«اتفاق أوسلو» بعد 29 عاما.. إلى أين؟

  • 9/24/2022
  • 01:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

بعد‭ ‬مرور‭ ‬29‭ ‬عاما‭ ‬على‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬‮«‬أوسلو‮»‬‭ ‬تبدو‭ ‬الحالة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬عن‭ ‬روح‭ ‬الاتفاق‭ ‬والآمال‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬عليه‭. ‬فالقيادة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كانت‭ ‬تبني‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬توقعات‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬إنتاجها‭. ‬خصوصاً‭ ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬فاوضوا‭ ‬واتفقوا‭ ‬كانوا‭ ‬بعيدين‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬فهم‭ ‬العقلية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬واحتمالات‭ ‬التغير‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭. ‬بل‭ ‬أيضاً‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬سذاجة‭ ‬فلسطينية‭ ‬وتسرع‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الاتفاق‭ ‬انتقالي‭ ‬وأنه‭ ‬بعد‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬سنحصل‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬ولهذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬التدقيق‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التفاصيل‭ ‬الجوهرية‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬قاتلة‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬تطبيق‭ ‬الاتفاق‭ ‬أو‭ ‬الأجزاء‭ ‬التي‭ ‬طبقت‭ ‬منه‭. ‬وخاصة‭ ‬عدم‭ ‬ورود‭ ‬بند‭ ‬وقف‭ ‬الاستيطان‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭ ‬وعدم‭ ‬تهويد‭ ‬القدس،‭ ‬والإفراج‭ ‬عن‭ ‬الأسرى‭ ‬وتقسيم‭ ‬المناطق‭ ‬إلى‭ (‬أ‭) ‬و‭(‬ب‭) ‬و‭(‬ج‭). ‬وجوازات‭ ‬السفر‭ ‬‮«‬وثائق‭ ‬السفر‮»‬‭ ‬الغريبة‭ ‬والناقصة‭ ‬القيمة‭.‬ كل‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الثغرات‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تنسف‭ ‬العملية‭ ‬برمتها،‭ ‬فالأمور‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الاستعجال‭ ‬بها‭ ‬و«سلقها‮»‬‭ ‬لم‭ ‬تتغير‭ ‬وحسن‭ ‬النية‭ ‬المتوقع‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هو‭ ‬سيد‭ ‬الموقف‭. ‬بل‭ ‬تمسكت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالجزء‭ ‬الذي‭ ‬يخدمها‭ ‬من‭ ‬النصوص،‭ ‬وأفرغت‭ ‬الاتفاق‭ ‬من‭ ‬مضمونه‭. ‬فالخلل‭ ‬الذي‭ ‬واكب‭ ‬تقسيم‭ ‬المناطق‭ ‬الفلسطينية‭ ‬منع‭ ‬سيطرة‭ ‬السلطة‭ ‬الفعلية‭ ‬على‭ ‬الأرض‭. ‬ولو‭ ‬دققنا‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬مناطق‭ ‬سيطرة‭ ‬السلطة‭ ‬ليست‭ ‬متواصلة‭ ‬إقليمياً‭ ‬لكنا‭ ‬أدركنا‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬تمت‭ ‬حياكته‭ ‬من‭ ‬بنود‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬ضمان‭ ‬بقاء‭ ‬السيطرة‭ ‬الأمنية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لأطول‭ ‬فترة‭ ‬ممكنة‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬قدرة‭ ‬فعلية‭ ‬للسلطة‭ ‬الوطنية‭ ‬على‭ ‬التحرك‭ ‬حتى‭ ‬بين‭ ‬مناطق‭ ‬تحت‭ ‬سيطرتها‭ ‬الفعلية‭. ‬ومنحت‭ ‬إسرائيل‭ ‬سيطرة‭ ‬على‭ ‬حوالي‭ ‬ثلثي‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يتيح‭ ‬نشوء‭ ‬وتطور‭ ‬الكيان‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المستقل‭.‬ الأخطاء‭ ‬القاتلة‭ ‬لا‭ ‬تتعلق‭ ‬فقط‭ ‬بصياغة‭ ‬البنود‭ ‬والنواقص‭ ‬الجوهرية‭ ‬فيها‭ ‬وعدم‭ ‬التدقيق‭ ‬في‭ ‬مضامينها،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬الالتزام‭ ‬بنصوص‭ ‬الاتفاق،‭ ‬فإسرائيل‭ ‬لم‭ ‬تنفذ‭ ‬الأمر‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬معظم‭ ‬مناطق‭ (‬ج‭) ‬وتحويل‭ ‬غالبية‭ ‬المناطق‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬‮«‬سيادية‮»‬‭ ‬فلسطينية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المفاوضات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬باتفاق‭ ‬على‭ ‬التسوية‭ ‬الدائمة‭ ‬بحلول‭ ‬مايو‭ ‬عام‭ ‬1999،‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬لم‭ ‬تبدأ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬وبدأت‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬مروره‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬‮«‬كامب‭ ‬ديفيد‮»‬‭ ‬الفاشلة‭.‬ ‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬يوقف‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬التزامهم‭ ‬ببنود‭ ‬الاتفاق‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬تنكرت‭ ‬إسرائيل‭ ‬لمبدأ‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ (‬ج‭). ‬وأنها‭ ‬لم‭ ‬تلتزم‭ ‬بالوصول‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬دائم‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة‭. ‬وعملياً‭ ‬نحن‭ ‬ساعدنا‭ ‬إسرائيل‭ ‬وسوغنا‭ ‬لها‭ ‬التهرب‭ ‬من‭ ‬تنفيذ‭ ‬الاتفاق‭ ‬وتحويل‭ ‬المؤقت‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬دائم‭ ‬والتراجع‭ ‬حتى‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬تطبيقه‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2000‭.