أنبوب غاز بين ألمانيا وروسيا في غير محله

  • 1/6/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

فازت ألمانيا ومواطنيها وقادتها باحترام العالم، إثر الحرب العالمية الثانية وانتهاجها سياسات أخلاقية وسياسية رفيعة: من مقاربة ويلي براند الخلاقة الى العلاقات بالكتلة الشرقية مروراً بعملية التوحيد السلمية بين شطري البلاد في 1990 وصولاً الى ترحيب انغيلا مركل باللاجئين السوريين في 2015. ولكن اليوم لا يفهم المراقبون الداعي الى التفريط بهذا الإرث في مشروع أنبوب الغاز مع روسيا فلادمير بوتين، في وقت تغير وجه سوق الطاقة الدولية في العام المنصرم ولم يعد العرض الروسي يعتد به وصار بائتاً. وهو اتفاق يشوبه الفساد ويقوض وحدة أوروبا. وإدارة اوباما تكاد لا تحرك ساكناً لتثني المستشارة الالمانية عن اتفاق الغاز مع روسيا. وليست غايات بوتين غامضة، فهو يرمي الى الحفاظ على عائدات «غازبروم» ومفاقمة اعتماد غرب اوروبا على الغاز الروسي وخنق أوكرانيا. وعلى رغم وضوح ما يرمي اليه بوتين، تصف مركل مشروع «نورد ستريم 2» بالتجاري الذي يلتزم مقتضيات حاجات السوق. ولكن ما تقوله ضعيف الصلة بالواقع. ويرى أندرس أسلوند، خبير اقتصادي سويدي في «أتلانتيك كونسيل»، ان استهلاك الغاز الطبيعي في الاتحاد الاوروبي تدنى 21 في المئة في العقد الماضي، وأن أنبوب غازبروم في بحر البلطيق يعمل اليوم «بنصف طاقاته». وليست غازبروم شركة روسية عامة فحسب. فهي ترفع لواء مشاريع الكرملين الجيو- استراتيجية فتقطع الامدادات أو ترفع الاسعار. ولا يخفى أن غيرهارد شرودر، المستشار الألماني السابق، عضو في اللجنة الادارية - «غازبروم نورد ستريم»، وهو وقع على مشروع «نورد ستريم 1» الأثير على قلب بوتين في 2005، اثر خسارته في استطلاعات الرأي امام مركل. وفي أيامه الأخيرة على رأس السلطة الالمانية، فاوض بوتين على فرصة عمل في غازبروم. ووقع وقع المفاجأة إعلان غازبروم في حزيران (يونيو) الماضي عزمها على مد خط أنابيب جديدة يتجنب المرور في أوكرانيا - وعائداتها من عبور الغاز الروسي تبلغ بليوني دولار. ويدافع سيغمار غبريال، نائب المستشارة الالمانية في الحكومة الائتلافية وهو من أبرز وجوه حزب شرودر الاشتراكي - الديموقراطي، عن المشروع في كل مناسبة. وليس مدار المسألة على ارباح مالية، بل على جيو- استراتيجية قوامها استرضاء بوتين. ويشوب هذه السياسة غياب التضامن مع جيران ألمانيا في الشرق. وحين أقمت عامين في المانيا، حفني الاعجاب برغبة الألمان في تقاسم أعباء اوقات الضيق والعسر، وإقبال العمال هناك على تقييد مطالب رفع الرواتب والامتيازات من أجل المصلحة العامة. وهذه الرغبة تساهم في فهم ما وراء انخفاض معدلات البطالة في ألمانيا الى نصف نظيرها في فرنسا. ويتزامن تصعيد غازبروم حملتها «الغازية» مع تعثر حملة بوتين العسكرية في شرق أوكرانيا. ويبدو ان الرئيس الروسي لم يتوقع عسر السيطرة على القوات المتمردة التي سلحها. ونقل في موسكو عن أحد قادة التمرد الأوكراني، إيغور ستريلكوف، انتقاده شح المساعدات البوتينية لقواته. ويبدو ان الرئيس الروسي يشعر بأن الوقت ينفد امام مغامرته الاوكرانية، وان اوان ابرام اتفاق أو النصر قد آن. وحري بالإدارة الأميركية، اثر رفع الحظر عن تصدير النفط، امداد اوكرانيا بموارد الطاقة إذا دعت الحاجة.      * معلّق، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 1/1/2016، إعداد منال نحاس

مشاركة :