تونس – في استجابة اللحظات الأخيرة مباشرة لجدل متصاعد حول شرط التزكيات الانتخابية في التشرعيات التونسية، تدخل الرئيس قيس سعيد مساء الجمعة معلنا عن تعديلات في المرسوم المتعلق بها لم يحددها. واثر استقبال سعيد مساء الجمعة رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن رمضان، أكد الرئيس التونسي في بيان نشرته الرئاسة التونسية على صفحتها في "فيسبوك"، على "ضرورة تطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة ووضع حد للظاهرة المتعلقة بالمال الفاسد، وتعديل المرسوم المتعلق بالانتخابات خاصة بعد أن تبين أن عددا من أعضاء المجالس المحلية لم يقوموا بالدور الموكول لهم قانونا وصارت التزكيات سوقا تباع فيها الذمم وتُشترى"، وفق البيان. وأضاف البيان، أنه إذا كان التشريع الحالي لم يحقق أهدافه فالواجب الوطني المقدس يقتضي تعديل القانون الانتخابي للحد من هذه الظاهرة المشينة خاصة وأن الذين تم إيقافهم ووقعت إحالتهم على العدالة هدفهم، كما تبين ذلك من الأبحاث، هو إدخال الارتباك في صفوف المواطنين وبث الفوضى خوفا من الإرادة الشعبية الحقيقية التي ستفرزها صناديق الاقتراع يوم 17 ديسمبر المقبل". والانتخابات المبكرة المقبلة هي إحدى إجراءات الرئيس التونسي قيس سعيد الاستثنائية، ومنها أيضا حل البرلمان ومجلس القضاء وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وتمرير دستور جديد للبلاد عبر استفتاء في 25 يوليو/تموز 2021. وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات التي تحضى بدعم شعبي "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بنظام حكم الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي، فيما ترى اغلب احزاب سياسية أبرزها حركة النهضة الاخوانية فيها خرقا او انقلابا على دستور 2014 وتكريسا لحكم فردي مطلق. أما سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر خمس سنوات، فقال إن إجراءاته "ضرورية وقانونية" لإنقاذ تونس من "انهيار شامل". وفي أيلول/سبتمبر الماضي أصدر الرئيس التونسي مرسوما ينظم الانتخابات يتضمن نظام اقتراع على الأفراد بدل القائمات واشترط على المترشحين جمع عدد من التزكيات من الناخبين لا يقل عن 400 تزكية نصفها من النساء. كما يتعين أن تكون 25 بالمئة من إجمالي التزكيات من الناخبين الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم 35 عاما. وتهدف هذه الاجراءات وفق واضعيها الى قطع الطريق على المال السياسي الفاسد واللوبيات المتنفذة منذ 2011 في العودة الى الحكم، وتنقية الطبيقة السياسية المتسببة في ما بات يطلق عليه جزء من التونسيين "العشرية السوداء" وافراز طبقة سياسية جديدة أكثر تمثيلية لناخبيها. وترفض المعارضة القانون الانتخابي وخريطة الطريق السياسية التي وضعها سعيّد منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021 وحلّه البرلمان ودستور 2014 لاحقا، كما أعلنت أغلبها مقاطعة الانتخابات. وتأتي استجابة قيس سعيد المتأخرة نسبيا، للانتقادات الموجهة للمرسوم الانتخابي، قبيل نحو شهرين من موعدها، بحثا عن ترقيعات يخشى مراقبون من ان تشكل سلطة تشريعية أكثر تشابكا مع المال الفاسد والمصالح القديمة للمتنفذين اقتصاديا في البلاد، تعيد للاذهان صور البرلمان المنحل. وفضلا عن شرط التزكيات، يمنع القانون الذي وضعه سعيد التمويل العمومي على المترشحين، وفرض أن يكون تمويلاً خاصاً للحملات الانتخابية، وهو ما وصفته منظمات معنية