديها على تولي زمام الهجوم بأنفسهم، كشكل من أشكال «العمالة الرخيصة» أو ما أشبه بـ«القتل المأجور»، الذي يلبي كل الرغبات العنيفة للنظام الإيراني وسط ثقتها بأنه لا يمكن محاسبتها بشكل مباشر. وبالإضافة إلى اشتراكه في مؤامرات لتنفيذ هجمات عنيفة ضد شخصيات سياسية غربية وخصوم محليين يعيشون خارج طهران، لطالما تورط النظام الإيراني بشكل مباشر في هجمات إلكترونية ضد دول أخرى، ففي 14 سبتمبر 2022، اتهمت وزارة العدل الأمريكية ثلاثة إيرانيين بـ«التآمر لارتكاب عمليات احتيال وتهم ابتزاز إلكتروني»، لدرجة أن العملية اعتبرها جلين ثراش، مراسل صحيفة نيويورك تايمز، «حملة اختراق وقرصنة واسعة النطاق تستهدف عدة دول» بما في ذلك «حكومات محلية ومرافق عامة ومؤسسات أخرى غير هادفة للربح»، كان من بينها «ملجأ لضحايا العنف المنزلي ومستشفى للأطفال». ووفقًا لـجلين ثراش، تم اختيار تلك الأهداف «ليس لأي سبب آخر غير أن أنظمتها الإلكترونية تعتريها نقاط ضعف» كما أن «عمليات اختراق أجهزة الحاسب الخاصة بمئات الشخصيات البارزة في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا وبريطانيا»، كانت تهدف إلى المطالبة بدفع فدية على هيئة عملات مشفرة افتراضية لإزالة البرامج الضارة الخطيرة المثبتة على شبكات الضحايا. ومع ذلك، في هذه الحالة، يبدو من غير المحتمل تحقيق العدالة ضد هؤلاء الجناة والمرتكبين لتلك العمليات لكونهم داخل إيران، وعلى ما يبدو أنهم يتمتعون بحماية من قِبَل النظام الإيراني»، وأشار ثراش إلى أن واشنطن «أكدت عدم رغبة إيران في اتخاذ إجراءات صارمة ضد الجرائم الإلكترونية المرتكبة داخل حدودها، وهو ما سهّل على الجناة العمل مع الإفلات من العقاب»، حيث اتهم مساعد المدعي العام الأمريكي ماثيو جي أولسن إيران بأنها ملاذ آمن لـ«مجرمي الإنترنت» (الجرائم الإلكترونية). وأوضحت صحيفة الجارديان أن انتشار «هجمات برامج الفدية الضارة هذه قد نمت بشكل كبير خلال العقد الماضي، وأدت إلى إلحاق الضرر بالعشرات من الشركات الأمريكية والمنظمات الأخرى في جميع أنحاء العالم»، كما تم استخدام تلك الهجمات الإلكترونية من قِبَل قوى أخرى، مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية، على يد جهات فاعلة متشددة تعمل بالوكالة، بالإضافة إلى اعتمادها سياسة الاغتيالات المذكورة أعلاه، وتبنّي أسلوب الجرائم الإلكترونية التي يتقن ارتكابها مجرمون منظمون ونشطاء، لطالما أكدوا أمام أنظمتهم إنكار صلتهم بتلك الأنشطة، وتدرك كل وكالات الاستخبارات الغربية أنها تنسق وتتورط في مثل هذه الأعمال. وفي هذا الصدد، ردًّا على هجمات القرصنة الأخيرة، أصدرت وكالات الأمن السيبراني في الولايات المتحدة والمملكة القرصنة المؤخرة المتحدة وكندا وأستراليا تقريرًا استشاريًّا مشتركًا للأمن السيبراني، أكدت فيه أن «الجهات الفاعلة التابعة للحرس الثوري الإيراني» كانت «تستهدف مجموعة واسعة من الأهداف»، بما في ذلك «البنى التحتية الحيوية». وتمتد محاولات إيران المتعلقة بممارسة أنشطتها الإلكترونية إلى نطاق أبعد من القوى الغربية التقليدية؛ حيث إنه في أوائل سبتمبر 2022، قطعت جمهورية ألبانيا علاقاتها الدبلوماسية مع طهران بعد هجوم إلكتروني كبير في يوليو من نفس العام استهدف خدماتها العامة واستهدف سرقة معلوماتها وبياناتها الحكومية المهمة. وأشار ديفيد غريتن، من بي بي سي نيوز، إلى أن ألبانيا «عرضت في المقابل حق اللجوء على آلاف المعارضين الإيرانيين»، وأن الهجوم الإلكتروني كان يهدف إلى «إثارة الفوضى» في تلك الدولة العضو في الناتو. علاوة على ذلك، أضاف شون لينجاس، من سي إن إن، أن هذا الهجوم وقع قبل مؤتمر صحفي في ألبانيا حضره أعضاء من جماعة معارضة إيرانية. ومن جانبه، أفاد «جون هولتكويست»، رئيس الاستخبارات في شركة الأمن السيبراني «مانديانت»، أن طرد ألبانيا للدبلوماسيين