تونس - قال متحدث باسم نقابة قوات الأمن الداخلي في تونس اليوم الجمعة إن قاضيا قرر حبس ثمانية من أعضاء النقابة اتهمتهم وزارة الداخلية بإرباك الأمن العام والعصيان خلال محاولة قوات الشرطة فض اعتصامهم، وسط تصاعد التوتر بين نقابات الشرطة والسلطات. واتهمت نقابات الشرطة التي تضم عشرات الآلاف من الأعضاء السلطات بمحاولة وأد العمل النقابي الذي تقول إنه مكسب ثمين حصلت عليه منذ ثورة 2011 التي أنهت عقودا من الاستبداد. وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد أكد على الحق النقابي للأمنيين ودعا إلى توحيد النقابات الأمنية المتعددة في نقابة واحدة وقصر عملها على الجانب الاجتماعي فقط مع منع الإضرابات في جهاز الأمن، لكن نقابيين رفضوا دعوات دمج النقابات ورأوا فيها محاولة لضرب العمل النقابي. ويأتي التوتر بينما يقود سعيد جهودا إصلاحية ضمن خارطة طريق سياسية كان قد أعلن عنها عقب الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها في 25 يوليو/تموز من العام الماضي وعزل بموجبها منظومة الحكم بقيادة حركة النهضة الإسلامية التي اتهمها بالفساد وبنهب المال العام. ويؤكد الرئيس التونسي أنه يسعى لتصحيح مسار الثورة نافيا اتهامات خصومه بتنفيذ انقلاب على الشرعية. وقال شكري حمادة المسؤول في نقابة قوات الأمن الداخلي إن القاضي قرر حبس ثمانية أعضاء نقابيين على خلفية أحداث فض اعتصام نقابي والذي حصل دون إذن قضائي. وتفجر الخلاف بين النقابات الأمنية ووزارة الداخلية بعد حفل فني للكوميدي لطفي العبدلي الشهر الماضي، حيث صعد نقابيون أمنيون على خشبة المسرح محاولين وقف المسرحية محتجين على نقد الممثل الكوميدي للشرطة والسلطات في حادثة أثارت جدلا واسعا حول حدود دور هذه النقابات. وقال وزير الداخلية توفيق شرف الدين إنه من غير المقبول أن يقيم نقابي عملا فنيا ولو تضمن انتقادات، مضيفا أن نقابيين طلبوا من الشرطة مغادرة المكان وإنهاء تأمين الحفل. ووصف ذلك بأنه أمر خطير ولا يمكن السكوت عنه. وقالت وزارة الداخلية في وقت سابق إنه تم تقديم شكاوى قضائية ضد نقابيين استخدموا الغاز المشل للحركة وأبدوا عصيانا عندما حاولت الشرطة تفكيك خيامهم، وهو ما نفته النقابة. وأضاف مسؤولون بالوزارة أن ما حصل خطير ولا يمكن أن يمر دون عقاب، معتبرين أن القانون فوق الجميع وسيطبق على كل من أخطأ. لكن النقابة قالت إن الاعتصام كان سلميا ولم يضر بالأمن العام، وهدفه إظهار رفض محاولات ضرب العمل النقابي والاحتجاج على رفض السلطات التفاوض معها بخصوص مطالبها. أعلنت وزارة الداخلية التونسية الثلاثاء، أنها اتخذت الإجراءات القانونية والتأديبية اللازمة ضد بعض أعوان الأمن من المنتسبين للنقابات الأمنية. واعتبرت الداخلية في بلاغ نشرته على صفحتها على موقع فيسبوك تصرفات الأمنيين المشار إليهم "تجاوزات تمس بالسير العادي للعمل وبواجب الانضباط والجدية". وعاد الجدل في تونس حول النقابات الأمنية واتهامها بالتغول إثر الفوضى التي شهدها الأسبوع الماضي، عرض الفنان الفكاهي لطفي العبدلي لمسرحيته على ركح مسرح صفاقس (جنوب). واتهم العبدلي أفرادا من أعوان الأمن الحاضرين لتأمين العرض بمقاطعته ومنعه من استكمال عرض مسرحيته