زاد ثوران بركان الغضب في إيران تحت شعار «المرأة والحياة والحرية»، بعد مضي أكثر من أسبوعين على تفجر أحدث موجة من الاحتجاجات العامة. وطرح كبار المسؤولين الإيرانيين، أمس، «نظرية المؤامرة» في مواجهة حركة المسيرات المناهضة، وفرضت السلطات طوقاً أمنياً على الجامعات التي أصبحت مركز دائرة الحراك الاحتجاجي لليوم الثاني على التوالي. وتحولت الاحتجاجات؛ التي اندلعت من محافظة كردستان في شمال غربي إيران، إلى الأكبر منذ سنوات للمطالبة بإسقاط المؤسسة الحاكمة. ونزل آلاف الطلاب في الجامعات الإيرانية إلى باحات ومحيط الجامعات، مرددين هتافات منددة بالمؤسسة الحاكمة، خصوصاً المرشد الإيراني علي خامنئي، وشعارات أخرى تطالب بإطلاق سراح المعتقلين، وذلك رغم العدد المتزايد للقتلى والقمع الشرس من جانب قوات الأمن التي تستخدم الغاز المسيل للدموع والهراوات، وفي بعض الحالات الذخيرة الحية. وشهدت جامعات عدة احتجاجات في مدن طهران ويزد ومشهد وكاشان وكرمان وكردستان وشيراز ونجف آباد وكرمانشاه وساري. وشهدت أكثر من 20 مدينة إيرانية مناوشات بين الشرطة والمحتجين حتى وقت متأخر الاثنين. وأقرت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» بالتجمعات في جامعة طهران. وقالت: «ردد الطلاب شعارات سياسية وثقافية حادة، لكن كالعادة لم يتعرض أحد للأموال العامة في داخل الجامعات». وأشارت إلى تجمعات موازية لميلشيات «الباسيج» في جامعة «علامة» التي شهدت أيضاً تجمعاً للطلاب. وأشارت إلى أوضاع مماثلة في جامعة «شريف» الصناعية وكذلك جامعة «الزهراء» المخصصة للنساء. ومع حلول الظلام، فرضت قوات الأمن طوقاً أمنياً على جامعة «شريف». ويسمع من تسجيل فيديو دوي إطلاق النار والغاز المسيل للدموع، كما يظهر تسجيل آخر حالة هلع في مرأب سيارات الجامعة. وتحدث شهود عيان عن إعتقالات واسعة في صفوف الطلاب. وقال طالب في تغريدة: «لا أعرف كيف يمكنني وصف الأوضاع... الآن يعتقلون زملائي، بينما حرس الجامعة يقول يمكننا الذهاب. من الخلف يطلقون الرصاص ومن الأمن الحجارة والغاز المسيل للدموع، وسيارات (فان) تعتقل الطلاب، نحن الآن سجناء». وناشد طلاب جامعات شيراز مختلف الفئات الإيرانية الانضمام إلى الاحتجاجات، مرددين شعار: «أيها الشعب لماذا لا تنهض؟ أنت منقذنا». وفي كرمانشاه ذات الأغلبية الكردية، هتف الطلبة قائلين إن «موعدنا كل يوم ألا تبقى الحال كما هي عليه». وامتدت الاحتجاجات إلى أجزاء من بازار طهران في شارع «لاله زار» بالقرب من مقر البرلمان الإيراني. وفي أصفهان وسط البلاد أغلقت محال تجارية أبوابها في منطقة شابور، وتصاعدت ألسنة الدخان في شوارع المنطقة. ونشر حساب «تصوير1500» الناشط على «تويتر»، والذي له أكثر من 160 ألف متابع، مقطع فيديو لمحتجين في أصفهان، يطالبون بإضراب على مستوى البلاد ويقيمون حاجزاً على طريق لجلب سائقي الشاحنات إلى صفوفهم. وربط لاعبو فريق برسبوليس أشرطة سوداء على أيديهم في مباراتهم مع فريق تراكتور سازي ضمن مباريات الدوري