السعودية هي الأجدر بالقيادة

  • 1/5/2016
  • 00:00
  • 28
  • 0
  • 0
news-picture

< السعودية اليوم واقعة في أهم طور من أطوار بناء الدولة، وتسير على النهج الذي تسعى إليه المملكة قيادة وشعباً. وتتسلّم المملكة بدخولها هذه المرحلة مقاليد عهد جديد، لتبدأ دوراً جديداً أمام شعبها، وبالتحالف مع جوارها وأشقائها. ووفق المنهج ذاته، فللمملكة دور تجاه الأمتين العربية والإسلامية، لذلك تترتّب على هذا الدور القيادي الجديد مسؤوليات كثيرة، وتكاليف جمّة. وربما يسعى بعض المتابعين إلى الإشارة إلى أن الظروف المعاصرة، والتغيّرات التي تلت ما يُسمَّى بـ«الربيع العربي» أشعلت فتيل هذا الدور، لكن هذا الدور يجمع بين عاملين أساسيين بالتساوي، يتمثّل أولهما في التحوّل الطبيعي لدولة مثل المملكة بمقوّماتها ومواردها ووضعها الجيوسياسي الفريد، ويتمثّل العامل الآخر في تطوّر راديكالي في ظروف المنطقة، أدى إلى تغيير جذري نلتمس بداياته في تحول الدور التقليدي للسعودية إلى دور أكثر حزماً (مكتفياً ذاتياً) في تحقيق المسؤوليات الدفاعية والأمنية للمملكة، إضافة إلى دورها القيادي في لمّ شمل الجميع -متى استدعى ذلك-، لتلبية نداء مَن يستغيث بالمملكة من الأشقاء، والدول الصديقة في ذروة حاجتهم وأزماتهم المتباينة كما اعتادوا عبر العقود. لقد اتّسمت القيادة السعودية منذ نشأتها عامة، وفي العقدين الماضيين خاصة، بالوقوف في وجه الأزمات الراهنة في المنطقة، وأنها الدولة الناصحة والراعية والداعمة، لكن بشكل غير علني، أو بدور مساند غير مباشر لكلّ أزمة مرّت بها كلّ جارة من جيرانها. وما نراه اليوم هو أن تلك السياسة تتغيّر وتتطوّر؛ لتتهيّأ السعودية لدور أكثر فاعلية، وموقف أكثر حزماً في الإمساك بزمام الأمور العربية والإسلامية. وإذا أتينا إلى العامل الأول (التحول الطبيعي)، فالسعودية هي الأجدر بقيادة العالمين العربي والإسلامي، والسؤال: لماذا السعودية من دون غيرها؟ والجواب هو قائمة طويلة من المؤهلات التي تجعل السعودية القائد الأجدر، بل الأكثر مقدرة في المنطقة من دون منافس يُذكر في الوقت الراهن، فضلاً عن كونها لا تمتلك أيّ أجندات أو طموحات إمبريالية؛ فالسعودية بمنزلتها -كبلد للحرمين الشريفين، وحاضنة وراعية لما يقارب البليون ونصف البليون مسلم- لا تسعى إلى تحقيق أيّ أهداف توسّعية سياسية، ولم تكن دولة تصدّر حروباً دينية، ولن تفعل ذلك مستقبلاً، كما أنها لن تسعى إلى استحواذ جغرافي لأيّ شبر من الوطن العربي أو الأمة الإسلامية. كما أن السعودية -فضلاً عن مواردها الوطنية من مصادر طبيعية ومالية وكوادر بشرية- لها دور سيادي في منظمة أوبك، تمسّكت به عبر أكثر من خمسة عقود، ولنفوذها عمق سياسي واستراتيجي في الأسواق المالية العالمية وأسواق الطاقة، إضافة إلى ثقلها في الاقتصاد الدولي بين عالم الدول الأولى، فلها مقعدها في مجموعة الـ٢٠، ولها مكانتها المرموقة في الأمم المتحدة عبر علاقاتها الوثيقة والتاريخية مع الغرب، فضلاً عن دور المملكة الجوهري في محاربة الإرهاب العالمي، وسجلّها الناجح عالمياً في مجال محاربة التطرف الآيديولوجي من خلال برنامج المناصحة الرائد. العامل الثاني والأهم اليوم هو دور السعودية القيادي في المنطقة، الذي بات ضرورة، وليس خياراً يمكن الاستغناء عنه، في ظلّ الظروف العصيبة التي يمرّ بها العالمان العربي والإسلامي، فالركائز التقليدية لقوى العالم العربي في كلٍّ من: مصر، والعراق، وسورية –للأسف- قد طوى الزمن صفحات