‬ ولو‭ ‬أن‭ ‬السلطة‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬رهنت‭ ‬قيامها‭ ‬بتنفيذ‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مطلوب‭ ‬منها‭ ‬بقيام‭ ‬إسرائيل‭ ‬بتطبيق‭ ‬كل‭ ‬التزاماتها،‭ ‬لكانت‭ ‬الأمور،‭ ‬اليوم،‭ ‬مختلفة‭ ‬تماماً‭ ‬عن‭ ‬الحالة‭ ‬الفظيعة‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭.  ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬أخطاء‭ ‬فلسطينية‭ ‬مهمة‭ ‬خلال‭ ‬التطبيق‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬اندلاع‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬خريف‭ ‬عام‭ ‬2000‭. ‬فاستخدام‭ ‬السلاح‭ ‬وخاصة‭ ‬العمليات‭ ‬التفجيرية‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬السلطة‭ ‬وفي‭ ‬تغيير‭ ‬جوهري‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الحزبي‭ ‬والسياسي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬فوز‭ ‬اليمين‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وبناء‭ ‬جدار‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬ولاحقاً‭ ‬انقلاب‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬وسيطرتها‭ ‬بالقوة‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬وخلق‭ ‬واقع‭ ‬الانقسام‭ ‬المدمر‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭.‬ الآن،‭ ‬نحن‭ ‬لسنا‭ ‬بصدد‭ ‬تقييم‭ ‬اتفاق‭ ‬‮«‬أوسلو‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬التذكير‭ ‬بما‭ ‬حصل‭ ‬مسألة‭ ‬مطلوبة،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬نحن‭ ‬نواجهه،‭ ‬الآن،‭ ‬يتطلب‭ ‬خطة‭ ‬عمل‭ ‬وطنية‭ ‬شاملة‭ ‬تتجاوز‭ ‬مجرد‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬غاضبة‭ ‬أو‭ ‬انفعالية‭. ‬فمن‭ ‬السهل‭ ‬مثلاً‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬إلغاء‭ ‬الاتفاق‭ ‬أو‭ ‬وقف‭ ‬الالتزام‭ ‬بتنفيذ‭ ‬البنود‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالسلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬مثل‭ ‬التنسيق‭ ‬الأمني‭ ‬وغيرها‭.‬ ‭ ‬ولكن‭ ‬هنا‭ ‬ضرورة‭ ‬لوضع‭ ‬البدائل‭ ‬الوطنية‭ ‬المنطقية،‭ ‬وعندما‭ ‬نقول‭ ‬وطنية‭ ‬نحن‭ ‬نعني‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الوطن‭ ‬وتبعاً‭ ‬للمصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬ولبرنامج‭ ‬الإجماع‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬وإقامة‭ ‬دولة‭ ‬مستقلة‭ ‬كاملة‭ ‬السيادة‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬وعاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية‭ ‬وحل‭ ‬قضية‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬قرارات‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭. ‬فهل‭ ‬نحن‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬ذلك‭ ‬بشكل‭ ‬موحد‭ ‬يشمل‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة؟ الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والمطالبة‭ ‬بالاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين‭ ‬كاملة‭ ‬العضوية‭ ‬مسألة‭ ‬ضرورية‭ ‬ومطلب‭ ‬شرعي‭ ‬وحق‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تكفله‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية،‭ ‬ولكن‭ ‬ماذا‭ ‬مع‭ ‬واقع‭ ‬الانقسام‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬والذي‭ ‬يتكرس‭ ‬باتجاه‭ ‬فصل‭ ‬تام‭ ‬بين‭ ‬الضفة‭ ‬وغزة،‭ ‬حتى‭ ‬موضوع‭ ‬تقليص‭ ‬فاتورة‭ ‬الرواتب‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬والذي‭ ‬يتم‭ ‬الحديث‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تطبيق‭ ‬قانون‭ ‬تقاعد‭ ‬قسري‭ ‬للموظفين‭ ‬الذين‭ ‬ليسوا‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬عملهم‭ ‬سيقود‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬إلى‭ ‬صرف‭ ‬موظفي‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬والعسكريين‭ ‬الذي‭ ‬جلسوا‭ ‬في‭ ‬بيوتهم‭ ‬تلبية‭ ‬لقرارات‭ ‬السلطة‭.‬ ‭ ‬وهذا‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تقليص‭ ‬دور‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وتعزيز‭ ‬فكرة‭ ‬الفصل،‭ ‬فعن‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬نتحدث‭ ‬ونحن‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬سلطة‭ ‬واحدة‭ ‬ونظاما‭ ‬سياسيا‭ ‬واحدا؟‭.‬ فحتى‭ ‬لو‭ ‬قررت‭ ‬القيادة‭ ‬إعلان‭ ‬تنفيذ‭ ‬قرارات‭ ‬المجلسين‭ ‬الوطني‭ ‬والمركزي‭ ‬سيتعين‭ ‬علينا‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬مسألة‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬دونها‭ ‬لن‭ ‬نستطيع‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بها‭ ‬رسمياً‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬فالدولة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكرس‭ ‬أولاً‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وتشمل‭ ‬الضفة‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة‭ ‬حتى‭ ‬يصبح‭ ‬لأي‭ ‬قرار‭ ‬تتخذه‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬فاعلية‭ ‬وجدوى‭.‬ ‭ ‬} كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

مشاركة :