الإيرانيين «ربما يكون أقوى رد عام رأيناه على الإطلاق ضد مثل هذا الهجوم الإلكتروني»، مضيفًا أن «الهجوم يعد تذكيرًا بأنه في حين أن النشاط السيبراني الإيراني الأكثر عدوانية كان مركّزًا بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، بات الآن لا يقتصر على تلك المنطقة بأي حال من الأحوال». وبعد أيام من هذا الطرد، سجل المسؤولون الألبان هجومًا إلكترونيًّا آخر مرتبطًا بإيران، استهدف نظام مراقبة الدولة للأفراد الذين يدخلون ويغادرون البلاد. وبالنظر إلى الخطر المتزايد الواضح للهجمات العنيفة والسيبرانية المرتبطة بالنظام الإيراني والحرس الثوري الإيراني، تساءل المحللون عما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة وحلفاؤها لاعتراض هذه الأعمال وردعها بشكل أفضل. وردًّا على الهجوم الإلكتروني لألبانيا المذكور أعلاه، اتهمت أدريان واتسون، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، طهران بارتكاب أعمال «طائشة وغير مسؤولة» واعتبرت أنَّ هذه الهجمات تمثل «تجاهلاً لقواعد السلوك المسؤول للدولة في زمن السلم في الفضاء الإلكتروني». كما تعهدت واشنطن «بمحاسبة إيران على الأعمال التي تهدد أمن أحد حلفائها»، حيث فرضت إدارة بايدن عقوبات جديدة على وزير المخابرات الإيراني، إسماعيل الخطيب، ووزارته. ومع ذلك، يرى هولتكويست، وكذلك الجهات الفاعلة السيبرانية الأخرى، «أن الحلول الدبلوماسية لن تردع طهران»، وأن «الأمر كما لو أن عواقب هذه الهجمات السيبرانية مقبولة بالنسبة إليهم في النهاية»، كما أوضح ليفيت أنه مع استمرار تلك المخططات السيبرانية الإيرانية «بلا هوادة»، من الواضح أن المسؤولين في طهران لن ينصاعوا إلى الكف عنها لأنهم «يعلمون أن بإمكانهم الإفلات من العقاب»، وعلق هولتكويست كذلك على أن «لوائح الاتهام والتصنيفات والعقوبات المالية ليست ردودا كافية على مثل هذه الأنشطة، خاصة عندما يتم التخطيط لها على الأراضي الأمريكية. وعلى الأقل، يجب أن يشمل رد الولايات المتحدة وحلفائها العزلة الدبلوماسية، وحظر السفر الذي يمنع أفراد عائلات القادة الإيرانيين من الدراسة في الخارج أو الذهاب في رحلات تسوق إلى الغرب، وغيرها من الإجراءات التي تجعل صنّاع القرار الإيرانيين يتكبدون تكاليف ملموسة». وفي الوقت نفسه، كتب وود أن إدارة بايدن «ليست عاجزة» بشأن معالجة قضية الهجمات الإيرانية، معتبرًا أن «الرد المناسب على تطوير أو توجيه هجمات سيبرانية جديدة» سيكون جعل أي اتفاق نووي مستقبلي مع طهران «مشروطًا» بتخلي إيران عن عملياتها الإرهابية الدولية». ومع ذلك، فإن الفشل في القيام بذلك، وفقًا لـوود، من شأنه أن يخاطر بجعل الاتفاق «مقبولاً وجاذبًا» للنظام الإيراني من قِبَل النقاد والخبراء الأمنيين. في النهاية، يبدو أن حملة الاغتيالات ومحاولات القتل والاختطاف وعمليات التجسس والهجمات الإلكترونية التي قام بها النظام الإيراني تظهر نواياه الواضحة للمطالبة بعمل انتقامي لمقتل الجنرال سليماني، فضلاً عن نيته إضعاف التماسك الاجتماعي والاستقرار السياسي في الدول الغربية. علاوة على ذلك، أشار ليفيت إلى أنه في خضم الاضطرابات الداخلية في إيران، من المرجح أن يحاول «الحرس الثوري الإيراني» حماية النظام من المعارضين المتمركزين في الخارج «بصورة أكثر عدوانية»، وبالتالي سيعم على المخاطرة مزيد من التصعيد. وبينما أُشير إلى المحاولات الإيرانية الحالية بأنها «ساذجة» و«تتميز بأخطاء تفتقد للعقل»، لا يمكن تجاهل استمرار انتشار مثل هذه المخاطر. وبالتالي، من الواضح أن هناك حاجة إلى وسيلة أفضل لردعها، وفقًا لما أشار إليه ليفيت. ومع ذلك، فإن غياب الوسيلة لمعاقبة المسؤولين الإيرانيين وعملائهم بالغرب بشكل كبير، يُلزم وكالات الاستخبارات بضرورة منع تلك الهجمات المدمرة التي تطول المسؤولين والمدنيين البارزين على حد سواء.
مشاركة :