الإيراني الممتاز. كما تمددت الحركة الاحتجاجية إلى المدارس في طهران. وأظهر تسجيل فيديو تجمعاً للطالبات من دون حجاب يرددن شعارات في مدخل إحدى المدارس في طهران. وفي مقطع فيديو آخر، يظهر عدد من الفتيات يرددن أغنية «من أجل...» التي اقتبسها المغني شرفين حاجي بور من تغريدات المحتجين، قبل اعتقاله. وتفجرت موجة الغضب الجديدة بعد وفاة الشابة الكردية مهسا أميني (22 عاماً)، التي احتجزتها الشرطة بينما كانت تزور أسرتها في طهران. وسرعان ما امتدت الاحتجاجات إلى 31 إقليماً إيرانياً بمشاركة كل فئات المجتمع؛ بما فيها الأقليات العرقية والدينية. وأعلنت صحيفة «كيهان» المحسوبة على مكتب المرشد الإيراني، أمس، تعرض مقرها لهجوم من «مثيري شغب» السبت، بعد انتقادها «مرتزقة» يشاركون في الاحتجاجات. وقُتل ما لا يقل عن 133 شخصاً في حملة قمع المظاهرات الجارية منذ أكثر من أسبوعين، وفق حصيلة جديدة أعلنتها الأحد «منظمة حقوق الإنسان في إيران» التي تتخذ من أوسلو مقراً. وقالت المنظمة إن 92 شخصاً سقطوا في قمع الاحتجاجات، بالإضافة 41 شخصاً على الأقل بأيدي قوات الأمن الإيرانية في اشتباكات وقعت الأسبوع الماضي في زاهدان بمحافظة سيستان بلوشستان في جنوب شرقي إيران. وقال مدير المنظمة، محمود أميري مقدم، إن «من واجب الأسرة الدولية التحقيق ومنع الجمهورية الإسلامية من ارتكاب جرائم أخرى». في غضون ذلك، أفاد ناشطون بأن السلطات منعت دفن الشابة نيكا شاكرمي (17 عاماً) في مسقط رأسها بمدينة خرم آباد. وتسلمت أسرتها التي تقطن بمدينة كرج جثتها الهامدة بعد 3 أيام على ظهورها لآخر مرة في صورة على حسابها في «إنستغرام» وهي تحرق الحجاب في شارع كشاورز وسط طهران. وعلى نقيض مسار القمع المتزايد، حاول قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي؛ الذي يعرف بعدوانيته، تهدئة المحتجين بالخطابات. وقال: «نحن نحبهم» وعزا نزول الشباب إلى الشارع إلى «خداع وإغراء الأعداء»، واصفاً الاحتجاجات بـ«آخر حيل الأعداء». وقال: «نحن مجربون». ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن سلامي قوله إن «عدداً قليلاً» من الشباب، «وقعوا في فخ الأعداء». وأضاف: «حتى من لا يحبوننا بسبب خداع وإغراء الأعداء نحن نحبهم». وقال إنه يأمل في أن «يتحول إلى قطع من أجل تقدم هذا المجتمع وإطفاء فتن الأعداء والنيران التي يشعلونها». أما الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، فقد اتجه بدوره إلى طرح نظرية المؤامرة، وقال إن «العدو يتابع العدو تضليل الرأي العام بفضل إجراءات إعلامية مكثفة وواسعة»، مضيفاً «دخل الأعداء الى الساحة في المؤامرة الأخيرة وكانوا يقصدون عزل البلاد لكن انهزموا في زمن كانت الجمهورية الإسلامية تتخطى فيه مشاكلها الاقتصادية»، وتعزّز حضورها إقليميا ودوليا، وذلك وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. وقال رئيسي مرة أخرى إن السلطات تواصل «التحقيق الدقيق والشامل» حول قضية الفتاة. وذلك في وقت أبلغ فيه والدها، أمج أميني، موقع «رويداد 24» الإيراني بأن اتصال رئيسي «لم يكن لطلب السماح؛ إنما وعد بمتابعة القضية». وأضاف: «لم أر أي متابعة من جانبه». وقبل تصريحات رئيسي بساعات، ذكرت وسائل إعلام إيرانية أنه حضر اجتماعاً مع رئيس الجهاز القضائي غلام حسين محسني إجئي، ورئيس الجهاز التشريعي (البرلمان) محمد باقر قاليباف. ونقل عن وسائل إعلام رسمية إيرانية أن نواباً إيرانيين هتفوا: «شكراً... شكراً للشرطة»، و«الموت لمثيري الفتنة» خلال جلسة برلمانية مغلقة الأحد، استمعوا فيها إلى تقارير أمنية في خضم أسابيع من الاحتجاجات المناهضة للحكومة. وأظهر فيديو بثته وسائل إعلام رسمية إيرانية؛ تعهد فيه أعضاء البرلمان بالولاء للمرشد علي خامنئي، النواب وهم يهتفون: «الدم في عروقنا فداء لزعيمنا». من جانبه، قال رئيس البرلمان، قاليباف، إن «الأعداء كانوا مستعدين لرفع جزء كبير من العقوبات، لكن الاحتجاجات حرضتهم على عقوبات أكثر»، وذلك في إشارة إلى المفاوضات المتعثرة بشأن إحياء الاتفاق النووي منذ مارس (آذار) الماضي، بعدما طلبت طهران رفع «الحرس الثوري» من قائمة الإرهاب، قبل أن تشترط، الشهر الماضي، إغلاق تحقيق للوكالة الدولية للطاقة الذرية لقبولها بمسودة مطروحة من الاتحاد الأوروبي. وأضاف قاليباف: «الاقتصاد القضية الأساسية للناس، وأميركا تحرض المحتجين». من جهته، قال المتحدث باسم هيئة رئاسة البرلمان، النائب نظام موسوي، إن وزير الداخلية أحمد وحيدي قدم تقريراً حول أوضاع البلاد. وقال النائب محمد حسين فلاحي إن وزير الداخلية وقائد الشرطة حسين أشتري أبلغا النواب بأن «الأوضاع تحت السيطرة»، وأن «المحتجين أقلية غير مهمة من وجهة نظر قوى الأمن». في السياق نفس، أصدر 233 نائباً حضروا الاجتماع بياناً يدعم قوات الشرطة. وقال هؤلاء إن «الشرطة استطاعت الحد من غضب المحتجين بإرادة تتحلى بالصبر». وطالبوا بأشد العقوبات على من «اعتدوا على قوات الشرطة والأمن». وتأتي مواقف المسؤولين الإيرانيين في وقت واصلت فيه السلطات قطع خدمة الإنترنت. وقال وزير التراث الثقافي والسياحة، عزب الله ضرغامي، إن «القيود على الإنترنت سببها المقتضيات الأمنية. بعد تخطي هذه المرحلة، يمكن للناس أن يستفيدوا من الإنترنت السريع». ودافع عن حجب شبكات التواصل والتراسل، وقال: «هذه المنصات يستغلها مثيرو الشغب». وأثارت وفاة أميني وحملة القمع انتقادات دولية لحكام إيران. وقالت إيران الأسبوع الماضي إنها ألقت القبض على 9 أشخاص من ألمانيا وبولندا وإيطاليا وفرنسا وهولندا والسويد ودول أخرى لدورهم في الاحتجاجات. وخرجت مظاهرات كثيرة عبر العالم تضامناً مع الإيرانيات، وشهدت أكثر من 150 مدينة تحركات السبت. وأقدم عدد كبير من النساء على قص شعرهن. وشارك في المظاهرات 50 ألفاً في تورونتو، مرددين أناشيد وطنية تعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية، وذلك بموازاة مسيرات منددة شارك فيها عشرات الآلاف في مونتريال وفانكوفر والعاصمة أوتاوا.
مشاركة :