المدير التنفيذي للشركة الاولى للمحاماة والاستشارات القانونية زحمة السير وحوادث السيارات في جدّة، أسبابها، نتائجها، الحلول المقترحة

  • 10/2/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

منذ بداية القرن العشرين، ومع ظهور أول آلة متحركة تعمل على البخار، فقد تطورت تدريجيا حتى عصرنا هذا، حيث أخذت المركبات بأنواعها كافة، انتقالة كونية غيّرت المسارات الاقتصادية العالمية، فكان لهذا التغيير وجهه الإيجابي. لكن ، بعد مئة عام تقريبًا، وبظل هذا التطور الصاروخي على الكرة الأرضية، تبقى السيارة هي الأكثر عُرضة بحوادثها المتعدّدة والمتكررّة يوميا، والتي تؤدّي إلى قتل أرواح البشر. وهنا تبدأ القصة : في تقرير صدر عن لجنة الأمم المتحدة الإقتصادية لأوروبا سنة 2004 جاءت نتائجه الصادمة والتي تشير إلى مائة وأربعين ألف قتيل وخمسة ملايين مصاب في كل عام، وازدادت الأعداد تباعا بازدياد إنتاج كميات هائلة من المركبات . وذكر التقرير بأن كلفة حوادث الطرقات في العالم دوليّا قدرت بنحو 500 مليار دولار سنويّا. إذًا، هناك معضلة نتائجها اليومية كارثية على البشرية جمعاء، فما أسبابها بظل تطور بنيويّ شامل في كل الدول وقوانين صارمة في معظمها، وتنظيم مدني يواكب العصر، وخرائط ودراسات ونظريات مستمرة نحو تطوير هذا القطاع، ولكن ما زال العديد من سكان الكوكب يقضون حتفهم في حوادث سير مروّعة. لا بدّ من قراءة منطقية عن الأسباب والمسببين، فإذا أخذنا بعين الاعتبار متانة السيارة ونظامها وقدرة تحمّلها وتطويرها بشكل مستمر، نُبعد فرضية عدم التحصين في الإنتاج، وإذا أخذنا نظرية عدم وضع خطط هندسية للطرقات نرى بأن معظم الدول ملتزمة بكل القوانين المحلية والدولية في بناء المشاريع للطرقات والجسور وأنظمة إشارات السير بمعداتها المتطورة كافّة. أين مكامن الخلل إذًا؟؟ صحيح بأن القوانين فرضت على سائقي هذا الكون الخضوع لامتحانات ودراسة إشارات السير وقوانينها، وعاقبت من لم يلتزم بها، لكنها تناست بأن المشكلة الأكبر هي داخل الانسان نفسه . فقد أثبتت الدراسات بأن الحالة النفسية عند السائق لها دور كبير بأسلوب قيادته. وبأنّ مزاجية الفرد تلعب دورها أثناء القيادة فالبعض يعمد كمتنفس أو تفريغ كمية الغضب بالسير بدرجة جنونية. الحالات العاطفية المقرونة أحيانا باليأس والضياع تؤدي ألى عدم التركيز أثناء القيادة . الغضب حالة عاطفية تؤدي لرفع معدل ضربات القلب وضغط الدم ومستويات الأدرينالين وغيرها فتصبح القيادة خطرة جدا لذا ينصح المتخصصون النفسيون بعدم القيادة . لكن تبقى التنمية الذاتية عند المواطن على المواطنة منذ نشئته وصولا إلى سن المراهقة مدماك أساس لشخصيته، فيصبح مقتنعًا بالالتزام وليس مجبورا على تنفيذ القانون، ومن الضروري البدء من المدارس وبالحلقات الأولى، لتنمو مع الطفل محبة النطام والالتزام به، والعمل على برامج تدريبية مدعومة من قبل الدولة بعيدا عن التدريس والحشو. فاليوم تغيرت نمطية التفكير، وأصبح المشهد العالمي في جيب كل شخص من خلال هاتفه. لذا توسعت الأفق، وأصبحت الرؤيا أوضح، لكن وبين قوسين وبسبب الانغماس الكبير في العالم الافتراضي، وعدم الوعي المسبق من مخاطر هذا الوهم الكبير ينكوي شبابنا العربي ببرودة التشتت في ممارسات وتجارب أنتجها ذاك العالم المليء بالشوائب، ومنها مشاهد السرعة وسباقات الموت وتحدي الوقت بقطع أطول مسافة ممكنة. كل تلك الوقائع أوصلتنا إلى الدخول في نفق مظلم ليس بالقيادة فقط بل بجوانب الحياة كلّها. وستبقى مكامن الخلل موجودة اذا لم تعالج المفاهيم الجديدة بطرق متطورة تخاطب العقل البشري في سباته بحلم جديد. وكما هو الحال في الموت السريع فهناك موت بطيء، سببه زحمة السير الخانقة التي تغطي الكثير من المدن ومنها مدينة جدة مرجانة شاطئ العرب سابقا ومدينة الزحام حاليا، إذ يوجد في شوارعها مليوني سيارة ( الدراسة عائدة لجريدة عكاظ ) لتجعل من المدينة ركامًا هائلا من المعادن متلاصق خلف بعضه، يبعث أخطر السموم، ويلوث الهواء، ويتسبّب بقتل الكثير من المواطنين، وقد أتت الدراسات الحالية بنسبة عالية من الوفيات في جدة سببها أمراض خبيثة غزت أجساد المواطنين محمولة على بسط الهواء الملوث، وهذه معضلة أصعب من الأولى، فما الحلول الممكنة لذلك ؟ بناء الجسور وتوسيع الطرقات غير ممكن، فالمباني والمؤسسات التجارية في كل مكان، تحول السير باتجاهات أحادية يزيد الأمر تعقيدا بسبب المسافات الطويلة، وعدم التقسيم الجغرافي لمثل هذا المشروع . الحل الوحيد ما فوق الأرض يجب أن يكون تحت الأرض، أنفاق للمترو تساهم بتخفيف حركة السيارات ، وفرض ضرائب عالية على السيارات المخالفة للشروط البيئية، ودفع المواطنين بإتجاه التخفيف من التنقل بسياراتهم بعد تأمين وسائل نقل مريحة. وأخيرا سيبقى الحال ميّال ما لم نعمل على التثقيف الذاتي عند المواطن .  51

مشاركة :