يلف الحزن العميق مخيم «نهر البارد» للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان. بعض البيوت اتشحت بالسواد، وقد تأكدت من وفاة أحد أفراد العائلة أو أكثر، في حادثة غرق مركب غادر لبنان باتجاه إيطاليا، لكن الأمواج قذفته قبالة السواحل السورية. على متن الزورق مهاجرون غير نظاميين، لبنانيون، سوريون وفلسطينيون. يقدر عدد الفلسطينيين بينهم من مخيم نهر البارد بـ25 شخصاً من أصل 120 أو 170 شخصاً، حيث إن عدد الركاب الكلي لا يزال غير محدد. وبدأ العثور على جثث الركاب الغارقين في البحر قبالة ساحل طرطوس بعد ظهر يوم الخميس. وبلغ عدد الجثث حتى كتابة هذه السطور، 80 جثماناً، بحسب الشيخ هيثم السعيد، الذي لا يزال يبحث عن أخيه الأصغر عبد الله السعيد وهو في ثلاثيناته، فَقَدَ عمله وأمله، وغادر مع من غادروا، ولم يعثر عليه بعد. من عزاء إلى آخر، يتنقل الشيخ هيثم السعيد في المخيم، يتابع أخبار الناجين بقلق، بانتظار أن يرد اسم شقيقه، الذي ترك خلفه زوجة وثلاثة أولاد. «لم يأخذ عائلته معه، لكنه كان يشعر بشيء من الأمان لأن قبطان المركب اصطحب معه زوجته وأولاده وأخته، وثمة صلة قرابة تربط زوجة أخي بهم، وهم جميعهم بمن فيهم القبطان لم يعثر عليهم». ومع أن الأخبار تقول إن القبطان هرب حين وقعت الواقعة، إلا أن السعيد يعتبر أن الشائعات كثيرة، وأن العائلة بأكملها على الأرجح هي في عداد المفقودين. ينفي السعيد علمه بنية أخيه الهرب بهذه الطريقة، وهو على أي حال لم يكن ليرتعد. «اليأس يجعل الإنسان ينسى الخطر»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» «أن المركب لم يكن ملائماً. كان غير صالح للسفر وقطع مسافة كبيرة، وقد تمكن القبطان من الوصول إلى خارج المياه الإقليمية اللبنانية، لكن الزورق هناك تعرض لضربات كثيرة بسبب الموج والرياح، ومع ثقل الأوزان، عادت المياه لتقذف بهم باتجاه سوريا. لقد قامروا بأرواحهم. تجار الموت خدعوهم والفقر سهل الأمر. أنا أتهم التجار ومن يتغاضى عن التجار». يقدر السعيد عدد الذين ركبوا البحر من مخيم نهر البارد بالمئات، فسكان المخيم يبلغون 35 ألفاً، وبالتالي عدد الذين جازفوا بركوب قوارب الموت ليسوا كثرة نسبة إلى اللبنانيين والسوريين. أرسل المخيم وفداً سياسياً رسمياً إلى سوريا، لتدبر أمر الضحايا، وكذلك فرقة إسعاف من «جمعية الشفاء الطبية» صارت موجودة في مستشفى الباسل في طرطوس، للوقوف على التطورات. هؤلاء على تواصل مستمر بأهل المخيم وعائلات الضحايا بشكل خاص. يقول الشيخ سعيد: «لم يعثر إلا على عشرين ناجياً بينهم ثلاثة من الفلسطينيين، لا يزالون في المستشفى». ويتوقع أن يكون 12 جثماناً لفلسطينيين بين الجثامين، لم يتم التأكد من هويتهم. وأمس بعد الظهر، كانت ثلاثة جثامين لفلسطينيين عُثِر عليها، قد وصلت إلى الحدود اللبنانية السورية، وذهبت العائلات للقاء الأحبة وقد غادروهم أحياءً وعادوا جثثاً، بينهم أب وابنه الوحيد، إضافة إلى شاب في مقتبل العمر. وبدأت عائلات في لبنان يوم الجمعة تشييع الضحايا، بينها عائلة التلاوي، التي تم إنقاذ ابنها وسام وهو يتلقى العلاج حالياً في أحد مشافي طرطوس، فيما توفيت ابنتاه (خمس وتسع سنوات) ولا تزال زوجته مع طفلين آخرين في عداد المفقودين. وتسلمت العائلة، وفق ما روى أحمد، شقيق وسام، جثة الطفلتين وجرى تشييعهما في مسقط رأسيهما في منطقة عكار (شمال لبنان). وقال أحمد لوكالة «الصحافة الفرنسية» عبر الهاتف: «استيقظنا ولم نجد شقيقي، العامل في شركة تنظيفات»، مضيفاً: «لم يقو على تأمين قوت يومه»، فذهب بحثاً عن حياة أخرى. ولم يتم التعرف بعد، وفق وزير الأشغال اللبناني علي حمية، على هوية غالبية الجثث لعدم العثور على أوراق ثبوتية معهم. وتوجه وفد من أهالي الضحايا إلى سوريا برفقة بعثة من الصليب الأحمر اللبناني للتعرف على أقربائهم، فيما تجمع العشرات عند معبر العريضة الحدودي مع سيارات إسعاف بانتظار وصول جثث الضحايا.
مشاركة :