خلافا لما جرت عليه العادة فإن القوى السياسية والنيابية في لبنان لن تعمد على ما يبدو إلى عدم توفير نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية والمتمثل في ثلثيْ أعضاء مجلس النواب، ولكن العملية لن تنجح بسهولة في اختيار رئيس جديد للبلاد نظرا لغياب التوافق إلى حد الآن الأمر الذي يرجح تصويت أغلب النواب بورقة بيضاء في الجلسة الأولى. ودعا رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الثلاثاء، النواب لعقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للبلاد خلفا للرئيس الحالي ميشال عون الذي تنتهي فترة ولايته الحالية في الـ31 من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل وينص الدستور اللبناني في المادة 73 على أنه "قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم مجلس النواب بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد. وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس". وتنص المادة 75 على أنه "يعتبر مجلس النواب الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالا في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أي عمل آخر". وبعيدا عن الأسماء تخضع عملية انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان لمعادلات داخلية تراعي التنوع السياسي وتفاهمات إقليمية وخارجية أبرزها إيران والسعودية وفرنسا والولايات المتحدة. لذلك لم يعد خافيا أن انتخاب الرئيس اللبناني يتجاوز فكرو أنه عملية تصويت تقنية بقدر ما يكون نتاج تسوية سياسية لها أبعادها الدولية والإقليمية والمحلية. لذلك آلت التجارب التي لم يكن يتوفر لها الغطاء العربي والإقليمي والدولي إلى الفشل والاغتيال أيضا. وشدد بري في تصريحات إعلامية الاثنين، على ضرورة انتخاب رئيس جديد وتشكيل الحكومة لتجنيب البلاد الدخول في "فوضى دستورية". وأكد الرئيس عون الجمعة على ضرورة انتخاب رئيس جديد للبلاد وتشكيل حكومة قبل انتهاء ولايته. وتبوأ عون منصب الرئاسة بعد فراغ رئاسي استمر 29 شهرا لم يتمكن خلالها البرلمان من الاتفاق على انتخاب رئيس، لتفضي تفاهمات عسيرة لانتخاب عون حليف حزب الله المدعوم من إيران.. ويتعين الحصول على أصوات ثلثي النواب في البرلمان المؤلف من 128 عضوا لكي ينجح المرشح في الفوز بالرئاسة من الجولة الأولى من التصويت، وبعد ذلك ستكفيه أغلبية بسيطة (النصف زائد واحد) لتأمين المنصب. وهو ما لم يحصل في جلسة الخميس كما كان متوقعا نظرا لعدد البطاقات الفارغة أو اللاغية. ولئن أثبتت التجارب السابقة أن المرشحين الكلاسيكيين (ينتمون إلى العائلة السياسية) هم الأوفر حظا لنيل منصب رئيس الجمهورية، إلا أن ذلك لم يمنع شخصيات "تقنية" من الترشح للمنصب لعلها تكسر القاعدة. وأبرز هؤلاء السفيرة السابقة لدى الأردن ترايسي شمعون، حفيدة الرئيس الأسبق كميل شمعون التي عرضت في أغسطس/ آب الماضي برنامجها "رؤية جديدة للجمهورية". وتقدمت الكاتبة والشاعرة مي الريحاني بترشحها للمنصب، وهي أيضا ناشطة في مجال تعليم الفتيات والدفاع عن حقوق المرأة، ومقيمة في الولايات المتحدة. ومن بين الأسماء غير الناشطة سياسيا يبرز اسم زياد حايك الذي يشغل منصب رئيس الجمعية العالمية لوحدات الشراكة في جنيف الذي أعلن ترشحه وفق برنامج حمل شعار "الازدهار والأمان وكرامة الإنسان". وأعلن رجل الأعمال سايد بطرس فرنجية ترشحه إلى الرئاسة، متعهدا بإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية الراهنة وجلب الاستثمارات الخارجية. ولأن الرئيس لا يأتي إلا وفق توافقات سياسية فإن الأسماء التي تدعمها الكتل النيابية والأحزاب السياسية البارزة هي الأقرب للمنصب، ولم يبرز إلى حد الآن توافق جدي يضمن نسبة الثلثين لأحد المرشحين. ويعتبر بعض الملاحظين أن حليفيْ حزب الله وحركة أمل جبران باسيل وسليمان فرنجية هما الأقوى حظوظا إلى حد الآن، لكن عدم الحسم بين أحد المرشحيْن قد يُضعف حظوظ الإثنين في آن واحد. لكن بعض الأطراف السياسية في لبنان ترجح كفة فرنجية رئيس تيار المردة لارتباطه الوثيق بالمحور الإيراني السوري من جهة، ولعدم "ارتياح" بري رئيس كتلة حركة أمل لباسيل. وقد تلقي علاقة المصاهرة التي تربط باسيل بالرئيس عون بظلالها السلبية على ترشيح باسيل للربط العفوي الذي يتم في أذهان البعض بين باسيل والإخفاقات التي شهدتها فترة ولاية عون، وربما يُستخلص ذلك من خلال خسارة باسيل للأغلبية البرلمانية. ويعول النائب ميشال معوّض على علاقاته المتطورة بدول كبرى كالولايات المتحدة وفرنسا وروسيا لتقلد منصب رئيس الجمهورية، لكن محللين يعتقدون أن ذلك لا يكفي في ظل "فجوة" مع دول عربية وإقليمية مؤثرة في المشهد اللبناني على غرار السعودية وإيران. ويعتبر رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع نفسه مرشحا "قويا" لمنصب الرئاسة في حال توحدت المعارضة حول شخصه، كما صرح في حزيران/ يونيو الماضي لـ"يورو نيوز". وقال جعجع إنه "يزهد في رئاسة تأتي عبر حزب الله"، منتقدا الرئيس عون الذي يعتبره "مرتهنا لإرادة حزب الله". ويُطرح اسم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لدخول قصر بعبدا على اعتبار أن الأزمة الاقتصادية التي يتخبط فيها لبنان تتطلب حلولا اقتصادية ومالية بالدرجة الأولى، لكن شبهات الفساد التي تلاحقه تُضعف من حظوظه بحسب البعض فضلا عن تحميله مسؤولية جزء من مشاكل البلاد الاقتصادية. وعموما، لن يُحسم انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان منذ الجلسة أو حتى الجلسات الأولى التي ستأخذ طابع "جس النبض"، ويُرجح أن تطول الجلسات وتتلاحق قبل 31 أكتوبر وربما بعده في مشهد قد يذكّرنا بماراثون جلسات انتخاب عون التي وصل عددها إلى 45 جلسة تقريبا استغرقت نحو عامين ونصف.
مشاركة :