ينطلق اليوم معرض الرياض الدولي للكتاب، بعد أن أضحى موعداً متجدداً للثقافة والنشر، ننتظره سنوياً ويقبل عليه المهتمون والمهتمات من أرجاء البلاد.. نعم أصبح معرض الرياض للكتاب علامة فارقةً بين معارض العالم العربي، ومنارة يحج لها طلاب المعرفة من كل مكان.. قلت سابقاً، وأكرر دوماً، إن معرض الرياض تحول إلى تظاهرة ثقافية متكاملة، ومهرجان للمعرفة والثقافة والفنون والآداب؛ جعلت الآلاف والآلاف بانتظاره سنوياً، فهو الموعد الذي لا أفوته، ولا يفوّته كثير مثلي، من أبناء الوطن وأصدقائه حول العالم.. ولعل الإقبال الكبير والأعداد المتزايدة التي تحرص على الحضور وزيارة المعرض كل عام، وتسجل مراصد الثقافة زيادتها كل عام دليلٌ بيّن على ما يعنيه المعرض، وما يمثّله هذا الموعد للثقافة العربية. ولن ننسى طبعاً حرص دور النشر، ومؤسسات الثقافة الرسمية والخاصة من كافة دول العالم، وإلحاحها على المشاركة في فعاليات معرض الرياض، وعدم تفويت فرصة اللقاء بالقارئ السعودي النهم على الاطلاع والمعرفة من خلال هذه النافذة الثقافية.. ولطالما عبّر الناشرون وأصحاب الدور والمؤلفون عن أهمية تواجدهم، وحضور منتجاتهم الثقافية في هذه التظاهرة السنوية الفارقة.. أتذكر أن الدكتور مجد حيدر (صاحب دار ورد للنشر) كان يرانا كل عام في الرياض وجدة، ويستغرب حرصنا على الحضور هنا وهناك باستمرار، وكم كان يسألنا: هل لديكم مكتبة أو دار نشر؟ ويتعجّب حين نجيبه بالنفي، حتى أصبحت دعابته السنوية؛ نمرّ به، فيبتسم، ويهمس: (ترى عندنا خصم للمكتبات ودور النشر!!). ولن يفوتني بالطبع الإشارة إلى جهود التنظيم المميز، من وزارة الثقافة، وهيئة الأدب والنشر والترجمة، وشركائهما، وتحقيق الهدف. ينطلق المعرض ويضم على هامش استضافته لدور النشر حزمة من الفعاليات والأنشطة؛ ندوات ثقافية وأدبية متنوعة، وأمسيات شعرية، وورش عمل يومية في مجالات الفن والقراءة والكتابة والنشر وصناعة الكتب والترجمة، يقدمها متخصصون ومتخصصات.. هذا بالإضافة طبعاً إلى الأمسيات الشعرية والثقافية المختلفة والحوارات التي يشارك فيها كتاب عالميون وعرب للحديث عن أبرز إصداراتهم، وفعاليات جناح الطفل، ومنصات توقيع الكتاب، ومنصات المؤلف السعودي، وغير ذلك مما توفره هذه الوجبة الثقافية الدسمة التي تستمر على مدى عشرة أيام مقبلة. أعلم أن هناك بعض الملاحظات على توزيع دور النشر، أو على أسعار الكتب المبالغ فيها أحياناً، أو اكتظاظ الفعاليات وعدم قدرة الناس على مواكبتها، وهذا أمر طبيعي وصحي، لكن المعرض أيضاً يمثل فرصة سانحة لتقديم رسالة إعلامية للعالم أجمع عما يمكن لوطننا وأبنائه أن يقدموه؛ ففي حرص الناس كباراً وصغاراً على الحضور (المليونيِّ عادة) رسالة مهمة أن الثقافة الأصيلة الجادة والمواكبة للعصر تبقى وتؤثر، وأن المجتمع السعودي مجتمع منفتح، نهم للمعرفة، شغوف بالتطور.. وإذا كانت رسالة المعرض هي «إيجاد بيئة محفزة تشجع على القراءة وصناعة الكتاب ونشره للمساهمة في بناء الاقتصاد المعرفي الوطني»، فأنا أعتقد أن معرض الرياض قد حققها، بإعلانه بوضوح أن المكان يتسع للجميع، وأن النشر والقراءة والحوار هي الطرق الصحية لدفع عجلة التنمية وبناء المجتمع ومواجهة تحديات العصر.
مشاركة :