بالانتخابات بـ"الشروط المجحفة". ويرى منتقدو القانون التعريف بالإمضاء في كل تزكية لمترشح في مقار البلديات كان بالإمكان الاستعاضة عنها بالتوقيع الإلكتروني، وان متنفذين داخل البلديات التي تسيطر حركة النهضة على نحو ثلث مجالسها، يمكن ان يتلاعبوا بطرق مختلفة بمصير الترشحات، بل انهم يمكن ان يترشحوا بسهولة نظراً لمكانتهم الاعتبارية في منطقتهم وإمكانية تجميعهم للتزكيات بسهولة تامة. لكن مناصرين للقانون الانتخابي الحالي يرون ان من يريد الترشح للبرلمان عليه أن يكون مدعوماً من أبناء جهته، ليحقق مطالبهم في التنمية وخلق الثروة، وبالتالي من الطبيعي ان يعول على امكانيات المجموعة التي تدعمه في جمع التزكيات وتمويل حملته. وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات اعلنت، الخميس، أنه تم إيقاف عدد من المتهمين بالتلاعب بالتزكيات. وتسعى الهيئة إلى ضمان شفافية ونزاهة الانتخابات التشريعية المقبلة. وقكشفت الهيئة عن أنه "تم التفطن إلى محاولات بعض الراغبين في الترشح للبرلمان الحصول على تزكيات بطريقة غير قانونية، وذلك إما باستعمال الوسائل والموارد العمومية، أو بتقديم مقابل نقدي أو عيني للحصول على تلك التزكيات". وأكدت الهيئة أن النيابة العمومية تعهدت ملفات بعض تلك الحالات، وأذنت بفتح تحقيقات والاحتفاظ بالمشتبه فيهم. ودعا بيان الهيئة "جميع الراغبين في الترشح لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب إلى التقيد التام بمقتضيات القانون الانتخابي، وبخاصة واجب احترام حياد الإدارة، والامتناع عن استعمال الوسائل والموارد العمومية لأغراض انتخابية". وعقد رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر، الجمعة، اجتماعاً مع ممثلين عن وزارة العدل ووزارة الداخلية، وتم تخصيص الاجتماع لموضوع "المخالفات المسجلة في عملية تجميع التزكيات"، حيث تم التأكيد على "أهمية التنسيق بين الهيئة ووزارتي الداخلية والعدل، خاصة في هذه المرحلة الخاصة بالتزكيات، والتعريف بإمضاء المزكّين، والعمل على تأمين مسار انتخابي سليم، من خلال احترام واجب حياد الإدارة من قبل الأعوان العموميين والتزامهم بالتراتيب والإجراءات القانونية، لإنجاز أي عملية انتخابية". كما جرى خلال الاجتماع ذاته "التأكيد على ضمان مبدأ تكافؤ الفرص أمام المترشحين"، وأنّ "تعامل النيابة العمومية بكل جدية مع الجرائم الانتخابية، وتطبيق القانون على المخالفين، مع ضرورة حماية أعوان الهيئة الساهرين على تأمين المسار الانتخابي، والتعامل معهم باعتبارهم موظفين عموميين"، بحسب بيان للهيئة. وفي ما لا يزال غير معلوم ما اذا كان الرئيس التونسي ينوي اسقاط شرط التزكيات او تخفيف عدد المزكين او طرح تعديلات اخرى، يشكل تنقيح المراسيم أثناء "اللعبة" الانتخابية في حد ذاته اشكالا جوهريا، قد يطعن في نزاهة وعدالة الانتخابات. وقال الناطق الرسمي باسم هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري أن "الهيئة ملتزمة تنفيذ ما جاء في قانون الانتخابات، وتعمل على تنفيذ الروزنامة التي أعلنتها للرأي العام"، مستبعداً "تنقيح القانون الانتخابي أثناء تنفيذ الروزنامة الانتخابية". وبخصوص صعوبة جمع التزكيات أكد المنصري أن هناك متسعا من الوقت لتجميع التزكيات والتوجه إلى البلديات للتعريف بالإمضاء، مضيفاً أن الهيئة وضعت مكاتب لتقريب الخدمة من المواطن لتقديم التزكيات والمصادقة عليها مجاناً لدى مكاتب الهيئة في جميع المعتمديات والهيئات الفرعية.
مشاركة :