استعمال التقنيات الحديثة أدى لتطوير التقاضي وتوفير الوقت والجهد

  • 10/7/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الرياض - خاص بـ«الجزيرة»: قال فضيلة الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن عبدالله الزكري قاضي الاستئناف، وأستاذ الدراسات العليا بالمعهد العالي للقضاء، وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية: إن البيئة القضائية في بلد مسلم ينبغي أن يغشاها المحبة والسكينة والاحترام، مشيراً إلى أن التطور المتسارع في استعمال التقنيات الحديثة أدى لتطوير التقاضي وتوفير الوقت والجهد على الجهات القضائية والمتقاضين، وأن يحدث بين أطيب الناس وأحسنهم خلقاً، ويتجهون للقضاء لبيان الحق وإزالة اللبس، مع أن غالب القضايا والمنازعات تحدث من فساد النفوس. وأكد الدكتور عبدالمحسن الزكري في حواره مع «الجزيرة»، أن توثيق المعاملات والحث على الوفاء بالعقود والعهود يقي المجتمع والأفراد كثيراً من الأذى والفساد والظلم، منبهاً على أن تكليف بعض القضاء والتعليم القامات والكفاءات التي تحمل هم نجاح مؤسساتها. وتناول الحوار مع القاضي الزكري الذي اتسم بالصراحة والوضوح، عدداً من القضايا المتنوعة حول العمل في السلك القضائي، وعدداً من الموضوعات الأخرى. والشيخ القاضي عبدالمحسن الزكري له عدد من البحوث والدراسات والكتب حول الأنظمة القضائية، وله عضوية في عدد من الجمعيات العلمية والاجتماعية، ومشاركات ثرة في المحافل العلمية داخل المملكة وخارجها، وفيما يلي نص الحوار: • بعد مسيرة حافلة في السلك القضائي.. ترى بماذا خرجتم؟ * أحمد الله تعالى على ما اختاره لي، وأن أكرمني في هذا العمل الشريف الجليل دون طلب مني أو رغبة، ولكن حسن ظن من مشايخي في ديوان المظالم -رحمهم الله تعالى-، ورافقت في هذه المسيرة عدداً من أساتذتي من زملائي القضاة، وانتفعت من خبرتهم وأخلاقهم كثيراً، واستشعرت أهمية القضاء لفض الخصومات والعدل الممكن فيها بين المتخاصمين، وأن تأكيد القرآن الكريم بتوثيق المعاملات والحث على الوفاء بالعقود والعهود يقي المجتمع والأفراد كثيراً من الأذى والفساد والظلم، إذ الخطأ بل والظلم قد يحصل من بعض البشر، فتوفر الوثائق والخلق الراقي من المتعاملين يمنع الظلم والفساد، ويحقق النجاح والبركة والتوفيق لتلك العلاقة بين البشر، سواء العلاقات الاجتماعية أو الاقتصادية والتجارية. • عملتم ما يزيد على ثلاثين عامًا في السلك القضائي؛ فما أكثر القضايا التي ينظرها القضاة، وما السبيل للحد من تفاقمها وانتشارها؟ * عملت في القضاء التجاري، وشاركت أيضاً في التخصصات المسندة لمحاكم ديوان المظالم الإدارية والجزائية والتأديبية قليلاً أيضاً، وكما قال الشاعر: والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذاعفة فلعلة لا يظلم غالب القضايا والمنازعات تحدث من فساد النفوس وتعدي بعض الناس على من تعامل معهم أو وثق بهم، ويزيدها تفاقماً عدم وضوح التعامل وتوثيقه بينهم، وقد يحدث نزاع بين أطيب الناس وأحسنهم خلقاً، فيتجهون للقضاء لبيان الحق وإزالة اللبس بينهم مع صفاء النفوس وحسن المقاصد، وهو الخلق الإسلامي ومقتضى الإيمان الصادق في المبادرة لأداء الحقوق والوفاء بها، ومحاولة الوصول للحق قبل التوجه للقضاء من خلال الصلح والفتوى من خبير، فإن لم يتيسر فالقضاء طهرة للمال والنفس. • بماذا تفسرون ظاهرة استقالة القضاة وتقاعدهم المبكر واتجاههم لفتح مكاتب للمحاماة والاستشارات الشرعية؟ * البيئة القضائية في بلد مسلم ينبغي أن يغشاها المحبة والسكينة والاحترام، فالأصغر يجلُّ من هو أكبر منه، ويبادله الآخر المحبة والنصح والرعاية، ويكون لإدارات الجهات القضائية والأنظمة ما يحقق تلك البيئة، وإلا فإن النفوس تتغير ويغشاها بعد ذلك الضيق والكدر، ويكون القاضي زاهداً في مواصلة العطاء، وأيضاً من الأسباب عدم توافر العدد الكافي من القضاة والأعوان الأكفاء، مع تزايد القضايا وضغط العمل، وكثرة الإجراءات والأعمال التي يطالب بها، وتشغله عن مهامه الرئيسية، فهذه وغيرها تجعل القاضي يفكر بالانتقال إلى العمل الخاص أو جهة حكومية أو خاصة، وبالتالي سيخسر الكيان القضائي تلك الخبرات والكفاءات، وقد صارحت عدداً من المسؤولين بذلك خلال عملي في السلك القضائي، وللأسف غالبهم من الشباب المتحمس، ويرى أن البشر عبارة عن أرقام يمكن تعويضها ببعض، مما اضطر -للأسف الشديد- تكليف بعض القضاة بأعمال هي أعلى من مستواهم، كما حصل ويحصل من تكليف قضاة المحاكم الابتدائية بمحاكم الاستئناف، أو تكليف قضاة من تخصصات للعمل في تخصصات أخرى، وهذا فيه إضرار بأصحاب الحقوق والمتقاضين؛ إذ من حقهم أن ينظر منازعاتهم قضاة على المرتبة المناسبة لنوع المحكمة، وأيضاً مختصون بهذا النوع. • ما أغرب قضية واجهتكم؟ وما القضية التي طالت أكثر من اللازم ولم يوجد لها حل؟ * القضايا المستغربة، خاصة في مجتمعنا الإسلامي وبلد العروبة والقيم، ما يحصل من منازعة بعض الأبناء لآبائهم أو أمهاتهم، وقد يلجئونهم لأداء اليمين!!! وكنت أرى رأي المالكية ومن وافقهم في عدم تحليف الأب والأم لأبنائهم، بل يجتهد القاضي في تلمس البينات والقرائن للوصول للحق فيها، ومن غرائب القضايا في القضايا التجارية -وهي نادرة أيضاً بفضل الله- جحود بعض الإخوة لإخوانهم بعد عمر طويل من الشراكة والخير، وحصل أن جاء إلي رجل قد بلغ السبعين من عمره، ويقول متحسراً كيف يمكن لأخي أن يجحد شراكتي معه، ويحرمني حقي، ويضطرني لأخذ الزكاة من الناس بعد الغنى والخير، فتلمست حقيقة الأمر من عدد من أقاربهم وأهلهم، فأكدوا لي حقيقة الشراكة بينهما في المصانع والبيوت وغيرها من صغرهم، فطلبت من أمانة السر أن يلزموا الأصلاء بالحضور للجلسة، فحضر ذلك المدعي وحضر أخوه الأكبر منه المعتدي، فذكرت له أنهما قد بلغا من السن ما لا يحتاجون فيه لهذه الأموال، وإننا سنقنع أخاه المدعي الحاضر بالتخارج بالثلث.. فإذا به يقوم منتفضاً ويصرخ في وجوهنا: أنتم مجانين، أعطيه بعض ملكي و...