ينتقل مرض الملاريا بين الناس بعد أن تلدغ أنثى بعوضة شخصاً مصاباً بطفيل الملاريا، ثم يتطور الطفيل إلى مرحلته التالية في أمعاء البعوضة، ويسافر إلى غددها اللعابية، ليكون جاهزاً لإصابة الشخص التالي بعد أن تلدغه البعوضة. لوقف هذه الحلقة، توصل العلماء في جامعة «إمبيريال كوليدج للعلوم والتكنولوجيا والطب» في لندن قبل نحو ثماني سنوات إلى طريقة حديثة لتعديل جينات بعوض (أنوفليس غامبياي) الناقل للمرض وراثياً، بحيث لا يُنتج سوى الذكور، ولكن فريقاً بحثياً من نفس الجامعة توصل إلى حل آخر أكثر عملية، تم الإعلان عنه أمس (الأربعاء)، في دورية «ساينس أدفانسيد»، وهو إجراء تعديلات جينية على البعوض تبطئ نمو الطفيليات المسببة للملاريا في أمعائهم، مما يمنع انتقال المرض إلى البشر. ويتسبب التعديل الجيني الذي أجراه الباحثون في قيام البعوض بإنتاج مركبات في أمعائه تعيق نمو الطفيليات، مما يعني أنه من غير المحتمل أن تصل إلى الغدد اللعابية للبعوض، ليتم نقلها عبر اللدغات إلى البشر. وحتى الآن، ثبت أن هذه التقنية تقلل بشكل كبير من احتمال انتشار الملاريا في بيئة معملية، ولكن إذا ثبت أنها آمنة وفعالة في ظروف العالم الحقيقي، يمكن أن تقدم أداة جديدة قوية للمساعدة في القضاء على الملاريا. ولا تزال الملاريا أحد أكثر الأمراض فتكاً في العالم، حيث تعرض نصف سكان العالم للخطر، وفي عام 2021 وحده، أصابت 241 مليون شخص وقتلت 627 ألف شخص، معظمهم من الأطفال دون سن الخامسة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ومنذ عام 2015، توقف التقدم في علاجات الملاريا، وأصبح البعوض والطفيليات التي يحملها، مقاومة للتدخلات المتاحة مثل المبيدات الحشرية والعلاجات، وتوقف التمويل المتاح لتطوير العلاجات، لذلك يحتاج العالم إلى تطوير أدوات جديدة ومبتكرة. والأداة الجديدة التي أعلن عنها الفريق البحثي هي تعديل وراثي في الأنواع الرئيسية الحاملة للملاريا من بعوض (أنوفليس غامبياي) في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث تمكنوا من إنتاج أنواع جديدة عندما تتناول وجبة من الدم، فإنها تنتج جزيئين يسميان «الببتيدات» المضادة للميكروبات في أحشائها، وهذه الببتيدات، التي تم عزلها في الأصل من نحل العسل والضفادع الأفريقية تُضعف تطور طفيلي الملاريا. ويتسبب ذلك في تأخير بضعة أيام قبل أن تصل المرحلة التالية من الطفيلي إلى الغدد اللعابية للبعوض، وفي ذلك الوقت من المتوقع أن يموت معظم البعوض في الطبيعة. وتعمل الببتيدات عن طريق التدخل في استقلاب الطاقة للطفيلي، والذي له أيضاً بعض التأثير على البعوض، مما يتسبب في قصر عمرها وتقليل قدرتها على نقل الطفيل. ولاستخدام التعديل الوراثي لمنع انتشار الملاريا في العالم الحقيقي، يجب أن ينتشر من البعوض المختبري إلى البعوض البري، وقد يؤدي التهجين الطبيعي إلى انتشاره بدرجة معينة، ولكن نظراً لأن التعديل له «تكلفة ملائمة» في شكل عمر مخفض، فمن المحتمل أن يتم القضاء عليه بسرعة بفضل الانتقاء الطبيعي، وهي المشكلة التي يمكن حلها عبر ما يعرف بـ«الدافع الجيني». والدافع الجيني هو خدعة وراثية إضافية يمكن إضافتها إلى البعوض والتي من شأنها أن تتسبب في وراثة التعديل الجيني المضاد للطفيليات بشكل تفضيلي، مما يجعله ينتشر على نطاق أوسع بين أي مجموعات طبيعية. وبالتعاون مع شركاء في تنزانيا، أنشأ الفريق مرفقاً لتوليد البعوض المعدل وراثياً والتعامل معه وإجراء بعض الاختبارات الأولية، وتشمل هذه جمع الطفيليات من تلاميذ المدارس المصابين محلياً، لضمان عمل التعديل ضد الطفيليات المنتشرة في المجتمعات ذات الصلة. ويقول المؤلف الرئيسي المشارك البروفسور جورج كريستوفيدس، من قسم علوم الحياة بجامعة «إمبيريال كوليدج للعلوم والتكنولوجيا» في تقرير نشره الموقع الرسمي للجامعة بالتزامن مع نشر الدراسة، إن «التاريخ علّمنا أنه لا يوجد حل سحري عندما يتعلق الأمر بمكافحة الملاريا، وبالتالي سيتعين علينا استخدام جميع الأسلحة الموجودة لدينا للتخلص منها».
مشاركة :