الهيئات المعنية بإدارة المشهد الإعلامي اقتنعت بأن عليها تقديم محتوى مهني وشيق وجذاب للطفل، بدل إصدار قواعد تنظيمية لا قيمة لها تستهدف التضييق على نفوذ وشعبية المنصات الدولية التي تقدم محتوى موجها للأطفال. القاهرة - تنبه المسؤولون عن إدارة الإعلام المصري أخيرا لخطورة استمرار غياب المحتوى الموجه للأطفال عبر القنوات المحلية مقابل التمادي في إصدار قواعد تنظيمية وتراخيص لمنصات مختلفة، على أمل وقف انجذاب الأطفال إليها في ظل عدم القدرة على الدخول في منافسة مع منصات مثل “نتفليكس” و”ديزني” في إنتاج برامج ومسلسلات تستقطب الصغار والمراهقين. وفسر خبراء اهتمام المسؤولين عن القنوات المصرية بملف برامج الأطفال على أنه محاولة لاستغلال الاهتمام الحاصل بانتشار “ديزني” واستعادة شرائح جديدة من الجمهور، سواء أكانوا أطفالا أم مراهقين، لأن هناك شريحة كبيرة غير راضية على أداء الإعلام، ووجد القائمون على إدارة المشهد الإعلامي في التركيز على قضايا الطفل وتنويعاتها مدخلا للانتشار. فاطمة المعدول: مصر بحاجة إلى رؤية شاملة لإعلام الطفل يضعها متخصصون وقالت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، المالكة لأغلب القنوات المصرية، إنها ستطلق أكبر مشروع محتوى أطفال في الإعلام العربي مطلع أكتوبر المقبل من خلال خارطة برامجية ودراما وأعمال كارتونية موجهة للأطفال بمراحلهم العمرية المختلفة، على أن تكون البداية بسبعة أعمال كبرى، برامجية وكارتونية وعرائس ومسابقات. وعبّر العديد من المعنيين بملف الإعلام في مصر مؤخرا عن مخاوفهم من تناول بعض المنصات لقضايا موجهة للأطفال تتضمن مضامين تتعارض مع القيم المجتمعية، وخرجت أصوات عديدة تنتقد غياب المحتوى الجذاب الذي يقدمه الإعلام المصري لينافس تلك المنصات ويستميل جمهورها داخل مصر. وأعلنت الشركة المتحدة أنها بصدد إطلاق أكبر شركة إنتاج متخصصة في محتوى الطفل بكافة مستوياته، تحمل اسم “نبتة”، سوف تبدأ بسبعة أعمال كبرى، ومن المستهدف أن تصبح رائدة في مجال محتوى الطفل على أصعدة متباينة، وتتشارك فيها قنوات فضائية مصرية بأعمال قيمة وجذابة. تبدأ الخارطة البرامجية بتخصيص فترات مفتوحة للأطفال في قنوات الشركة المتحدة المختلفة، تتضمن كارتونا وبرامج أطفال منها برنامج “رحلة سعيدة”، ويشارك في تقديمه طفلة، بالإضافة إلى برنامجي “عرائس يحيى”، و”كنوز” على قنوات “سي.بي.سي”، والتلفزيون المصري، وبرنامج “أطفال الحياة” على قناة “الحياة”. ومن المقرر أن يتم تخصيص فقرات في البرامج الدينية للأطفال لتعاليم الدين الصحيح وقيم التسامح والمحبة وتعليم الأطفال الصفات الحسنة، وتخصيص فقرات في برامج “التوك شو” يومي الجمعة والسبت تحمل اسم “إجازة المدارس” مع التوسع في إطلاق برامج أطفال متخصصة في اكتشاف المواهب الرياضية والفنية. وأكد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر مؤخرا أنه بصدد إصدار قواعد تنظيمية وتراخيص لمنصات المحتوى الإلكتروني مثل “نتفليكس” و”ديزني” تشمل التزام المنصات بالأعراف واتخاذ الإجراءات اللازمة حال بث مواد تتعارض مع القيم المجتمعية للدولة بعد زيادة أعداد المشتركين بها في مصر، وخطورة محتواها. متخصصون في إعلام الطفل يخشون أن تكون برامج ومسلسلات القنوات المصرية التي سيتم إنتاجها روتينية، مثل التي كانت تبث سابقا يبدو أن الهيئات المعنية بإدارة المشهد الإعلامي اقتنعت بأنه لا قيمة لقواعد تنظيمية تستهدف التضييق على نفوذ وشعبية المنصات الدولية التي تقدم محتوى موجها للأطفال دون التصدي لها بشكل واقعي وإنتاج مواد جيدة. وغابت تقريبا المحتويات التثقيفية المقدمة للأطفال المصريين طوال السنوات الماضية بعد أن انخرطت القنوات الفضائية المحلية في البحث عن عوائد مادية وإعلانية تمكنها من مواجهة الخسائر التي تتعرض لها، وركزت جهودها على إنتاج برامج اجتماعية وفنية وترفيهية ومسلسلات موجهة للكبار فقط، ما تسبب في تهميش إعلام الطفل. أمام توقف إنتاج أفلام ومسلسلات الكارتون أصبحت الفضائيات