"إذا سُئلت أين وُلدت، أجيب: وضعتني والدتي في المطبعة، تحت مكائن حرف الرصاص المشهورة في القرن الثامن عشر"، هذا ما يقوله سليم أنطون صادر، الذي يحافظ مع إخوته على بقاء دار "صادر" وتاريخها العريق منذ 159 عاماً، وهو يذرع جناحها المشارك بمعرض الرياض الدولي للكتاب 2022 راوياً ظمأ الأسئلة الثقافية، ومستعرضاً للزوّار نفائس الكتب، من دون أن يعبأ بوجع ساقيه وأحمال عاتقيه. أعاد سليم أوراق التقويم إلى عام 1863م، حينما انتقل جده إبراهيم من "درب السيم" جنوب لبنان إلى بيروت وكان يعمل بمهنة "الشماسن"، ولكن حدث أن الكتاب استدعى فضوله فاستوجبت هذه الإثارة أن يقتني ماكينة طباعة ويقطن في "سوق أبو النصر" ويطبع الكُتب، ومن هناك تبلورت الدار العتيقة الصامدة وتمخضت بمشروعين توأمين هما "المكتبة العمومية" و"المطبعة العلمية". أرغم الإجهاد وتقادم العهد الجد إبراهيم على نقل الأمانة إلى أبنائه، الابن سليم المولع بالأدب والتأليف رغب في إدارة المكتبة، والابن الآخر يوسف المفتون بالقانون والسلك القضائي استحوذ على المطبعة، وبدأ الأخوان يتمايزان في مجاليهما حتى حدث انفصال المكتبة والمطبعة عام 1907. اندفع سليم إبراهيم لتتمة جهود أبيه، فغير مسمى "المكتبة العمومية" إلى "مكتبة صادر". وعام 1922 شيّد مطبعته الخاصة باسم "مطبعة صادر"، وقد قال مخاطباً ميخائيل نعيمة: "الكتب، يا أستاذ، تشقى وتسعد كما يشقى الناس ويسعدون سواء بسواء. وليس يدري أيّهما يُكتب له الشقاء وأيّهما يكتب له السعادة". توقف راوي الحكاية، عند هذا المنحنى متحدثاً عن والده أنطون الذي انتقلت إليه العهدة عام 1935م، صانعاً ثورة تكنولوجية في الدار بطابعات "الأوفست"، وتعمقت أواصر علاقته مع الأدباء، ومنهم إحسان عباس، وميخائيل نعيمة، ومحمد يوسف نجم، ووداد القاضي، إذ يأتون إلى مكتبته بشكل دائم. يتذكر سليم أن والده طفق يعيد نشر كتب التراث العربي، وأعاد تصفيف "لسان العرب" و"الكامل في التاريخ" بجانب طباعة كتب جبران خليل، وإيليا أبو ماضي، وفرح أنطون، أما نعيمة فيقول سليم: إنه أتى لوالده بعدما طبع في مصر كتابه "همسة جفون"، وقال: "هل سأذهب لمصر في كل مرة لطباعة كتاب؟ سأطبعها لديك". وبهذه الطريقة بدأت دار صادر بطباعة مؤلفاته. وبعد مسيرة عريضة خدم بها الكتاب والثقافة، سلم أنطون الراية إلى أبنائه سليم وإبراهيم ونبيل عام 1980م وتوفى بعد ثلاثة أعوام من تقاعده، وسار هذا الجيل المعاصر على درب أسلافه حتى اليوم. وشاركت دار صادر في أهم المناسبات الثقافية من خلال طباعة المؤلفات، ولاقت الدار تكريماً من المعهد في عام 1972م خلال الأسبوع الثقافي الألماني العربي، لطباعة الدار مؤلفات مهمة مثل: "صفحات خالدة من الأدب الألماني" و"ألمانيا والعالم العربي" والرواية الألمانية "غناء العناكب". إلى هذه اللحظة، قضى سليم ستة عقود في رحاب الكتب، وما زال يستفتح يومه في بيروت بمباشرة عمله في المطبعة التي يقضي بها النهار حتى وقت الغداء الذي يتناوله بمنزله، ثم يؤوب للمطبعة حتى العاشرة مساءً، معبرًا عن سعادته لعمله في هذا المجال ويرى أن الله قد أكرمه بهذه المهنة. وباح عن رأيه في "الرياض للكتاب "وقال: "أهم وأكبر معرض في العالم العربي، فاحتاج إلى يوم كامل لأتجول بين ممراته، وأننا في كل عام سنحزم حقائبنا إليه".
مشاركة :