يكمن إحباط مدرب ريال مدريد السابق، رافائيل بينيتيز، في أنه كان يأمل أن تكون إقالته أثناء قيامه بشيء يؤمن به، وليس أثناء قيامه بتنفيذ توجيهات شخص آخر. لدى ظهوره في «سانتياغو برنابيو» للإعلان عن الاستغناء عن خدمات المدرب بينيتيز وتعيين زين الدين زيدان بدلاً منه مساء الاثنين، رفض رئيس نادي ريال مدريد فلورنتينو بيريز استقبال أي أسئلة. وربما نبع ذلك من اعتقاده بأنه ليس هناك جديد ليقوله. جدير بالذكر أنه مرت ستة أسابيع فقط منذ دعوته لمؤتمر صحافي للتنديد بـ«الحملة» التي يتعرض لها النادي ونفي تقارير صحافية أشارت إلى أنه يفكر في جعل بينيتيز المدرب الـ10 الذي يرحل في ظل رئاسته للنادي. أو ربما لم يرغب فحسب في أن تطرح عليه أي أسئلة محرجة، مثل «لماذا». في مارس (آذار)، دعا بيريز لمؤتمر صحافي أصر خلاله بغضب على أنه لم يكن يفكر في إقالة المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي، متهمًا الإعلام بمحاولة «زعزعة استقرار» النادي. وبعد شهرين، أعلن بالفعل عن طرد أنشيلوتي، وتعرض لسؤال حول سبب تخليه عن المدرب الذي فاز بالكأس الأوروبية، فأجاب: «لا أدري». وفي نوفمبر (تشرين الثاني)، دعا لمؤتمر صحافي آخر يكاد يكون نسخة من الأول ليرد من خلاله على الاتهامات ذاتها ويعلن الرسالة نفسها: أن بينيتيز يحظى بكامل دعم إدارة النادي. وعليه، فإنه هذه المرة ربما لا يعبأ أحد بطرح السؤال: «لماذا؟» مجددًا. تعد بعض الأسباب وراء قرار التخلي عن بينيتيز متكررة، حيث سبق أن واجهها مدربون من قبله، الأمر الذي يبدو وكأنه تجربة محتومة. ورغم ذلك، تبقى الحقيقة بإيجاز وصراحة أن بينيتيز كان المدرب الخطأ لريال مدريد. أثناء المؤتمر الصحافي، تحدث بيريز لمدة دقيقة ونصف. وخلال حديثه، أشار إلى بينيتيز، الذي كان غائبًا ولم يخطر بعد بقرار الاستغناء عنه، في جملتين فقط، ثم انتقل للحديث عن زيدان. وحملت الكلمة التي ألقاها بيريز إشادة بالمدرب الجديد، بينما تحدث بالكاد عن سلفه القديم. وخلال المؤتمر الصحافي، بدا من حديث بيريز وكأن بينيتيز لم يدخل يومًا من أبواب النادي. مر 14 يومًا منذ نفي بيريز أنه ينوي إقالة المدرب، مشددًا خلال مقابلة إذاعية أجريت معه على أن بينيتيز هو «الحل». وقال: «لقد بدأ بينيتيز عمله للتو فدعوه يعمل، إنه بحاجة لبعض الوقت». ومع ذلك، لم يتم منح المدرب وقتًا. ورغم أن قرار إقالته جاء بعد سبعة شهور من تقديمه للجمهور وتأكيد مسؤولي النادي له بأنه «في بيته»، فإن المراقبين يرون أن القرار لم يصدر مبكرًا. في الواقع، إن المفاجأة الحقيقية هي استمراره لكل هذه المدة، الأمر الذي يعود بدرجة أكبر إلى تردد بيريز حيال البدائل، عن إيمانه بالمدرب بينيتيز. علاوة على ذلك، فإن مدرب ليفربول السابق لم يكن الاختيار الأول، حيث جرى عرض هذا المنصب على آخرين أولاً. وقد يتركز إحباط بينيتيز في اعتقاده بأنه حتى لو كان عليه قبول فكرة تعرضه للطرد يومًا ما، فإنه ينبغي حدوث ذلك لقيامه بأمر يؤمن به حقًا. إلا أنه في الواقع تعرض للطرد بينما كان يسير على نهج شخص آخر. الواضح أن بينيتيز مدرب يحتاج لفرض سيطرته على الفريق الذي يتولى تدريبه، لكنه لم يحظ بهذا الأمر داخل ريال مدريد، حتى فات الأوان. في النهاية اكتشف بينيتيز أن التسويات والحلول الوسط لم تفلح في إنقاذه، وأن السير على النهج الذي رسمه رئيس النادي لم ينقذه. لقد جرى استقدام بينيتيز إلى النادي لتنفيذ خطة إعادة هيكلة لم تكن برمتها من تصميمه. وعندما اتضح أنها تنطوي على مشكلات، كان هو من دفع الثمن. وكانت المهمة المقررة صعبة، وتواجه دائمًا احتمالية الانتهاء بالفشل. وورث بينيتيز فريقًا كانت الأسماء اللامعة به يعتريها غضب بالغ حيال رحيل أنشيلوتي