الرباط – يسعى جزء من اليسار المغربي لتجميع الشتات وإعادة الحياة لهذا التيار، بعدما تجرع هزيمة الإبعاد من مقاعد الحكومة والالتحاق بالمعارضة، إثر نتائج انتخابات سبتمبر العام الماضي. ولتحقيق هذه الغاية التقت قيادة حزبي التقدم والاشتراكية والاشتراكي الموحد بحضور رئيسي الحزبين على التوالي، نبيل بنعبدالله ونبيلة منيب، لتنسيق الرؤى والمواقف في محاولة لاستعادة ثقة المواطن في هذا التيار وتجاوز الخلافات والانقسام والعمل على مواجهة تحديات المرحلة الحالية، لكن هذه الجهود تقابل بانتقادات واسعة وحملة تشكيك في أهدافها الحقيقية، وسط اتهامات للحزبين بمحاولة تصدير أزماتهما الداخلية نتيجة الصراع على القيادة. وسطر الحزبان المعارضان ثلاثة أهداف للالتقاء، الأول بحث صيغ وسبل مشتركة لمواجهة الوضع الحالي الذي يمر به المغرب، ثانيا إحداث رجة مجتمعية وسياسية، ثالثا بحث أشكال للتعاون والتنسيق بين الحزبين سواء سياسيا أو تشريعيا أو مجتمعيا. وسجل المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية عن “تقاطع وجهات نظر الحزبين بخصوص عدد مهم من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما يفتح الآفاق رحبة أمام تعزيز التعاون والتشاور الثنائيين، بهدف استكشاف سبل تقوية النضال الديمقراطي والجماهيري المعتمد على إسهام كل القوى الفاعلة في مختلف واجهات النضال”. المبادرة التنسيقية بين الحزبين اليساريين، تأتي بالموازاة مع تحضير ظروف المؤتمر الوطني الحادي عشر لحزب التقدم والاشتراكية ولتجسيد هذا الهدف، فقد اتفق الحزبان على تشكيل لجنة مشتركة ومصغرة لتدارس إمكانيات وسبل العمل المشترك مستقبلا. ودعت نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، خلال الاجتماع المشترك بين قيادات حزبها وحزب التقدم والاشتراكية، إلى “فرض تعاقد جديد ما بين الدولة والمجتمع لكي نرجع الثقة للمواطنات والمواطنين”. وأوضحت أن “هذا اللقاء، يشكل مناسبة لفتح نقاش ديمقراطي حول القضايا التي تهم بلادنا، خاصة وأن المغرب يمر بأوضاع ‘صعبة’، والتي لا بد لنا من البت فيها”. وأكد بنعبدالله، أمين عام حزب التقدم والاشتراكية، في كلمة له، أن هذا اللقاء يأتي بحثا عن صيغ وسبل مشتركة لمواجهة الوضع الحالي الذي يمر به المغرب، كما يهدف إلى إحداث رجة مجتمعية وسياسية، مضيفا أن “هذا اللقاء جاء للبحث عن أشكال للتعاون والتنسيق بين الحزبين سواء سياسيا أو تشريعيا أو مجتمعيا”. وأضاف أن “اللقاء الحالي يأتي كمقدمة لاجتماعات مقبلة مع أحزاب وهيئات سياسية أخرى، من أجل تبادل وفتح واستشكاف آفاق للتعاون فيما بيننا مع أطراف سياسية فاعلة في الحقول السياسية والاجتماعية والفكرية”. وعلّق رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، في تصريح لـ”العرب”، أن “تدشين محاولة التحالف والتنسيق بين الحزبين يهدف إلى إبقاء نفس القيادة الحزبية برفض كل دعوة إلى التغيير”. وأضاف أن “هذا الأمر يفضح طبيعة اليسار الذي يدعي الديمقراطية والتغيير دون أن يعطي المثال انطلاقا من نفسه”، موضحا أن “هذا التحالف للتسويق الإعلامي، ظاهره توحيد اليسار وباطنه الرغبة في البقاء، ولن يحمل جديدا، إذ يعبّر عن بؤس المعارضة، ولن يؤثر على المشهد السياسي”. وأوضح عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد العلمي الحروني أن من خلال تشخيص الحزبين للوضع الاجتماعي بدا أن هناك قواسم مشتركة مهمة في التشخيص، غير أن على مستوى التحليل هناك تباينا واضحا بين الحزبين، بل إن المواقف حول سبل وآليات ومداخل النضال المشترك أكثر تباينا واختلافا. القاسم المشترك للحزبين هو محاولة تهريب المشاكل الداخلية بافتعال تحالفات خارجية ولفت عضو المكتب السياسي ضمن توضيحه إلى أن اللقاء المذكور هو لقاء تواصلي “جنيني” بأفق التنسيق في قضايا محددة كالحريات والحقوق الاجتماعية وقضية الوحدة الترابية، وليس بتحالف سياسي بمفهومه الواسع، ذلك أن التحالف يستلزم ميثاقا سياسيا شاملا علنيا ووضوحا تاما والتحلي بالشجاعة في التعبير عن النقد الذاتي الضروري. ويؤكد رشيد لزرق أن المبادرة تحتاج على مستوى الفعل إلى أكثر من التصريحات والأماني، خصوصا وأن كلا القياديتين لهما مشاكل داخلية مع أعضاء حزبيهما تحتاج إلى حسم وتوافق على المدى القريب. ويقول رشيد لزرق إن لنبيل بنعبدالله خصوما لا يحبذون استمراره على رأس الحزب، وهو يقول إنه لا يوجد خليفة على المدى القريب ليقود سفينة الحزب، مضيفا أن “القاسم المشترك للحزبين هو محاولة تهريب المشاكل الداخلية بافتعال تحالفات خارجية”. ولتسويق هذه المبادرة، أشار نبيل بنعبدالله إلى “أن مقر حزب التقدم والاشتراكية مفتوح لكافة فصائل اليسار، ونرحب بكل من يريد المساهمة في بعث نفس تغييري مجتمعي وسياسي، ومنفتحون على كل من يريد أن يتقاسم معنا نفس همومنا، خاصة المتعلقة بالوضع الحقوقي أو المساواة أو بأوضاع الفئات الاجتماعية الهشة”. فيما أكد المكتب السياسي للاشتراكي الموحد أن “هذه المبادرة تستهدف الأحزاب التقدمية والقوى الديمقراطية، وكذلك القوى الفاعلة في المجتمع المدني، لرسم أفق واعد من أجل إنقاذ وطننا وبناء مستقبل يتقدم فيه المغرب في اتجاه الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمواطنة الكاملة والمساواة، وألا يكون حبيس نظرة ماضاوية”. وتأتي هذه المبادرة التنسيقية بين الحزبين اليساريين، بالموازاة مع تحضير ظروف المؤتمر الوطني الحادي عشر لحزب التقدم والاشتراكية، المقرر تنظيمه في منتصف شهر نوفمبر من السنة الجارية 2022، حيث جدد الأمين العام للحزب نبيل بنعبدالله تأكيده على أنه لن يترشح لولاية رابعة، موجها دعوة لباقي الأعضاء إلى إبراز قيادة جديدة قادرة على تسيير الحزب في المرحلة المقبلة. وعلّق رشيد لزرق بأن إعادة انتخاب بنعبدالله أمينا عاما للتقدم والاشتراكية للمرة الرابعة على التوالي سيضر بمبدأ الديمقراطية الداخلية لحزب يدعي التقدمية، قائلا “إن الإجابة على التناقضات الداخلية تقتضي التغيير الحقيقي في القيادة”.
مشاركة :