في عام 1969 حصلت على شهادة البكالوريوس من جامعة ولاية أريزونا. وأخذت من عميد القبول في الجامعة خطاباً يوصي فيه بالسماح لي بإكمال دراسة الماجستير، فأخذت الخطاب إلى مدير البعثات الخارجية حينئذ، الأمير خالد بن فهد بن خالد بن محمد بن عبدالرحمن في وزارة المعارف بالرياض، فوافق على ابتعاثي إلى أميركا لدراسة الماجستير. ونعم الرجل الأمير خالد كان ولا زال، أدام الله عليه توفيقه. وفي أوائل 1971 عدت من أميركا، ووجهني ديوان الخدمة المدنية إلى العمل في أي جهة حكومية أختارها، فاخترت «الهيئة المركزية للتخطيط» التي كان يرأسها هشام محيي الدين ناظر، رحمه الله. غير أن الذي قابلني وكان رئيسي المباشر الدكتور فايز بدر، الذي كان بمرتبة وكيل وزارة، رحمه الله. وبعد 6 أشهر من عملي في «الهيئة» قدمت التماساً للدكتور فايز لمنحي بعثة لإكمال شهادة الدكتوراه في أميركا، فرفض الطلب مبرراً رفضه بالحاجة الماسة لبقائي باحثاً في «الهيئة المركزية للتخطيط»، ولم أقابل بعد الوزير هشام، رئيس الهيئة، الذي كان، رحمه الله، مع بقية أعضاء مجلس الوزراء وبقية قيادة الدولة في الطائف. وبعد عودة الحكومة إلى الرياض، «استثقلت» أن أتخطى رئيسي المباشر الدكتور فايز وأذهب إلى الوزير هشام، رحمهما الله، فزرت «كلية البترول والمعادن» في الظهران لأنني كنت أعلم بأن إجادة الإنكليزية من أهم متطلباتها للابتعاث إلى أميركا للحصول على الدكتوراه. كانت «كلية البترول» ولا زالت حتى بعد أن صار اسمها «جامعة الملك فهد للبترول والمعادن» يُدَرّس أساتذتها ويَدّرسُ طلابها بالإنكليزية. قابلت مدير «كلية البترول» الإداري المميز الدكتور بكر بن عبدالله بن بكر، ألبسه الله ثوب الصحة، ووجدت منه أقصى درجات الترحيب، وبعد حديث طويل، عن الجامعات في أميركا، كتب خطاباً إلى رئيس «الهيئة المركزية للتخطيط» وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء هشام ناظر راجياً نقل خدماتي من الهيئة المركزية للتخطيط إلى «كلية البترول»، فوافق هشام ناظر على النقل بعد أن أخبرته بأن مدير الكلية وعدني بعد سنة من بقائي في الظهران أكون خلالها محاضراً في الكلية لتدريس مبادئ علم الاقتصاد، بابتعاثي إلى الولايات الأميركية للحصول على الدكتوراه. وكذلك صار، بعد أن قضيت الفترة بين خريف 1972 وخريف 1973 محاضراً في كلية البترول، وكانت كلية البترول توظف من أنهوا البكالوريوس على وظيفة معيد، أما الحاصلون على الماجستير فيمكن توظيفهم على وظيفة محاضر. ومرت السنوات، وصرت أرى هشام ناظر في مناسبات رسمية وفي الدواوين وفي صالات المطارات الملكية وأحياناً في مناسبات اجتماعية في الرياض. وصرت كلما رأيته بادرته قائلاً «أهلاً وسهلاً ومرحباً برئيسي السابق ولو لمدة سنة واحدة لم أره خلالها إلا مرتين»، وكان جوابه الدائم، تغمده الله برحمته، وبلهجته الجداوية المعروفة وبابتسامته العريضة «لسوء حظك أنني لم أرأسك أكثر من سنة، ولم أرك غير مرتين. تصور كيف تكون عليه لو أن رئاستي لك استمرت سنوات ورأيتني باستمرار». كان يعرف مدى احترامي وتوقيري له، ولا يجهل أنني أعرف سعة ثقافته ودقة متابعته الشؤون الوطنية والأجنبية. وفي آخر مرة رأيته - رحمه الله - في الرياض، وبعد المجاملات المعتادة، وبعد عبارته التي اعتدت على سماعها مرحباً ومبتسماً، «إن شاء الله، نرى يوماً، تكون فيه أندية كرة القدم مخصصة ومربحة». وبما أنه اعتاد على خلط العبارات الجادة مع النكتة الذكية، ما عرفت إن كان جاداً أو مازحاً، غير أنني حالاً أدركت بأنه إما قرأ أو ذكر له آخرون، شيئاً عن ثلاثة مقالات، تم نشرها في هذا الحيز، في 11 و18 و25 من كانون الأول (ديسمبر) 2012، عن جدوى تخصيص نوادي كرة القدم، إن لم يكن كلها، فالقيادية فيها، التي من الأرجح أنها تكون مربحة بسبب آلاف المشجعين لكل منها، ولذلك من المجدي اقتصادياً تخصيصها. رحم الله أبا لؤي رحمة واسعة، وللموضوع بقية. * أكاديمي سعودي.
مشاركة :