أمجادها، فالعراق وسورية وليبيا واليمن مازالت تخوض حروباً أهلية دامية من الصعب رؤية النور في آخر طريقهم في الوضع الراهن. والأعظم من ذلك هو الفراغ الذي تشكّل في غياب دور قيادي حقيقي في الشرق الأوسط، الذي يحاول ملأه مخطئاً من غايته الباطلة تهديد عروبة الوطن وإسلام الأمة في آنٍ واحد. لذلك السعودية هي القادرة بعروبتها وعقيدتها الإسلامية على رعاية إعادة الاستقرار إلى منطقة عربية عليلة بتدخلات خارجية، وهي ذاتها عليها قيادة عملية إسعاف الأمة الإسلامية من التطرف الآيديولوجي والحروب الأهلية التي أدمتها على يد ثلةٍ من الضالين. وإذا كان بعض من ضلوا السبيل قد خولت لهم أنفسهم أن يهددوا دين الله في أرض الرسالة ومهبط الوحي، فكيف للسعودية ألا تستجيب لمثل هذا الواجب الديني والوطني في آنٍ واحد؟! إن العالم العربي بحاجة إلى إصلاحات حقيقية، فخلافات الحدود، وأزمات الطوائف والمؤسسات الرجعية الخالية من الكفاءات، التي لا تحصد سوى مزيد من الفساد، قد أكل على أيامها الدهر وولّى، وما عادت إلا بقايا آثار فشل حكومات وجمهوريات عربية متهالكة. وإنه لمن مصلحة السعودية أن تقود وتيرة الإصلاح، وتشرع فيه محلياً، لتكون أسوة لبقية الدول العربية والإسلامية من أجل المصلحة العامة والاستقرار في المنطقة. ويتطلّب مثل هذا الدور الكبير مسؤوليات وتضحيات كبيرة كذلك، والقيادة السعودية تحمل بكلّ جدارة هذه المسؤولية بثقة كاملة من شعبها، وما صدور الموازنة الجديدة، ونشر تفاصيلها، إلا خطوة أولى في الحوكمة المبنية على الشفافية بغرض نشر التوعية بمثل هذه التغييرات المقبلة، لفهم كيفية مواكبة التحديات الراهنة في المنطقة، اقتصادية كانت أم أمنية أم عسكرية. فالمملكة تريد من مواطنيها أن يكونوا على دراية بمصروفات الدولة وأولوياتها، التي ستشكّل عقيدة جديدة للدولة السعودية دفاعياً واقتصادياً، لتمكّنها من أداء واجباتها والتزاماتها لحماية حدودها، وحماية أمن أشقائها وحلفائها ومكتسباتهم، مع مراعاة الحفاظ على المكتسبات التنموية والإصلاحية الداخلية للبلد. ومن أهم هذه الأولويات، التي تسعى المملكة إلى زيادة دعمها، برنامج المساعدات الخارجية. وتكمن الأهمية الاستراتيجية لهذه المساعدات في أنها تمكّننا من حماية بعض الدول العربية من خطر الوقوع في الأزمات التي مرّت بها دول عربية أخرى، كالحال في العراق، وليبيا، وسورية، وبذلك نتجنّب مثل العواقب الوخيمة التي شهدتها المنطقة بعد وقوع هذه الأزمات. أما بعض الدول، التي تشكّك وتحاول النيل عبثاً من سمعة المملكة ومكانتها من خلف الكواليس، مستنكرين استحقاقها هذا الدور القيادي، فنذكّرهم أن هذا الدور ليس بغريب على المملكة، التي تُوفِي دائماً بمسؤوليتها تجاه مواصلة دعم كثير من الدول العربية والإسلامية. وتماشياً مع سياسة السعودية الجديدة التواصل بشفافية مع الرأي العام السعودي فإن المملكة تؤكّد لشعبها ضرورة مواصلة الدعم تجاه هذه الدول. وفي المقابل، على هذه الدول، خصوصاً العربية منها، أن تكفّ عن محاولة الإضرار بمصالح المملكة على رغم اعتمادها بشكل كلّيّ، أو بآخر مادياً وسياسياً وأمنياً، على دعم سعودي لولاه لانهار اقتصادها، وتهشّمت مؤسّساتها، ولانفرط عقد أمنها واستقرارها. ولأننا أمام عهد جديد من الشفافية والصراحة ننصح بأن تكفّ الدول المعنية عن الازدواجية فيما يصرّحون به في بياناتهم الرسمية والعامة في مقابل كلامهم ضد المملكة في اجتماعاتهم الخاصة، ولاسيما مع الدول الأوروبية.     * كاتب سعودي.

مشاركة :