أمام كاميرات التلفزيون، وقفت الحاجة فاطمة محمد، تصف للمشاهدين، كيف تصنع من الدقيق والسمن والعسل طبق «العصيدة» في الصباح الباكر، كي تتناوله أسرتها قبل أن تمضي إلى الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، الذي تسوده أجواء من البهجة ويصاحبه كثير من التقاليد المورثة. ويكاد لا يخلو بيت في ليبيا من تصنيع وطبخ هذا الطبق، وتناوله في الساعات الأولى من هذا اليوم، على الرغم من الجدل المتجدد كل عام، الذي يعتبر الاحتفال بالمولد، وتناول هذا المأكول «بدعة». وللاحتفال بـ«الميلود» كما يطلق عليه الليبيون طقوس وعادات وتقاليد، يحرص جُل المواطنين عليها كل عام، تبدأ من المنزل وتنتهي في الساحات والميادين الكبيرة، التي تشهد توافد آلاف المواطنين عليها من مختلف الأعمار. وهنا تضيف الحاجة فاطمة، بلهجة ليبية، لفضائية «ليبيا الأحرار»: «في هذا اليوم الطيب، إنلموا العويلة وانديروا عصيدة، (نجمع العائلة ونطهو العصيدة)، ومنذ أن كنا صغاراً كنت أجد أمي وخالتي تحضّرانها لنا، فهذه عاداتنا». ومبكراً توافد المواطنون من سكان حي السلماني في بنغازي (شرقي ليبيا) صباح اليوم، إلى الساحات العمومية، حاملين الرايات وهم يضربون الدفوف ويرددون المدائح النبوية، والقصائد التراثية، احتفالاً بهذه المناسبة. واستغل عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، هذه الذكرى، بتهنئة الليبيين، داعياً إلى «استلهام طريق الرحمة وتجسيدها» في ذكر المولد النبوي. وغرّد الدبيبة عبر صفحته الخاصة على «تويتر» اليوم، وقال: «بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم. في ذكرى مولد سيد الكائنات صلى الله عليه وسلم الذي كانت بعثته رحمة للعالمين نستذكر دعوته لنا (ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء)، هذا المبدأ الذي تمثّله رسولنا في سيرته؛ هو ركيزة لاستقرار المجتمع ونهوضه، ونحن مدعوّون لاستلهام طريق الرحمة وتجسيدها». وأجواء الفرحة التي شهدتها مناطق عدة بشرق ليبيا، اليوم، تماثلت مع أجواء مشابهة في غرب وجنوب البلاد، إذ توافد آلاف المواطنين إلى الشوارع في مسيرات منظمة وهم يرددون المدائح على وقع قرع الدفوف، من بين ذلك «ريحانة الأرواح» للشيخ علي أمين سيالة، وقصة المولد النبوي جعفر البرزنجي. وفيما يشبه الكورس المدرّب، ردد المحتفلون على سجيتهم أبياتاً من قصة البرزنجي: أبتدئ الإملاء باسم الذات العلية، مستدراً فيض البركات على ما أناله وأولاه/ وأثني بحمد موارده سائغة هنية ممتطياً من الشكر الجميل مطاياه/ وأصلي وأسلم على النور الموصوف بالتقدم والأولية المنتقل في الغرر الكريمة والجباه...». ويسبق الاحتفال بالمولد في ليبيا «ليلة الموسم» وتبدأ عقب صلاة المغرب، وتُشعل فيها الأُسر الشموع والقناديل في أرجاء البيت. وفي جو من المرح، تنطلق الفتيات المكتحلات يحملن الشمعدانات والفوانيس المضاءة، بجانب الفتيان الذين يشترون القناديل، إلى الشوارع والميادين العامة. وتعد الأيام الأولى من شهر ربيع الأول وقبل إطلالة ليلة (الميلود) موسماً تجارياً رائجاً في أسواق ليبيا؛ حيث يحشد الجميع للتبضّع من الحلوى والدقيق والسمن والعسل والتمر، بالإضافة إلى الشموع والقناديل المذهبة، إذ تحرص المحال على عرض الجديد من الملابس والأحذية التقليدية. ويتشابه إحياء المولد النبوي في ليبيا كثيراً مع الاحتفال بعيدي الفطر والأضحى في الاهتمام بقص الشعر، وارتداء أزياء جديدة تعكس ثقافة البلاد، وانتشار الفرح والسعادة بين عموم المواطنين، بالإضافة إلى شراء الألعاب والهدايا للأطفال، ومنها «الخميسة» وهي عبارة عن «شجرة ميلاد» تصنع يدوياً من هيكل خشبي على هيئة شجرة تزين بالورود البيضاء والحمراء والوردية وفي قمتها توضع «الخميسة»، وهي شمعدان على هيئة يد مفتوحة توضع فيها الشموع.
مشاركة :