العربية والأجنبية والمنصات الخارجية هي الإعلام البديل أمام الأطفال المصريين، ما أثار مخاوف خبراء وجعلهم يطالبون بوجود إعلام موجه للطفل يلبي احتياجاته ويواكب عصره. ويخشى متخصصون في إعلام الطفل أن تكون برامج ومسلسلات القنوات المصرية التي سيتم إنتاجها روتينية، مثل التي كانت تبث سابقا، لأن الأطفال المعاصرين بحاجة إلى أن يكون المحتوى المقدم لهم مواكبا لتطلعاتهم، ولا يقل جودة وقيمة عن الذي يتابعونه على مواقع الويب والفضائيات الأجنبية. وأكدت فاطمة المعدول الكاتبة المتخصصة في أدب الطفل، وممن يستعين بهم مشروع الشركة المتحدة لإعلام الطفل، أن مصر بحاجة إلى قناة متخصصة في مخاطبة الطفل لمواجهة المنصات والبرامج الأجنبية، لكن المعضلة تكمن في تعامل الكثير من القنوات مع المحتوى المقدم للصغار والكبار بفكر تجاري، بموجب الربح والخسارة. وأضافت لـ”العرب” أن تقديم محتوى مهني وشيق وجذاب للطفل يتطلب أن يكون الهدف توعويا، لأن الأعمال الموجهة للأطفال لا تحقق ربحا، مع أنها مشروع تثقيفي وفكري لا يقدر بثمن، وأن يكون الخطاب الإعلامي الموجه للطفل مناسبا لمختلف المراحل العمرية من الصغار إلى المراهقين ليكون هناك تفاعل مع المتلقي. jh ورغم وجود بعض الأعمال والبرامج الموجهة للأطفال على استحياء وتبث في عدد من قنوات الشركة المتحدة، لكنها تفتقد الجاذبية المطلوبة، فبعضها له طابع تاريخي، مثل التوعية بالحضارة المصرية القديمة، أو يسلط الضوء على قيمة الوطنية والتغزل في حب الوطن، ولا تناقش قضايا تمثل أولوية للأجيال الحالية التي تنجذب للمحتوى الترفيهي. ومنذ توقف التلفزيون المصري عن الإنتاج قبل عشر سنوات تراجع الاهتمام بالمحتوى الإعلامي المخصص للأطفال، فقد خصصت ميزانيات في الماضي لتقديم أعمال راقية وجذابة تناسب الصغار من سن الطفولة إلى فترة المراهقة، وعبرت في حينه عن توجه الدولة نحو الاهتمام بالطفل إعلاميا. ويعد مسلسل الكارتون المصري “بكار” مثلا الذي بدأ عرضه في شهر رمضان عام 1998، من أبرز الأعمال التي قدمت للأطفال. ويعرض حاليا على منصة “واتش إت”. أمام توقف إنتاج أفلام ومسلسلات الكارتون أصبحت الفضائيات العربية والأجنبية والمنصات الخارجية هي الإعلام البديل أمام الأطفال المصريين واستسهلت قنوات مصرية بعد ذلك عملية شراء حقوق بث الأعمال المدبلجة التي ساعدت على تكريس الأفكار المستوردة في أذهان الأطفال دون وجود إنتاج محلي لقوالب مخصصة للصغار والمراهقين تواكب اهتماماتهم عبر المنصات الإلكترونية التي أخفقت الهيئات الإعلامية في مواجهتها بسلاح الترهيب والتضييق. ويظل أكبر تحدّ يواجه القنوات المصرية في إنتاج وتقديم محتوى إعلامي شيق للأطفال هو تراجع الكوادر التي عملت من قبل في المجال الإعلامي الخاص بالطفل، وغياب الخبرات التي تملك القدرة على مخاطبة عقول الأطفال بشكل تربوي ونفسي وعلمي بعيدا عن لغة المكسب والخسارة. وأوضحت فاطمة المعدول أن مصر بحاجة إلى رؤية شاملة لإعلام الطفل، يضعها متخصصون وكتاب، في صورة خطة واقعية، فلن ينجذب الطفل إلى محتوى برامجي أو درامي إلا إذا وجد نفسه على الشاشة، وهذا يتطلب حنكة وعلما ومعرفة وفهما ومن خلال محتوى فني مشوق ومدهش لجذب الطفل المعاصر بلغته. ويرى داعمون للتركيز على إعلام الطفل أن وسائل الإعلام بإمكانها الاستعانة بخريجي أقسام الفنون المتحركة بكليات الفنون الجميلة وتطوير مهاراتهم وتوظيفهم في تقديم محتوى جذاب دون حاجة إلى تكاليف باهظة لتعويض غياب الكوادر والخبرات، على أن تكون لهؤلاء مساحة للتحرك بعيدا عن القيود المفروضة على الإعلام. وثمة تخوفات من إصابة الخارطة البرامجية والدرامية المقرر تخصيصها للأطفال بنفس الفوضى التي ضربت المحتويات الإعلامية الأخرى، لأن أي تأخير عن وجود إعلام مهني يخاطب الأطفال المعاصرين يعني أن هناك مشكلة متجذرة عنوانها استمرار صراع الأجيال الذي يتصاعد على فترات متقاربة، فالإعلام المحلي أخفق في جذب الأطفال ولم يستطع تحصينهم من مواد تبث عبر بعض منصات شهيرة.
مشاركة :