يفترض بالنقد أن يكون رديفا للإبداع.. يتتبع نتاجه ويتلمس ما من شأنه الإعلاء من مستواه، ويتناول الثغرات التي قد تكون سببا في التقليل من أهميته.. هكذا يفترض الروائيون. إلا أن الحال ليس كذلك دائما، فلا تزال الرواية السعودية يتقاذفها النقاد والروائيون بين ناقد مقلل من قيمتها وروائي يرى أن بعض النقاد يحكمون على روايات لم يقرؤوها أصلا بحجة أنها بلا قيمة ومجرد ثرثرة!! فهو حكم قبل التداول ومصادرة على الموضوع! وهذا ما يرجعه روائيون إلى استعلاء النقاد، الذين يعيشون أزمة مناهج بحسب واحد من النقاد أنفسهم! حدوث طفرة روائية ضخمة في المملكة على الصعيدين: الكمي والنوعي كان قطب رحى هذا الخلاف إذ فجّر العديد من الأسئلة حول هذه العلاقة.. إلا أن مطالبة أحد النقاد مؤخرا بـ بدل ضرر أثار القضية مرة أخرى، فهل عجز النقد عن مجاراة تغيّر الرواية أم أنه تجاهلها باعتبارها مجرد طق حنك كما يصف بعض النقّاد.. إلى أين تتجه الأزمة بين الروائيين والنقاد وما هو المخرج منها؟ هذا ما يناقشهالجسر الثقافي في الاستطلاع التالي: ناقد سفسطائي يلخص د. حسين المناصرة علاقة الناقد بالمبدع في قوله: أعتقد أن الناقد الذي يصدر أحكاما جزافية.. أو أحكاما تصادر الإبداع وتهمشه.. أو آراء جاهزة وسطحية.. هو ناقد أو قارئ سفسطائي بطريقة أو بأخرى، وهذا نقد إسقاطي يكشف عن ضحالة ثقافية أو مقروئية؛ ومن ثم لا يستحق هذا النقد الانطباعي أي حجاج علمي أو منطقي أو منهجي، فالثقافة هنا لمثل هؤﻻء النقاد أو القراء ينبغي أن تضعهم في سياقهم الذي يستحقونه، وهو سياق الكلام العشوائي أو الهذياني، ومن الصعب أن يكون لهؤلاء أي تأثير في المشهد النقدي، ومن ثم لا ينبغي لنا أن نصور هذا النهج بصفته صراعا بين النقاد والروائيين، ﻷن أي مستوى غير نقدي لا يحمل على النقد. نعم، هناك كثيرون لديهم أحكام جاهزة بشأن الرواية السعودية، وهي أحكام تدينهم بصفتهم لا يقرؤون الروايات، وأسهل الطرق لحرق أنفسهم من غير أن يشعروا هو أن يصدروا هذه الأحكام الشعارية أو الدعائية التي تعلن جهلهم على أية حال، وقد تجد نوعيات كثيرة من هؤلاء المتقنعين بأذيال النقد، لا يوجد في جعبتهم غير هذه الأحكام، طق حنك.. ثرثرة نساء، لا توجد عندنا رواية،فلان لا يعرف الكتابة، وعلان فاشل!!! هؤلاء ليسوا نقادا،ولن يكونوا يوما نقادا، ولا يوجد لديهم أي رصيد معرفي أو ثقافي مهم ما داموا في هذا المستوى من السفسطة!!. استعلاء النقّاد أما القاص والروائي تركي الرويثي فيعلق على الموضوع بقوله: أعتقد أن العلاقة بين المبدع والروائي علاقة تكاملية. ليس فيها سابق ولاحق. كل منهما يؤدي دوره في اثراء الحركة الأدبية. الناقد يفجر طاقات النص، يستوعبه يحلله وينقله إلى فضاءات أوسع. المشكلة هنا أن الناقد ينظر إلى المشهد الثقافي من منطقة علوية. زارعا نفسه فيها، يرى مكانته هناك أعلى من الجميع، كأنه يقول أنا (متربي على الغوالي)، أو أن اسمه يحمل (أوف) في نهايته. ليحكم على مشهد كامل بكلمتين، هي القول الفصل، وانتهى الكلام بعده. بالتأكيد النتاج الأدبي متفاوت المستوى، يحمل أعمالا جيدة وأخرى أقل. مشهد طبيعي، يكتب فيه بشر طبيعيون، لهم جينات، ليسوا بشرا فوق العادة، وهذا ليس عيبا. إذا كان في الأساس الأعمال تتفاوت عند المبدع بحد ذاته، فكيف بمشهد يحمل عشرات الروايات والأعمال القصصية والشعرية. لكن الناقد من فئة (طق حنك) أو من يريد (بدل ضرر). باختزال مخل ومعيب، لا يساهم في تطور المشهد لأنه لا يقرأ ولا يريد، مشغول بذاته ومكانته واسمه، وبدل ضرر. أعتقد بأننا نحن من يريد بدلات كثيرة قبل أن نسمع لهم أو نقرأ أناجيلهم ونصوصهم المقدسة ونظرياتهم التي ملأت الدنيا وشغلت الناس. الحل فقط في أن يتواضع ويلقي عن كاهله