أمام جمهور غفير، مشيرا إلى أن الأعوان المذكورين اعتدوا بالعنف على مدير إنتاج المسرحية الأمر الذي استوجب نقله للمستشفى. ونفت وزارة الداخلية الحادثة، مؤكدة أن العبدلي استفز الأمنيين بالتوجه بحركة "غير أخلاقية" لأعوان الأمن الحاضرين هناك. ودعت النقابة الجهوية لقوات الأمن الداخلي بصفاقس جميع الأمنيين لمقاطعة تأمين عروض العبدلي. وتدخل الرئيس التونسي قيس سعيّد بشكل غير مباشر في الحادثة التي تحولت إلى قضية رأي عام حيث حذر من أن "عدم تأمين أي تظاهرة تحت أي ذريعة كانت هو إضراب مقنع وإخلال بالواجب المهني"، مذكّرا خلال لقاء جمعه الأربعاء الماضي بوزير الداخلية توفيق شرف الدين، بأن الدستور التونسي يستثني الأمنيين من حق الإضراب. وأفادت وزارة الداخلية في بلاغها بأن "هذه الخطوة (الإجراءات التأديبية) تأتي حرصا على تكريس المساواة أمام القانون وصون الحقوق والحريات". وكانت الجبهة الوطنية للنقابات الأمنية (تضم 8 نقابات أمنية) قد وجهت الأحد جملة من الرسائل الى رئيس الجمهورية ووزير الداخلية وعموم الشعب التونسي. وذكرت في بلاغ أنها "كانت تنتظر خطابا فيه رد لاعتبار من تم استفزازه بمسرح الهواء الطلق بصفاقس بالإشارة أو بالإيحاء"، مشيرة إلى أنها "كانت تأمل في أن يحظى أعوان قوات الأمن الداخلي برعاية استثنائية لقاء ظروف عملهم ودورهم المحايد في ظل احتدام الصراع السياسي". وعبرت الجبهة النقابية الأمنية عن "أسفها لعدم اعتبار الرئيس ذلك من أولوياته، داعية وزير الداخلية لـ"تقييم مرحلة إدارة بدأت وستنتهي". واعتبرت أنه "من الجحود ومن ضعف البصيرة تناسي أطوار الماضي القريب وما خلف من أذى على كل القيادات التي مرت وعلى عائلاتهم بعد لفظهم من أنظمة حكم تعاقبت وفي نظرتها استحقار يخْلُفه استغلال لهم ولأعوانهم". وحذرت من مغبة "التفكير في استعادة المجد والقوة عن طريق بيع كرامة الأمنيين وتقديمهم قرابين وفدية إرضاءا لرغبات ونزوات الحاكمين". ثم توجهت الجبهة في رسالتها إلى لشعب التونسي قائلة إنه "من الجحود والنكران نسيان دور أبناء المؤسسة الأمنية عن طريق نقاباتهم في التصدي لمشروع تغيير النمط المجتمعي لتونس ومقاومة الإرهاب والوقوف أمام كل محاولات التركيع والتسييس وحماية المتظاهرين ومواكبتهم بمناسبة اعتصام الرحيل". وعقب مقتل النائب السابق بالمجلس التأسيسي محمد البراهمي في يوليو/ تموز 2013 انتفضت القوى التقدمية والديمقراطية واعتصمت بساحة باردو أمام المجلس وفي عموم ساحات البلاد في اعتصام سمي اعتصام الرحيل، مطالبين حركة النهضة والمتحالفين معها (الترويكا الحاكمة) بالرحيل عن سدة الحكم وهو ما تم فعلا. وعقب حادثة العبدلي بصفاقس جدد سعيّد دعوته للنقابات الأمنية للتوحد في هيكل نقابي اقترح له اسم الاتحاد العام التونسي لقوات الأمن الداخلي، تنحصر مهامه في الجوانب الاجتماعية. ويعتبر مراقبون أن العلاقة بين رئيس الجمهورية والنقابات الأمنية مرت من مرحلة المهادنة إلى مرحلة التصعيد بعد رسالة جبهة النقابات الأمنية الأحد، وبلاغ وزارة الداخلية الثلاثاء. ويشغل رئيس الجمهورية بمقتضى الدستور التونسي منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة بما فيها قوات الأمن الداخلي.
مشاركة :