عمارة المساجد فيها دلالة على الإيمان، بها تتعلق الأفئدة وإليها تهفو، وبها ترتبط الأنفس، وبين جنباتها يجتمع الناس مراراً في كل يوم، يدخلون أبوابها بيمينهم وقد أسبغوا وضوأهم، حيث آثاره تنساب على وجوههم وأيديهم استعداداً لإقامة الصلاة في رحاب المساجد التي يتجلى فيها نور الله، ذلك الساكن بين جدران جامع ند الشبا، تلك الأيقونة المعمارية التي ارتفع سقفها عن الأرض في 2015، لتكون موئلاً لكل الذين يذكرون الله ويسبحونه في الغدو والأصال، ويشهدون له بالوحدانية. على أطراف ند الشبا 4، شيد هذا الجامع، الذي يخطف بلونه الأبيض الناصع الأنظار، متوسداً الحسن والجمال الذي يحتفي بضيوف الرحمن، الذين تعودوا عمارته، والسير إليه، مع ارتفاع النداء خمس مرات في اليوم، حيث يقفون تحت سقفه، وعيونهم تدمع من الخشوع، ويرفعون أيديهم نحو السماء، بينما تلهج ألسنتهم بالدعاء إلى رب كريم، بأن يفيض عليهم من الخير كله، وأن يسكنهم جنة عرضها «عرض السماوات والأرض». ذلك المشهد يتكرر مع كل صلاة تقام في رحاب جامع ند الشبا الذي يمتدد على مساحة 6250 متراً مربعاً، وقد تشبعت بالصفاء والسكون. عمارة ما أن تقطع عتبات المسجد الذي أشرف على تصميمه هانز وارنر بالتعاون مع دومنيك واندريس وفلورينا ميلير، حتى تشعر ببرودة تلفح الوجوه، وبهدوء لا يقطع صمته سوى تكبيرة الإمام ومن معه، وهم يفتتحون الصلاة، أو صوت طفل يتلو آيات من الذكر الحكيم، وقد درب لسانه على تجويد الآيات القرآنية لتكون شاهدة عليه في يوم الدين. بين جنبات الجامع الذي تتسع قاعته الرئيسية لنحو 3500 مصل، تدرك حقيقة بأن «الصمت أبلغ من الكلام»، حينها ستترك ناظريك لأن يتأملا روعة الجمال الساكن في الجامع، الذي امتاز بكونه تحفة معمارية فريدة من نوعها، حيث تمزج بين ثناياها بين فن العمارة الحديثة المتمثلة في طبيعة البناء وتصميمه وبين العمارة الإسلامية، التي تتمثل في نوعية الزخرفة التي تحملها جدران الجامع ومداخله وأبوابه، حيث استلهمت من الأشكال الهندسية تلك التي اعتمدت عليها المشربيات. لجامع ند الشبا فضاء واسع، وفضفاض، وهو الذي صمم أساساً لأن يكون شبه خالٍ من الأعمدة، حيث لا يوجد فيه سوى 4 أعمدة تتوسط قاعة الصلاة الرئيسية التي تبدو كحراس يحملون قبة الجامع الواسعة التي تتدلى منها ثريا ضخمة، تتألف من 99 لمبة على عدد أسماء الله الحسنى، وقد صممت في إيطاليا خصيصاً للجامع الذي صمم محرابه بطريقة مختلفة تماماً عن تلك المتعارف عليها في المساجد، حيث تزين بزخرفة ونقوش مستلهمة من الأشكال الهندسية الدقيقة التي طالما تزينت بها المشربيات التي يعود طرازها المعماري إلى ما قبل القرن الـ 11 الميلادي. بيئة وأنت تطوف بين جنبات المسجد، ستتلمس معنى قول رب العزة في محكم التنزيل «نور على نور»، فأينما وقع نظرك تجد نوراً يشع في الجامع، الذي صمم بطريقة تتواءم وتحافظ على البيئة من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية، لذا تم الاعتماد في تصميمه على النوافذ الكبيرة التي تسمح بدخول أكبر قدر ممكن من الضوء الطبيعي وأشعة الشمس، التي تغازل عند غروبها تفاصيل القاعة الرئيسية، مانحة إياها جمالاً أخاذاً وذلك عبر انعكاساتها على أرض القاعة التي تم تزويدها بسجادة صنعت خصيصاً للجامع الذي تزينت جدرانه بآيات من الذكر الحكيم والتي يبدو أن حروفها قد نحتت من خشب بني أصيل، لتزيد من هيبة الجامع ورونقه الداخلي. في قاعته الرئيسية يبدو كل شيء وقد اختفى، فلا مفاتيح كهرباء بارزة ولا سماعات ولا ميكروفونات، فكل شيء فيه قد صمم على اللمس، وهي ميزة تضاف إلى مزايا الجامع الذي يبدو أن كل ما فيه قد وضع في مكانه، وهو ما يتجلى تماماً في ساحاته التي تجملت باللون الأخضر، لتشيع أجواء من الهدوء والراحة التي تتلمسها كلما ولجت من بوابات الجامع التي تفتح بطريقة أوتوماتيكية. في محيطه الخارجي، لم يكن التصميم أقل إبهاراً من الداخل، فقد امتاز الجامع الذي بات واحداً من أهم المساجد في ند الشبا 4، بجمالياته وبكونه واحة من الجمال الذي تزينه نوافير المياه وبارتفاع الأسقف التي تمنح الجامع فضاءً واسعاً. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :