زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وقدم التهنئة للأقباط بعيد الميلاد المجيد، خلال إقامة القداس، حيث ألقى كلمة وعد فيها بترميم جميع الكنائس والبيوت التي احترقت في أعمال العنف التي وقعت قبل عامين، مقدماً اعتذاره عما حدث وعن التأخير في ترميمها. وزار السيسي الكاتدرائية المرقسية للمرة الثانية على مدى عامين، لتهنئة الأقباط بعيد الميلاد المجيد، وبذلك يكون أول رئيس مصري يؤسس لهذا التقليد السياسي في العصر الحديث، فعادة ما كان رئيس الدولة يكتفي بإيفاد مندوب عنه لهذا الاحتفال، إلى جانب إرسال برقية تهنئة بروتوكولية تتكرر كل عام، لكن السيسي فعل ذلك، وزاد عليه بالزيارة والحديث المباشر لأقباط مصر، منتهزاً هذه المناسبة ليوجه حديثه إلى كل المصريين من داخل الاحتفال الكنسي، وليس للأقباط وحدهم، ولذا حرص على تأكيد معاني الوحدة الوطنية، داعياً إلى توطيد العلاقة بين كل المصريين، ومحذراً من الفرقة، لأنها هي الخطر الحقيقي على البلاد. وهذه المعاني سبق أن أعلنها الرئيس السيسي مراراً، بل لا تخلو مناسبة من التذكير بقيمة الوحدة الوطنية ولحم الصفوف، ومن هذه المناسبات كان الاحتفال السنوي بالمولد النبوي الشريف، ففيه يذكر السيسي بالمخاطر التي تتعرض لها الدعوة الإسلامية، محذراً من الافتئات على الإسلام، مشدداً على قيمة التعددية والتنوع الديني والإنساني. وحرصت الدولة المصرية منذ ثورة 30 يونيو على تأكيد هذه المعاني، على إثر العنف الدامي الذي مارسته جماعة الإخوان وأنصارها، ليس فقط بحق الأقباط، وإنما بحق المصريين كلهم، ولذا اعتاد كبار رجال الدولة على زيارة الكاتدرائية وتقديم التهاني إلى الأقباط، أسوة بما يفعلونه عادة في الأعياد الإسلامية، من تقديم التهاني للأزهر الشريف وقادة العمل الإسلامي في الدولة، انطلاقاً من إرساء قواعد المواطنة، بين المسلمين والأقباط على المساواة، بعيداً عن التصنيفات السياسية التي أخضعت هذه العلاقة للتفسيرات الضيقة للدين، لأنها تسببت في كثير من الجراح على أيدي الإخوان والسلفيين، الذين تعاملوا ولايزالون مع الأقباط على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، ما أشعرهم بقلق شديد، أدى بالبعض منهم إلى ترك مصر خوفاً من ذلك. وتعتبر الدولة المصرية منذ 30 يونيو، الدين مصدر قوة، وليس سبباً في التفتيت، ولهذا ليس غريباً أن تكون القوات المسلحة، مدرسة الوطنية المصرية، في طليعة المهنئين للأقباط، حيث كانت قيادتها من السباقين إلى زيارة الكاتدرائية، وتقديم التهنئة، ومذكرة بتضحيات وعطاء الضباط الأقباط، فالجنود والضباط من المسلمين والأقباط، اشتركوا معاً في جميع الحروب دفاعاً عن تراب مصر، الذي ارتوى بدمائهم على أرض سيناء العزيزة، في حروب 1956، و1967، و1973، فالرصاص والصواريخ الإسرائيلية لا تفرق بين مسلم وقبطي، فالكل لديها سواء. وأدى هذا الحرص الرسمي سياسياً وعسكرياً، بل ومن جانب الأزهر الشريف، إلى تراجع أصوات التشدد في المجتمع، التي تنشط على أيدي السلفيين والإخوان، خاصة في المناسبات الدينية للأقباط، ما أدى إلى ارتفاع صوت الوطنية المصرية، وكذلك صوت التدين المصري الصحيح، على أصوات المتشددين، الذين نصّبوا من أنفسهم أوصياء على الدين، ما أعاد الطمأنينة إلى نفوس الأقباط، الذين يعتبرون الدولة سنداً لهم في مواجهة التفسيرات والأصوات النشاز، ويؤمنون مثل بقية العقلاء بأن مصر يجب أن تكون قوية بجميع أبنائها، على قاعدة المواطنة بكل ما تعنيه وتحمله من قيم في مقدمتها العدالة والمساواة، دون تفرقة بسبب الدين أو الجنس أو العرق.
مشاركة :