اعتاد المسؤولون الإيرانيون فى كل مناسبة على التنديد بإسرائيل وسياساتها الاستيطانية، وتزداد التهديدات «بتدمير» تل أبيب وقصف المدن الإسرائيلية بالصواريخ، ويعتقد المراقبون أن مثل هذه التصريحات والتهديدات الكلامية تنذر بمعركة دامية سيزلزل فيها الإيرانيون إسرائيل ويلحقون بها الدمار، ولكن الكثير منهم لا يعرف أن مثل هذا الوعيد هو فقط غطاء يخفي تعاونًا مستترًا بين الدولتين وعلاقات مستمرة في شأن التدريب والتسليح والمساعدات الأمنية والاستخباراتية حتى بعد انهيار حكم الشاه وسيطرة نظام الملالي على الحكم فى إيران وحتى خلال الفترات التي انهارت فيها العلاقات بين إيران والغرب قبل أن يتقارب الطرفان مرة أخرى بالاتفاق النووي الأخير. فبعد أن نجحت ثورة الخوميني عام 1979 في القفز على الحكم توقع الكثيرون تغيرًا نوعيًا يضمن نهاية التعاون السياسي والعسكري بين طهران وتل أبيب وإعادة البوصلة لتعزيز العلاقات مع الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولكن ثبت أن كل ذلك كان مجرد أوهام، وبعد أن زار ياسر عرفات -رحمه الله- طهران بعد الثورة الخومينية مباشرة طمأنه الإيرانيون أن البلاد سوف تدعم نضال حركة التحرير الفلسطينية وكفاح الشعب الفلسطيني ضد إسرائيل بكل السبل، ولكن كان ذلك مجرد وعود، فالواقع يقول: إن الخوميني لم يستمع لطلب الوفد الفلسطيني بإطلاق سراح الرهائن الأمريكيين إبان أزمة السفارة، ولا قدم أي مسؤول إيراني دعمًا حقيقيًا وملموسًا للشعب الفلسطيني، وقد كانت كل المناورات الإيرانية التي تزج بقضية فلسطين تهدف في الحقيقة إلى التمسك بأوراق ضغط لرفع سقف المطالبة في التفاوض مع الولايات المتحدة بالحصول على السلاح أو فك تجميد الأرصدة الإيرانية فى المصارف الأمريكية. لم يكتف الإيرانيون بخداع الفلسطينيين فحسب واستخدامهم كأداة لتحقيق مصالح لا علاقة لها بدعم القضية أو العرب، بل سرعان ما انهارت العلاقات بين نظام الخوميني ومنظمة التحرير بعدما رفضت طهران تسليم الفلسطينيين نسخًا من الأوراق والوثائق التي كانت تحتفظ بها أثناء وجود السفارة الإسرائيلية فى البلاد، وبرر المسؤولون الإيرانيون هذا الأمر وقتها بأن هذه الوثائق التاريخية ملك لإيران ولا يمكن تسليمها لحكومة أو منظمة أجنبية، غير أنه في الحقيقة كان واضحًا أن الوثائق كانت تفضح علاقات مسؤولين إيرانيين بإسرائيل وأن عددًا من المسؤوليين الإيرانيين كانوا يتقاضون أموالاً من أجهزة الأمن في عصر الشاه للحفاظ على العلاقات مع إسرائيل. عرف الفلسطنيين وقتها أنه في إيران نظام لا يمكن الاعتماد عليه، وأنه يقول ما لا يفعل، وتأكدت بما لا يدع مجالًا للشك عندما أغلق الإيرانيون مكتب منظمة التحرير الفسطينية في الأحواز شمال غرب إيران بتهمة التجسس والتدخل في الشؤون الداخلية لإيران! كانت الإستراتيجية الإيرانية هي إحكام القبضة على منظمة التحرير وخلق نواة إسلامية متشددة لم يُرد لها مقاومة إسرائيل في الواقع، بل نشر مبادئ وأفكار الثورة الإيرانية والدعوة لمذهب الشيعة، وفى بداية الثمانينات تزامن هذا كله مع اندلاع حرب إيران مع دولة إسلامية هي العراق، فانهارت مصداقية النظام الإيراني تمامًا فيما يخص تكريس كل الجهود لمحاربة الصهيونية العالمية وقتال إسرائيل، وبينما كانت الكلمات والعبارات والتهديدات النارية تتدفق على إسرائيل، كان الرصاص والقنابل توجه لصدور العراقيين السنة في العراق. وليس غريبًا في الواقع ازدهار العلاقات بين إيران وإسرائيل، فالعلاقات قديمة ترجع إلى الخمسينيات من القرن الماضي، حيث اعترفت إيران بإسرائيل في عام 1950، ورأت طهران فى نمو القومية العربية وخاصة مع الوحدة في مصر وسوريا عام 1958 خطرًا مباشرًا لها ولتل أبيب ومع بدايات الستينات ازدادت حركة التجارة والعلاقات العسكرية بين إيران وإسرائيل بشكل كبير كما أصبح النفط الإيراني السلعة المستوردة الأولى في تل أبيب، وحتى عام 1979 ظلت إسرائيل مركزًا لتدريب عناصر الجيش الإيراني والاستخبارات الإيرانية، كما عمل 80 ألف يهودي على النفاذ بكل الأفكار الصهيونية إلى إيران واستطاعوا نشرها بكفاءة. وبعد ثورة الخميني استمرت إسرائيل في دعم أنصارها وعملائها داخل إيران، ومع نقص المعدات الإيرانية في الحرب ضد العراق في الثمنانينات كانت إسرائيل أحد الموردين المهمين للسلاح ونشرت صحيفة لندن أوبزرفر عن تلقى إيران لأسلحة إسرائيلية وأمريكية عام 1980 تضمنت صواريخ وطائرات هيلكوبتر ودروعًا ضد قذائف الدبابات. وفي عام 1986 نشرت جورلزيوم بوست استطلاعًا للرأى أظهر تأييد غالبية الشعب الإسرائيلي لإيران في حربها ضد العراق لأن أصولية النظام الإيراني هو مصدر خطر للعرب أنفسهم، وفي التسعينات والألفية الجديدة وحتى اليوم استخدم النظام الإيراني الجانب التحريضي ضد كل دول الخليج العربي، ودعم كل عملائه في المنطقة في لبنان واليمن والعراق وسوريا ببث الفتن وضرب الاستقرار وزرع الكراهية والصراعات والحروب وجميعها هي ذاتها الأهداف التي تتمناها إسرائيل وتعمل على تحقيقها.
مشاركة :