طور فريق من الأطباء الألمان طريقة جديدة تعالج أمراض المناعة الذاتية، وقد تم الإعلان عن أول استخدام لهذه الطريقة في معالجة أشخاص يعانون من مرض الذئبة الحمامية المجموعية، وهو مرض روماتيزمي يتطور على مراحل. ويعتزم الفريق الطبي اختبار هذه الطريقة العلاجية في دراسة أكبر اعتبارا من بداية العام المقبل. إرلنغن (ألمانيا) - أعلن أطباء في المستشفى الجامعي بمدينة إرلنغن، شرقي ألمانيا، نجاحهم في القضاء على أعراض مرض خطير من أمراض المناعة الذاتية غير قابل للشفاء، وذلك باستخدام طريقة علاجية كانت مطورة بالأساس للعلاج من السرطان. ورغم أن هذه الطريقة لم يتم اختبارها حتى الآن إلا على خمسة أشخاص فقط، أبدى خبراء مستقلون إعجابهم بها؛ حيث قال فالك هيبه، عالم المناعة بمستشفى شاريتيه برلين، "البيانات قاطعة للغاية إلى درجة أنني أتوقع أن هذه الطريقة سيتم تقليدها في دراسات أكبر". وفي مقال نشرته دورية "نيتشر ميدسين" العلمية تحدث فريق الأطباء برئاسة عالم المناعة جيورج شيت عن العلاج باستخدام ما يُعْرَف بالمستقبلات الخيمرية للخلايا التائية مع أشخاص يعانون أعراضا خطيرة من مرض الذئبة الحمامية. وقال شيت إن أعراض المرض اختفت إلى حد كبير عند هؤلاء الأشخاص. ولم ترصد المجموعة ظهور الآثار الجانبية الخطيرة التي تحدث بالتأكيد عند استخدام هذه الطريقة في معالجة مرض السرطان. ◙ العلاج بالمستقبلات الخيمرية يجري استخدامه منذ سنوات وأثبت فاعليته في معالجة أنواع محددة من اللوكيميا ولا يزال من غير المعروف ما إذا كان من الممكن أن يستمر النجاح الذي حدث مع الأشخاص الخمسة، وما إذا كان من الممكن نقله إلى مرضى آخرين. غير أن خبيرا مستقلا وصف ما حدث بأنه نجاح باهر، حيث قال أخصائي أمراض الروماتيزم مارتين إرينجر من المستشفى الجامعي في مدينة دريسدن الألمانية "من المدهش أن نرى مثل هذا النجاح الكاسح، وهذا سيطور مجال البحث"، وأعرب عن اعتقاده في إمكانية أن تساعد هذه الطريقة على مكافحة بعض أمراض المناعة الذاتية الأخرى مثل مرض التصلب المتعدد. يذكر أن العلاج بالمستقبلات الخيمرية للخلايا التائية يجري استخدامه منذ سنوات قليلة في طب السرطان لكنه أثبت فاعليته في معالجة أنواع محددة من اللوكيميا والأورام الليمفاوية، وتعمل هذه الطريقة بأخذ دم من المريض وإجراء تغيير في الهندسة الوراثية لجزء من كريّات الدم البيضاء وهي الخلايا التائية للجهاز المناعي بحيث تحمل هذه الخلايا على سطحها مستقبلا معينا والذي يسمى مستقبل المستضد الخيمري، ثم يستعيد المرضى المستقبلات الخيمرية للخلايا التائية عن طريق نقل الدم، حيث تستكشف هذه الخلايا داخل الجسم بمساعدة المستقبل الخلايا السرطانية وتقضي عليها. غير أن هناك عيبا خطيرا في هذه الطريقة؛ إذ من الممكن أن تحدث مضاعفات عصبية خلال العلاج قد تصل إلى ردود أفعال التهابية شديدة العنف يطلق عليها اسم “عواصف السيتوكين"، ويرجع ذلك إلى رد الفعل المفرط من جانب الجهاز المناعي. وها هو فريق شيت يعلن الآن عن أول استخدام لهذه الطريقة في معالجة أشخاص خارج نطاق طب السرطان، حيث يعاني هؤلاء من مرض الذئبة الحمامية المجموعية، وهو مرض روماتيزمي يتطور على مراحل وأغلب المصابين به نساء، وغالبا ما يتم تشخيصه في المرحلة العمرية بين 15 و30 عاما، وهو مرض غير قابل للشفاء حتى الآن. النتائج مشجعة بانتظار التجريب النتائج مشجعة بانتظار التجريب ويمكن لشدة المرض الالتهابي المزمن أن تختلف إلى أقصى حد وتتراوح من الأشكال الخفيفة إلى الأشكال التي تمثل خطرا على الحياة، كما يمكن للأجسام المضادة التي تكونها الخلايا