"دعاء" حكايات أطفال سوريين شردتهم الحرب وتركتهم وحيدين

  • 9/29/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

توجد في المجتمع الكثير من الحكايات المؤلمة التي يمكن أن تنقلها السينما في أفلام توثق فيها طبيعة الحياة ومساراتها وحقائقها. وفي مجتمع ما زال نازفا بتأثرات حرب قاسية كانت فيه، تغدو هذه الحكايات حدثا يوميا مكررا وشديد الوضوح. دعاء هو اسم فتاة صار اسما لفيلم، يروي حكاية فتاة عاشت في سوريا ووجدت نفسها في ظروف حياتية صعبة، قدمها فيلم سينمائي سوري في محاولة منه لرصد ما حدث. “دعاء” هو المحاولة الثانية للشابة السينمائية السورية تاتيانا أبوعسلي في شكل فيلم روائي قصير بعد فيلمها الأول “الرجل الصغير”، الذي قدمته في مجال سينما الهواة من خلال مشروع دعم سينما الشباب في سوريا الذي تنتجه المؤسسة العامة للسينما، والذي قدمت فيه عوالم اجتماعية حارة ومعاصرة. وفي فيلمها الثاني “دعاء” تتجه أبوعسلي مجددا نحو المجتمع في أحد تجلياته، فتقدم شيئا عن القسوة التي يفرزها بعد استباحته من واقع حرب، ألقى بعبئه على مجتمع كامل وأعاد تشكيله من جديد. ثلاثة أدوار تقدم المخرجة في هذا العمل ثلاثة أدوار إبداعية، فهي مؤلفة الفيلم ومخرجته، كما قامت بدور البطولة فيه. والفيلم محاولة للحديث عن أطفال مشردين لا معيل لهم يواجهون مخاطر الحياة بمفردهم ويكونون عرضة لمخاطر الاستغلال في أبشع صوره. المخرجة في دور تمثيلي وفي جهة مقابلة يقدم العمل نماذج اجتماعية إيجابية فاعلة، كما يسلط الضوء على التفاعلات الاجتماعية التي يمكن أن تكون موجودة وتتقاطع بشكل أو بآخر مع موضوع الفيلم الأساسي، لتكون مسارات حياتية مختلفة تمثل أطياف مجتمع حرب والصراعات التي يمكن أن تنشأ بينها. التفاصيل الموجودة في الفيلم وتحمل عددا من الرسائل إلى الجمهور الذي من المفترض أن يكون متفاعلا معها نظرا إلى قربه الشديد منها في الحياة اليومية. واختارت تاتيانا أبوعسلي المغامرة في الفيلم باعتبارها تؤدي ثلاثة أدوار كما سبق أن ذكرنا (التأليف والإخراج ودور البطولة)، وهذا ما يعني تحمل المزيد من العبء الإبداعي. تقول عن ذلك لـ”العرب”: “كان تحديا كبيرا أن أكون في المكانين التمثيل والإخراج معا، لكن رغبتي العميقة في قول جوانيات شخصية البطلة في الفيلم جعلتني أتمسك بأن أقوم بتجسيد الدور كوني على ثقة تامة بأنني سأوصل المفاهيم التي تجول في رأسي إلى الجمهور بالشكل الذي رأيت أنه يحقق الهدف منها. كان صعبا ومرهقا أن يفكر الإنسان في تأدية عمل يقف فيه أمام الكاميرا وخلفها في آن واحد؛ ففي لحظة واحدة يجب عليه أن يكون موجودا فيزيائيا في مكانين متعاكسين. تغلبت على المسألة من خلال وجود فريق فني مساعد يمتلك الكثير من الخبرة في أداء العمل، وكنت أصمم اللقطة والحركة مع أعضاء الفريق ثم ألتفت إلى أداء الدور التمثيلي باطمئنان”. والجانب الثاني الذي غامرت فيه المخرجة أبوعسلي، كما تقول، كان في طريقة تنفيذ بعض المشاهد التي قاربت فيها الأداء المسرحي في التمثيل، فنفذت المشاهد بطريقة متواصلة “وان شوت” كما في المسرح، ورافق ذلك تصوير بعدسة سينمائية محمولة (ستيدي كام) كلف فريق العمل والتصوير خصوصا جهدا كبيرا، كون التصوير في مكان عام ويتطلب براعة خاصة في تصوير لقطات طويلة تتجاوز مدتها ثلاث دقائق على الكاميرا المحمولة. وتراهن المخرجة على ضرورة أن تكون اللقطات على هذا الشكل لتحقيق غاياتها البصرية. ولا يقف فيلم “دعاء” عند ظاهر القول، بل يدخل في مساحة ما بين السطور؛ فهو يقدم تشريحا للمجتمع السوري في مرحلة ما بعد الحرب، ويقترب من طرح إشكالات فنية تحمل في جوفها صدامات اجتماعية حادة، تتعلق بمصير شريحة الأطفال المشردين ودور المجتمع الأهلي والدولة في إيجاد الحلول المناسبة لهؤلاء، كما يقدم صورة عن الواقع القانوني الذي يعيشه مجتمع الأطفال المشردين والمعاناة القانونية والاجتماعية التي يواجهونها في حياتهم. تشريح المجتمع الفيلم يحاول الحديث عن أطفال مشردين لا معيل لهم يواجهون مخاطر الحياة بمفردهم ويكونون عرضة للاستغلال العمل بدقائقه التي لا تتجاوز الثلاثين يقدم طيفا من الأسئلة الحارقة التي كثيرا ما تكمن في بال السوريين عن هذه الشريحة التي ظهرت بشكل جلي في مرحلة الحرب وما بعدها في المجتمع السوري، وباتت حدثا يوميا تلاحقه جهات الإعلام والمجتمع الأهلي وبعض الفعاليات التي تتضافر جهودها لإيجاد مخرج لها وإعادتها لتكون في مسارها الصحيح في المجتمع، وهي الشريحة التي تمثل كما يفترض طاقات شابة ستكون يوما ما الطاقة المنتجة في المجتمع السوري الذي يهدف بالتأكيد إلى تحقيق أهداف حضارية تخصه. ويقدم الفيلم عددا من الشخصيات التي تختلف في طبائعها وسلوكها اليومي. منها شخصية الوالد المأزومة (جمال العلي)، التي تعيش عالة على الآخرين، ويمتلك براغماتية ودرجة عالية من الوصولية تجعله متحكما في مصير الأسرة والأطفال. وتتمحور حول هذه الشخصية الكثير من وجهات النظر مثيرة العديد من التساؤلات في ذهن المتلقي، هل هي شخصية شريرة بطبعها أم أن ظروفا قاهرة عصفت بها وجعلتها في هذا الشكل الحياتي الاجتماعي؟ وهل تبرر المهالك التي عاشتها أن تكون بهذا الجبروت والقسوة على محيطها؟ وهل ستبقى على مسارها ذاك أم أن أحداثا ستعيشها يمكنها أن تحولها إلى شخص آخر؟ تبدو شخصية الوالد مركبة فيها العديد من الحالات النفسية المتضاربة والمتناقضة أحيانا، وهذا ما يجعلها محورا هاما في الفيلم، الذي قامت المؤسسة العامة للسينما في سوريا بإنتاجه، وهو عن سيناريو و إخراج تاتيانا أبوعسلي، وشارك فيه في التمثيل: جمال العلي وتاتيانا أبوعسلي وزهير البقاعي وطارق نخلة ورغداء هاشم والطفلة شهد الزلق. ويذكر أن المخرجة عملت في العديد من المجالات الفنية التي تنقلت ما بينها؛ فقد عملت في المسرح وقدمت مسرحية “العكازة” في موسم 2020 عن نص مسرحية “أيولف الصغير” للكاتب هنريك ابسن، وقدمت فيلما قصيرا بعنوان “الرجل الصغير”، وفي فيلمها الأحدث “دعاء” تقارب خطوة جديدة في اتجاه السينما الاجتماعية التي تحقق من خلالها طموحاتها الفنية التي تريد الوصول إليها.

مشاركة :