تعدّ "خدمة ما بعد البيع" أحد أهم العناصر التي تساهم في ترويج السلعة، وزيادة المبيعات، حيث يوصي خبراء التسويق والتجارة بالاهتمام بها وتطويرها بشكل مستمر، وهو ما جعل كبريات الشركات العالمية تحرص على تقديمها لعملائها؛ حرصاً منها على سمعة منتجات الشركة في السوق، وزيادة الإقبال عليها، وذلك لأنّ مثل هذه الخدمة التي أضافتها الشركات لتأكيد التزامها تجاه الزبون؛ ترفع مستوى رضا العملاء عن المنتج والترويج له، لكن هذه الخدمة في المملكة لا زالت تعاني من القصور الشديد، من قبل الكثير من الشركات والوكلاء المحليين، وربما تحولت إلى مجرد دعاية وهمية فقط لا غير، حيث يتذمر عملاء الشركات من سوء التعامل، وعدم حصولهم حتى على الإجابات حول السلع بعد البيع. وزارة التجارة مطالبة بدراسة واقع «ضمان السلع» ووضع «عقوبات أولية» على الشركات والمؤسسات المستهترة مكان متقدم وذكر "عاصم القضماني" -خبير تسويق وتجارة- أنّ خدمات ما بعد البيع قد تكون أهم كثيراً من البيع نفسه؛ لأنّ مزاج الزبون وتوجهاته للشراء محكومة لعوامل عدة، أهمها على الإطلاق خدمة ما بعد البيع، وهذا ينطبق على كل السلع بما فيها السيارات والاتصالات وأجهزته، وفي حال قصور أو انعدام هذه الخدمة عن شركة أو وكيل ما فإن الجهات الرقابية هي المسؤولة عن متابعتها ومعاقبتها؛ بسبب الإخلال بهذه الخدمة، وعن أهمية هذه الخدمات على مستوى العالم، مؤكّداً على أنّ هذه الخدمة تحتل مكاناً متقدماً ومهماً في العالم. وأضاف أنّ "أميركان إكسبرس" أجرت دراسة على "خدمة ما بعد البيع"، حيث تبيّن أنّ (89%) من قرارات المستهلكين للشراء تتأثر بشعوره بالراحة، و(90%) منهم تعلق أهمية كبيرة على قيمة ما يشترونه مقابل المال الذي ينفقونه، وما يقرب من (90) يعتمدون في قراراتهم للشراء على أساس نوعية خدمة ما بعد البيع التي تقدمها المنشأة، مشيرةً إلى أنّ (6%) من جميع الأصناف المباعة ترد، وأنّ (68%) من المرتجعات لا يوجد بها خلل فني، مبيّنةً أنّ متوسط الخسارة المتعلقة بإعادة المنتج تصل في المتوسط إلى ربع قيمة السلعة، بينما تصل تكاليف إعادة تجهيز المرتجعات إلى أربع مرات بقدر تجهيز المنتج الأصلي؛ مما يكشف أنّ الدول المتقدمة تضع أهمية كبيرة لخدمة ما بعد البيع، لكنها للأسف لا زالت غائبة عن ثقافتنا التجارية، سواء من جهة الشركات أو المستهلكين أو الأجهزة الرقابية. «الصيانة المجانية» في وقت الضمان تمنح المصداقية وتزيد من رضا العملاء غياب الرقابة ورأى " محمد العامر" -معلم- أنّ خدمات ما بعد البيع للعديد من المنتجات دون المستوى -إن لم تكن معدومة أصلاً-، مرجعاً السبب في ذلك إلى غياب دور الأجهزة الرقابية في المملكة عن متابعة الشركات المقصرة تجاه خدمة العميل، واتخاذ العقوبات الرادعة تجاهها، مستشهداً بالمثل: "من أمن العقوبة أساء الأدب"، مبيّناً أنّه يأتي في مقدمة الأجهزة الرقابية المنوط بها مراقبة الأسواق والشركات وزارة التجارة، التي يجب أن تتابع خدمات الشركات ومدى التزامها بالعقود تجاه عملائها، لا سيما خدمات ما بعد البيع، حتى لا يصبح الأمر بمثابة الضحك على المستهلك، موضحاً أنّ لجمعية حماية المستهلك دور أساسي ومهم في الوقوف في صف المستهلك والدفاع عن حقوقه تجاه الشركات لكن مع الأسف لا زال دورها غائب لدرجة أن أغلب المواطنين لا يعرف هذه الجمعية إلا من خلال وسائل الإعلام. تجاهل الوكلاء وأكّد "بدر الزهراني " -اقتصادي- على أنّ خدمات ما بعد البيع من العناصر الرئيسة التي باتت تعتمد عليها الشركات الكبرى في العالم، مبيّناً أنّ هذه الشركات تعطي أولوية كبرى لملاحظات العملاء على منتجاتها، وتعمل مثل هذه الشركات على اكتشاف العيوب في منتجاتها، من خلال مختبراتها، وما يردها من ملاحظات الموزعين، وشكاوى المستهلكين؛ لكي تمنع وصول هذه الشكاوى إلى المحاكم، وبالتالي تتكبد خسائر مادية طائلة في حال حكم على الشركة، كما أنّ وصولها في حد ذاته يؤدي إلى تشويه السمعة، وبالتالي قد تتأثر حصتها في السوق، وتتراجع أرباحها أو تتحول إلى خسائر، ولذلك تستدعي الشركة المواد المعطوبة أو المنتج كاملاً، وأحيانا تعوض المستخدمين الذين يحتمل أنهم تأذوا من بضائعها. وأضاف أنّ مفاهيم خدمة ما بعد البيع في العالم تطورت بشكل سريع لتصبح مجالاً للتنافس بين الشركات المصنعة، ومن ذلك الضمانات التي تمتد لسنوات عديدة على الأخطاء والعيوب المصنعية، ووصل الأمر إلى تطوير أسلوب تقديم الخدمة، فظهرت مفاهيم جديدة في هذه المجال، ومنها توفير البديل للمستهلك، من خلال فترة صيانة أو إصلاح المنتج، مشيراً إلى أنّ القوانين التي تطبقها الشركات في العالم يتم تجاهلها في المملكة من أغلبية الوكلاء؛ لعدم وجود جهة حامية بقوة وفاعلية للمستهلك، إلى جانب تعاون الوكلاء على تنفيذ السياسة نفسها مع الجميع، موضحاً أنّ بعض الشركات في المملكة تعوّض العميل نقدياً، لكن عادةً يكون أقل من قيمة السلعة المشتراة!، وهذا خلاف التزام الشركة بتغيير التالف وإصلاح العيوب فيه، أو إبداله بسلعة جديدة خالية من العيوب. طريق المحاكم طويل واعتبر "سامي الشهري" -موظف- أنّ كثيراً من الحقوق تضيع مع التجار والوكلاء من دون أن نجد من يهتم لها، فإن لجأ المواطن إلى المحاكم فطريقها طويل والتجار أمنوا العقوبة، مضيفاً: "تعاقدت مع إحدى الشركات على عمل مطبخ لمنزلي، وتعدّ من كبريات الشركات التي تعمل في هذا المجال، ولكن بعد عدة أشهر اكتشفت به عدة عيوب، فطلبت منهم صيانتها على الضمان، حيث كانوا يقولون إنّه مضمون عشر سنوات، وللأسف اكتشفت أنّ العقد لا يتضمن فترة ضمان، وإنما كان كلاماً دعائياً شفوياً من المسؤولين في الشركة"، موضحاً أنّ بعض الشركات تضع كثيراً من الشروط في ضمانها، وبالتالي تفرغ الضمان من أهميته؛ مما يحميها ويجعل من هذه الضمان لا يطبق إلاّ في حالات نادرة جداً. أسعار مرتفعة وقال "فهد مشبب": "الأسعار المبالغ فيها بشكل هائل، وقد احتجت لتغيير فلتر السيارة، فبحثت عنه في موقع أمازون فوجدته بسعر (9) دولارات فقط، أي حوالي (34) ريالاً سعودياً، ثم ذهبت بعد ذلك إلى الوكيل المحلي للشركة، فوجده بسعر (95) ريالاً". معوقات ومسببات ونوّه "خالد اليحيى" أنّ أهم المشاكل والمعوقات تتلخص في مماطلة الشركات عن التنفيذ أو التأخر في توفير هذه الخدمات، إلى جانب صياغة عقود البيع قد لا تتضمن الالتزام بخدمات ما بعد البيع، وهناك أيضا جانب المواطن وضعف الثقافة لديه بالمطالبة بحقوقه لدى الجهات الرسمية والشركات عند وقوع الضرر عليه، موضحاً أنّ الجهات الرسمية ممثلة في وزارة التجارة وجمعية حماية المستهلك وربما هيئة المواصفات والمقاييس تتحمل جزءاً من المسؤولية بعدم تطوير أنظمتها من جهة، وضعف مراقبة الأسواق ومدى جدية التزام الشركات بتنفيذ خدمات البيع تجاه عملائها على الوجه المأمول.
مشاركة :