البائية في الجهاز المناعي أن تتسبب في حدوث مجموعة واسعة من الأعراض مثل الاحمرار المميز على الخدين الذي يعرف باسم “طفح الفراشة”، والإعياء الشديد ومشاكل المفاصل وأضرار الجهاز العصبي وأعضاء داخلية مثل القلب والرئتين والكليتين. وتعتمد طرق العلاج على المسارات الفردية وتتضمن مجموعة متنوعة من الأدوية وفقا لشدة المرض، ومن بين هذه الأدوية مضادات الملاريا أو الأدوية المضادة للالتهاب أو مثبطات المناعة أو أجسام مضادة مختلفة. يذكر أن الأشخاص الخمسة الذين عالجهم فريق شيت بالطريقة العلاجية الجديدة هم أربع نساء ورجل، وتتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما، وكانوا يعانون أشكالا خطيرة من المرض أثرت على الكلى والقلب والمفاصل. وأقدم الأشخاص الخمسة على هذا العلاج المناعي بعد أن لم يعد يجدي معهم أي علاج آخر. ◙ يمكن لشدة المرض الالتهابي المزمن أن تختلف إلى أقصى حد وتتراوح من الأشكال الخفيفة إلى الأشكال التي تمثل خطرا على الحياة وتم تغيير خلايا الدم التائية لدى هؤلاء المرضى داخل المعمل، حيث صارت هذه الخلايا تتعرف على المستقبل سي دي 19 الذي تحمله تحديدا الخلايا البائية على سطحها، ثم تقوم بالقضاء على هذه الخلايا البائية لأنها هي المسؤولة الرئيسية في مرض الذئبة الحمامية عن تكوين تلك الأجسام المضادة التي تسبب المشاكل. وبعد ذلك تم إعطاء هؤلاء الأشخاص الخلايا التائية الخيمرية بواقع مليون خلية لكل كيلوغرام من وزن الجسم، حيث تنتشر هذه الخلايا في الجسم بحلول اليوم التاسع بعد نقل الدم، إلى درجة أنها تشكل ما يتراوح بين 11 و59 في المئة من الخلايا التائية في الجسم، ورغم أن هذه النسبة تقل بعد ذلك فإن تحسن حالة المرضى استمر. وبدءا من الشهر الثالث ظهر تحسن ملحوظ على المرضى، وقال شيت "إن هذا التعافي مستمر حتى اليوم لمدة تراوحت بين 5 و20 شهرا"، وأضاف أن الشيء المهم بشكل خاص هو استمرار اختفاء الأعراض عند هؤلاء الأشخاص حتى بعد مرور نحو 100 يوم على عودة ظهور الخلايا البائية، مشيرا إلى أن هذا الأمر يوحي بأن الخلايا البائية التي أُعيد تشكيلها “غير ضارة” ولا تسبب ردود فعل مناعية، وأعرب عن تفاؤل فريقه الشديد حيال إمكانية نجاح هذه الطريقة في الممارسة الفعلية. وقال الفريق "إن المرضى الخمسة تحملوا العلاج بشكل جيد"، لافتا إلى أن ثلاثة منهم حدثت لهم حمى لمدة تتراوح بين يومين وثلاثة أيام، ورأى الفريق أن تحمل هذه الطريقة في معالجة الذئبة الحمامية يبدو أفضل من تحمل طريقة معالجة أمراض السرطان. وقال الأطباء “هذه البيانات تشير إلى أن نقل الخلايا التائية الخيمرية المزودة بالمستقبل سي دي 19 هو أمر قابل للتطبيق ويمكن تحمّله وشديد الفاعلية”، لكنهم رأوا أنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه الطريقة ستكون مناسبة لمرضى معينين وغير مناسبة لآخرين، وذلك بسبب قلة عدد الأشخاص الذين خضعوا للتجربة. ويعتزم الفريق الطبي برئاسة شميت اختبار هذه الطريقة العلاجية في دراسة أكبر اعتبارا من بداية العام المقبل؛ إذ قال شيت "من الممكن عدم قصر المشاركة في هذه الدراسة الأشمل على الأشخاص الذين يعانون من الذئبة الحمامية، بل تُمكن أيضا إضافة أشخاص يعانون من مرضين آخرين من أمراض المناعة الذاتية الخطيرة مثل مرض التهاب العضلات ومرض تصلب الجلد المجموعي". وتوقع إرينجر، الذي يشغل أيضا عضوية مجلس إدارة جمعية المساعدة الذاتية لمرضى الذئبة الحمامية، استمرار نجاح هذه الطريقة وقال إن "20 شهرا فترة طويلة للغاية في هذا المرض، والمعطيات مثيرة للإعجاب والمرضى استفادوا منها بلا شك".
مشاركة :