لدرجة دفعتها لإعلان ذلك على الملأ. لقد أحبوا أنشيلوتي، بينما كان بينيتيز بالنسبة لهم أشبه بزوجة الأب الشريرة. في الوقت ذاته، اعتمد أسلوب بينيتيز على فرض رؤيته بالعمل لإرساء القواعد، وليس السعي لكسب مشاعر اللاعبين. من جانبه، اعترف دينيس تشيريشيف، لاعب ريال مدريد، أن التواصل بين اللاعبين والمدرب كان محدودًا. وحتى من قبل أن يبدأ الموسم، كان أحد كبار اللاعبين قد اصطدم مع المدرب بالفعل. لقد جرت الاستعانة ببينيتيز لكسر نموذج أنشيلوتي، لكن الرؤية انطوت على تناقضات. كان بيريز مقتنعًا بأن أنشيلوتي لم يضغط على اللاعبين بالقدر الكافي، وأنهم بحاجة لقائد وليس لصديق. وبالنظر إلى طبيعة تشكيل ريال مدريد، فإن هذا الأمر كان من المحتمل للغاية أن يثير بعض المقاومة، خاصة وأن أحد مهام بينيتيز الأخرى كانت دفع محور الفريق للميل لصالح المهاجم غاريث بيل، وذلك كجزء من استراتيجية طويلة الأمد لرئيس النادي. كان أحد أوائل الإجراءات التي اتخذها بينيتيز لدى توليه تدريب الفريق زيارته لبيل في ويلز والحديث إليه عن دوره الجديد كلاعب يرتدي القميص رقم 10. وتتجلى المفارقة في أن الرقم 10 كان الاسم الساخر الذي أطلقه بعض اللاعبين على بينيتيز الذي لم يلعب كرة القدم باحترافية قط، ومع ذلك يوجه المحترفين حيال ما ينبغي عليهم فعله، الأمر الذي لم يغب عن ذهن كريستيانو رونالدو. عندما رفض بينيتيز ببساطة الإجابة بـ«نعم» عندما سئل حول ما إذا كان رونالدو أفضل لاعب تولى تدريبه، كان ينبغي ألا يشكل هذا الموقف أهمية لكنه في الواقع ترك تأثيرا واضحًا. من جانبهم، رأى اللاعبون في المدرب شخصا سلطويا من دون سلطة حقيقية. وجاءت نتائج مباريات الفريق سيئة وكان أدائه رديئا. وعلى امتداد العام، لم يفلح الفريق في تقديم مستوى لائق على مدار 90 دقيقة أمام ناد رفيع المستوى على امتداد العام. والتزم بينيتيز موقفًا دفاعيًا حيال الاتهامات له بأنه يتخذ موقفًا دفاعيًا! إلا أنه في الواقع كانت التهمة الموجهة له أبسط من ذلك: أن أداء فريقه ليس جيدًا، بل إن اللاعبين لم يعودوا جيدين في الأمور التي أجادوها في العادة. وإذا كان بينيتيز ظن أن هذه السياسة ستحقق له الأمان، فقد اتضح في النهاية خطأ ظنه، ذلك أن ضمانه لاستمراره في منصبه على المدى القصير لم يفلح في ضمان بقائه على المدى الطويل. بعد ذلك، أعلن رئيس النادي أنه «بالطبع» يتمتع المدرب بمطلق الحرية في اختيار لاعبيه. إلا أنه لاحقًا اتضح أنه لم يكمل جملته على النحو الواقعي لها، بحيث يضيف إليها «طالما أنها الاختيارات الصائبة». وكان خاميس روديغيز منطقة توتر بشكل خاص بين رئيس النادي والمدرب. كان يجري إعداد رودريغيز ليصبح نجم الفريق الأبرز، مثل بيل، إلا أن بينيتيز لم يكن مقتنعًا. والملفت أنه لم يشرك اللاعب ولو لدقيقة واحدة في المباراة الأخيرة له أمام فالنسيا، وهو اللقاء الذي انتهى بالتعادل بهدفين لكلا الفريقين. في اليوم السابق للمباراة، بدا وأن بينيتيز قرر أخيرا أن يدير الأمور على النحو الذي يراه مناسبًا، لكن بعد فوات الأوان، وذلك عندما أعلن أن «مشكلة» الفريق تكمن في طابعه الهجومي. وبذلك تغيرت رسالة بينيتيز، ففي الأسبوع السابق مباشرة اتبع خطاب رئيس النادي نفسه، مشددًا على أن هناك حملة ضده وضد رئيس النادي والنادي. الآن، تحول اهتمامه نحو عيوب الفريق. وقال بينيتيز إنه يبحث عن «التوازن» داخل الفريق، مثلما كان أنشيلوتي من قبل. ويعني ما سبق أن الأمر برمته مشكلة قديمة تتعلق برئيس النادي واللاعبين، فهؤلاء هم المشكلة، حسبما قال بينيتيز. وبإقدامه على إعلان ذلك، أصبح مشكلة أكبر للنادي عما كان عليه بالفعل. ولم يعد «الحل» في الواقع، هو لم يكن يومًا كذلك.
مشاركة :