يرى باحث أمريكي أنه من المؤكد أن روسيا ستكون الخاسر الرئيسي في الحرب على أوكرانيا، لكنه يرى الحاجة إلى إعادة التواصل مع موسكو، وينبغي عدم دفع روسيا إلى حالة يأس استراتيجي، كما لا يمكن السماح لزيلينسكي بأن يصبح متهورا. "في ظل عدم توفر قاعدة سياسية موثوق بها في موسكو، ربما سيكون هناك شخص أسوأ بعد بوتين" يقول الدكتور سيمون سيرفاتي، أستاذ العلاقات الخارجية بجامعة أولد دومينوين الأمريكية والرئيس (الفخري) لكرسي زبيجينيو برجينسكي في الجيواستراتيجية والأمن العالمي بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية: إن الوضع الحالي في حرب أوكرانيا يتسم بالغموض فيما يتعلق بما ينبغي عمله أو توقعه. ففي الولايات المتحدة تعتبر الديمقراطية الأمريكية في خطر ، وفي الخارج، هناك حرب مأساوية تشهدها أوكرانيا ، ولا يعرف أحد ما سيحدث في المستقبل. فحرب أوكرانيا، لا يمكن لأي من الطرفين الانتصار فيها ولكنهما يرفضان إنهاءها. وحذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل شهرين قائلا "لم نبدأ أي شيء بعد". ورغم الدلائل المتزايدة على فشل روسيا، فإنها ما زالت تسيطر على الحرب ، التي بدأها بوتين لأنه يتحكم في تصعيدها إلى مستوى لا يستطيع تصور أن أوكرانيا قادرة على تحمله أو أن يجرؤ الغرب على التفكير فيه. ورغم نجاح أوكرانيا في دحر قوات روسية مؤخرا، أكد بوتين هذا الشهر قائلا "لم نخسر شيئا ولن نخسر شيئا". ويتساءل سيرفاتي "ماذا لو كان بوتين تحت ضغط من منتقديه في الداخل، يعني ما يقوله؟". ويوضح أنه بالنسبة لأولئك الذين يستبعدون تلميحاته النووية، يجب أن يدركوا أن فلاديمير بوتين ليس نيكيتا خروشوف، والمعروف عن بوتين أنه قد يختار أسوأ الخيارات السيئة المتاحة رغم تحذيرات بايدن التي كان الهدف منها ردعه. كما تساءل سيرفاتي قائلا "إذن، ألم يحن الوقت للتفكير في الطريق الذي نسير فيه جميعا وأن نستخدم المكابح قبل فوات الآوان؟". فلنتذكر لحظة سراييفو، واندلاع الحرب العالمية الأولى قبل أكثر من 100 عام، عندما كان من الممكن تجنب الكثير لو كان هناك بعض التفكير في الأحداث المفجعة المتوقع حدوثها في المستقبل. أو لنتذكر الحرب الكورية بعد نجاح عملية إنشون، أو الحرب الفيتنامية بعد الإطاحة بالرئيس نجو دين ديم، أو حرب العراق بعد اعتقال صدام حسين؟ كلها كانت فرصا تم إضاعتها كان يمكن أن تنهي حربا قبل أن تسفر عن تكاليف لا يمكن تحملها. "بوتين لن يغادر أوكرانيا خالي الوفاض مذلولا"! إن إهانة بوتين بأسوأ الألفاظ انتظارا لاستسلامه غير المشروط عن كل شبر من أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، ليست استراتيجية لتحقيق الانتصار. و توقع مغادرته لأوكرانيا خالي الوفاض ذليلا، اعتقاد كاذب . وكما قال هنري كيسنجر في أحدث كتبه فإن اختبار الفطنة السياسية تتمثل في "مزج الرؤية بالحذر، والحفاظ على إحساس بالقيود"، وهو ما يشمل تفهم أهداف الحرب التي يمكن تحقيقها. ومن المؤكد أن الاحساس بالعدالة يرضي الغضب ولكنه أيضا يغلق الباب أمام الدبلوماسية. وأكد سيرفاتي الحاجة إلى إعادة التواصل مع موسكو لوقف القتال، وأنه يتعين تذكر الرئيس جون كنيدي بعد أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. و يتعين تذكر الرئيس جورج بوش بعد مذبحة تيانامين عام 1989. فقد سعى الرئيسان إلى طريق للوفاق مع الاتحاد السوفيتي بعد أخطر استفزاز قام به. وما سيحدث لبوتين في المستقبل أصبح أكثر وضوحا الآن رغم معدل شعبيته التي ما زالت مرتفعة بطريقة مذهلة. وينبغي تذكر أن أفول نجم خروشوف بعد فشله في أزمة الكاريبي حدث بعد حوالي عامين من الحدث نفسه. والأمر مجرد وقت قبل أن ينتهي الأمر بالنسبة لبوتين أيضا. ومع ذلك، هل الإطاحة به ستمثل أي اختلاف؟ فتولي ليونيد بريجنيف السلطة أدى إلى عقدين من المواجهة العالمية. وفي الوقت الحالي سيرفاتي: ينبغي عدم دفع روسيا إلى حالة يأس استراتيجي كما لا يمكن السماح لفولوديمير زيلينسكي بأن يصبح متهورا! ومن المؤكد أن فكرة التواصل مع روسيا تعتبر مزعجة أخلاقيا، بعد أن أدى "خطأ غزوها الفاحش" إلى إنهاء شرعيتها الأخلاقية، وتدهور اقتصادها، وتبديد قوتها العسكرية. وقد يثار التساؤل التالي:"لماذا لا ننهي ما بدأه بوتين وننهي روسيا معه؟. وهنا ينبغي الحذر من أن بوتين لن يتغير لأن روسيا لن تتغير ". وسوف تؤدي العقوبات التي لا نهاية لها إلى تحويل الاستياء العام بعيدا عنه نحو الغرب لجولة جديدة من المواجهة. وأي اشتباك جديد سوف يكون أكثر خطورة من الحرب الباردة بسبب مشاركة الصين الكاملة ومجموعة طموحاتها وأوجاعها التاريخية. وقال سيرفاتي إنه حان وقت التحدث مع روسيا، رغم صعوبة القيام بذلك. وينبغي عدم دفع روسيا إلى حالة يأس استراتيجي كما لا يمكن السماح لفولوديمير زيلينسكي بأن يصبح متهورا، رغم أنه يرغب في أن ينتصر في حرب كان من المتوقع بدرجة كبيرة أن يخسرها. ونحن نعرف الآن أنه لم يعد الطرف الأقوى الذي ينتصر في الحرب. وأكد سيرفاتي في نهاية تقريره أن التحدث مع روسيا لن ينهي بالضرورة الحرب، لكنه سوف ينهي القتل. ولن يساعد على استعادة كل سيادة أوكرانيا لكنه سيحافظ عليها دون تكاليف متزايدة قد يكون في القريب العاجل من الصعب تحمله ا بالنسبة للجميع. وينبغي على الولايات المتحدة اغتنام هذه اللحظة قبل أن يفوت الآوان. ع.ج/ ع.ج.م (د ب أ)
مشاركة :