، فأسكته، وقلت له إذاً نتجه للبينات ونفصل فيها -بإذن الله-، وفعلاً تم إثبات الشراكة، ومثلها قضايا أخرى مشابهة، وقد يكون لدى قضاة الأحوال الشخصية، وكذا الجزائية، ما تنفطر منه الكبد، ويتقطع له القلب، ولذا فإن على وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم ونحوها مسؤولية عظيمة في ترسيخ القيم والمبادئ الإسلامية العظيمة، مما سيمنع حدوث كثير من الظلم والمنازعات بين الناس، وتشيع الطمأنينة والسكينة والتعاون في المجتمع. • بصراحة كيف تنظرون إلى واقع القضاء بعد تطبيق الأنظمة الحديثة وفق النظام الإلكتروني؟ * التطور المتسارع في استعمال التقنيات الحديثة، أدى إلى تطوير التقاضي، وتوفير الوقت والجهد على الجهات القضائية والمتقاضين، وأظن من خلال زياراتي لعدد من الدول الأوروبية وغيرها، أنه لم يصل أحد منهم إلى ما وصلنا إليه، بفضل الله تعالى، ثم بفضل الدعم من ولاة أمرنا -حفظهم الله-، وننتظر المزيد مع حسن الاستفادة من المسؤولين عن الأجهزة القضائية. • يرى البعض أن وجود محامٍ مع المتهم نعمة.. وآخرون يرونه نقمة.. فكيف ترونه أنتم؟ * تختلف القضايا، فبعضها معقد وكثير التشعب، كما أن بعض المتقاضين متعلم، ويحسن إظهار حقه وبيناته، وبالتالي فالاحتياج للمحامي يختلف من قضية لأخرى، وتكاليف المحاماة قد تكون كبيرة في نظر البعض، مما يجعلهم يلجئون إلى غير المختصين والمتمكنين، فيفاجؤون بضياع حقوقهم وخسارتهم لقضاياهم، ثم يكلفهم تكليف محامٍ أضعاف ما كان يكفيه لو تولاها ابتداءً، وأنا أنصح كثيراً ممن يأتون إلينا وقضاياهم يسيرة وواضحة، وهم متعلمون وقادرون على تولي قضاياهم، بأن يستغنوا عن المحامي لتوفير أموالهم، ولأنهم أحرص وأعلم بقضاياهم، وأيضاً أعتب على بعض المحامين الذين اتخذوها تجارة، ولا يؤدون الأمانة في بذل الاهتمام والعناية الواجبة بحقوق موكليهم، والله المستعان. * ينادي البعض بأن تكون هناك قاضية لبعض المشكلات النسائية.. فما رأيكم بتلك الدعوة؟ * تولي القضاء له شروطه ومواصفات، بيّنها الفقهاء -رحمهم الله تعالى-، وتجربتنا الحالية في تولي بعض النساء -ولو كنّ مسترجلات أو مصطلح الفقهاء بارزاتٍ- ربما تكفي للدلالة على أن الرجل الكفء هو الأنسب لتولي القضاء، ولكن مبادرة وزارة العدل في إيجاد مكاتب الصلح، ربما يناسب أن تتولى فيها المرأة المؤهلة السعي للإصلاح، وتقريب وجهات النظر في الخلافات الأسرية، وإن كان للأسف ومن خلال عدد ممن يستفتيني أو يشاورني في قضيته، أن موظفي مكاتب الصلح للأسف أصبح همُّ كثيرٍ منهم، إنهاء أكبر عدد من المعاملات المحالة إليه، وبالتالي أتمنى أن يكون هناك مزايا للمصلح الذي يطور نفسه، ويحقق أعلى نسبة للإصلاح بعدل ورضا الطرفين، ويحافظ على تماسك الأسرة، وتصحيح مسارها، ولعل المناسب إسناد هذه الوظيفة للأساتذة المتقاعدين في تخصصات العلوم الإسلامية، وكذا التربية والعلوم الاجتماعية. • أدى الوقف في السابق دوراً مهماً على صعيد التنمية الاجتماعية، وفي عصرنا الحالي يلاحظ أن هذا الدور يشهد تراجعاً كبيراً.. أين تكمن المشكلة؟ * النفوس فطرت على محبة الخير وفعله، والمسلم يسعى بذلك بفطرته، وأيضاً لما أعده الله -سبحانه وتعالى- للمحسنين في الدنيا والآخرة، إلا أن إغراق الناس في الترف والكماليات، جعل الأموال التي في أيدي الناس لا تفي بتلك الكماليات، وبالتالي لا يتوافر لديهم ما يتصدقون به، كما أن بعض التجارب الفاشلة التي رأوها أو سمعوا بها، تجعلهم يحجمون عن المشاركة والبذل في الأوقاف، وأيضاً كثرة التنظيمات والإجراءات الرسمية التي تجعل الواقف في قلق من استمرار وقفه، وعلى ما أراده من وجوه الخير، ومن ذلك ما بلغني أن أحد الأخيار أوقف عمارتين، دخلهما ثلاثمائة ألف ريال، لخدمة حلقات القرآن الكريم في مدينة وقراها، في أطراف المملكة، ثم فوجئ أنها بعد تسجيلها باسم جمعية القرآن الكريم بتلك المنطقة، استحوذت إدارة الجمعية على تلك الأموال، وتصرفها في مصاريفها الإدارية وحلقات في مدينة المقر، بينما أصبحت حلقات تعليم القرآن الكريم في المحافظة النائية تعاني من قلة الدعم ونقص الإيرادات، وقد اشتكى لي مندوب الواقف، وكذا المشرفين على حلقات القرآن الكريم، ونصحتهم بمصارحة مسؤولي الجمعية، ثم التوجه للقضاء، فاحترام مقاصد الواقف وعدم تغوُّل وتسلط الجهات الرسمية أو بعض منسوبيها، يشجع على نشر الأوقاف وتكثيرها. • برأيكم.. متى تسد المحاكم حاجتها من القضاة؟ * أهم وسائل محافظة كل إنسان أو كيان المحافظة على رأس المال، ورأس المال في القضاء والتعليم ونحوها، هم تلك القامات والكفاءات التي تحمل همَّ نجاح مؤسستها وتؤمن برسالتها، ووظائف القضاء من أرقى وأشرف الوظائف، ولا يتصور خروج أحد منها إلا بسبب من داخلها غالباً، وكان القضاة سابقاً لا يترجل أحدهم عنه إلا بموت أو مرض قاهر، ويمكن استعراض سيرة قضاة يعملون إلى إكمال السن النظامي سبعين عاماً، بل تجد أكثرهم يتم التعاقد معه إلى الثمانين، والآن نجد من يعتزل القضاء في أول سلمه، مع حاجته للوظيفة، وإذا عاتبت أحدهم، وأنه لو صبر إلى سن التقاعد المبكر، يجيبك بأن الوضع الحالي لا يمكنه معه الاستمرار، مع كفاءته وتركه سابقاً لعدد من الوظائف، كالعمل في الجامعات والسلك الأكاديمي ونحوه، وقد يظن البعض أن هذا العزوف بسبب أن العمل الحر أكثر دخلاً وأوفر حظاً، وليس كما ظن، فغالبهم من الأخيار الذين يحرصون على خدمة بلادهم وإقامة العدل بين الناس، والموضوع يحتاج إلى مختصين مخلصين يستكتبون جميع من استقال من القضاة لمعرفة الأشخاص والأسباب وغيرها، ومحاسبة من كان سبباً في ذلك؛ فبعضهم لفساده، وبعضهم لعدم إحسانه للإدارة، وكان عليه أو على من رشحه لها أن يتقي الله -عزَّ وجلَّ- في ذلك، ولا يوسد الأمر إلا للكفء فإنها أمانة.

مشاركة :