بشته المطرز. فليس المصائب وحدها من تأتي جماعات حتى النجاحات كذلك. ما زلنا في بداية المسيرة، وليس من العدل إطلاق الأحكام العامة وجر الناس إلى المقاصل بحجة الأمانة الأدبية. عنتريات فارغة أما الروائي والقاص صلاح القرشي فينفي وجود أزمة بين الناقد والمبدع في قوله: لا أعتقد أن هناك أزمة بين الروائيين والنقاد، فلا وجود في نظري لفريق يمثل النقاد وفريق يمثل الروائيين وبينهما ما بينهما.. هي اراء تمثل اصحابها دائما، وتبرز من خلال إعلام يحب (الاكشن).. لكن ومن وجهة نظري أيضا، هنالك أزمة نقد، وأزمة رواية، ولكل منهما أسبابه، لكن السبب الأهم هو كثرة الادعاء وقلة القراءة. ويكفي أن يقال لأي ناقد يحاول تبرير غيابه بضعف الانتاج الروائي المحلي، يكفي أن يقال له دعك من هذا الانتاج المحلي وأرنا عظمة نقدك في الانتاج الكوني كله وغالبا لن نرى شيئا أبدا. تحدّيات جديدة ويلفت الكاتب عبدالحق هقي كلا من الناقد والروائي إلى تبدّلات في حالة التلقي تجعلهما أمام قارئ جديد تفاعلي مشارك لهما ومسائل لما ينتجان، ويلخص هقي رؤيته في قوله: لا شك أن ثمة طفرة في الرواية السعودية، ومن التسطيح اعتبار أن تلك الطفرة هي طفرة كمية فحسب!!، إذ ان أي وفرة كمية ستطرح بلا شك نتاجا يتراوح بين الجيد والرديء، بين التقليدي والحديث، بين من يتوارى خلف النماذج المعلبة ومن يخوض غمار التجريب؛ تلك التجارب ستترك انطباعات مختلفة بين نقاد مختلفي الميول والملكات والأذواق، وأن ينعكس كل ذلك في العلاقات الديالكتيكية بين المبدع والناقد؛ لكن كل ذلك بالنسبة لي بدأ يتلاشى أمام سطوة المتلقي في فضاءات تنتقل من الحامل الورقي الجامد ذي الاتجاه الواحد إلى الحوامل السيبرانية التفاعلية متشعبة الاتجاهات، المتلقي التشاركي والذي لا يندهش أمام فراغات النص وإنما يتحول إلى مبدع يملؤها ويتجاوز التأويل السطحي إلى ممارسة الفعل النقدي، ما يفرض على المبدع والناقد معًا إدراك تلك الطفرة على مستوى التلقي والإبداع بشكل عام لاستيعاب التحولات الجذرية للقراءة والتذوق، وتطويع أدوات الإبداع ومناهج النقد الأدبي لمسايرة الأدب في لُجة المشاركة والتفاعل، خصوصًا أن الرواية أكثر الأشكال الاجناسية تحررًا من القيود، ما يجعلها أمام تحدٍ حقيقي بين مزيد من التجريب الواعي -على مستوى اللغة/ طرق السرد/ بنية الزمكان/ زاويا الرؤية وتقنيات معالجتها، أو الاندثار. مجرد مدرسين ويعلق القاص محمد منصور الشقحاء على الموضوع بقوله: الرواية السعودية كمنتج أدبي فكري في كل تفاصيلها تفرض وجودها الطبيعي كجزء ثري في دائرة الإبداع. واختلاف النقاد في بعدها الإنساني وقيمتها الفنية التي خلقها النص وفق الفكرة التي صاغها الكاتب على ضوء الحدث الذي أشغل تفكيره. والوقوف عند رأي ناقد نحترمه يحرمنا من التمتع بلغة النص وتحرك اشخاصه وملاحقة الحدث ولدينا تجارب عدة فقد فيها الناقد الكارزما التي ابهرتنا بشخصيته أما بصمت الراوي او بعفوية الشاعر وعندنا المثال الشاعر محمد الثبيتي ورجاء الصانع وروايتها بنات الرياض. الرواية لايخلقها الناقد ونحن نتابع الببليوجرافية التي يقوم بها الراصد والأديب خالد اليوسف كل عام ان الرواية كما القصة القصيرة تجاوزت التنظير النقدي. في الساحة الأدبية العالمية نجد النص هو من خلق الناقد وعندنا بكل اسف أساتذة أكاديميون وعبر الدرس الذي يقدمونه في قاعات الدراسة يضطرون النص القادم ويتجاوزون النص الذي بين أيديهم. الرواية السعودية بها كل المستويات من واحد إلى عشرة وهذا وبشكل إقليمي تتوفر هذه الدرجات في الوطن العربي. ويضيف الشقحاء: بعد عبدالله عبدالجبار لدينا منصور الحازمي وسعيد السريحي وعلي البدوي نقاد حقيقيون أما من يركض في ساحتنا اليوم فهم أساتذة، اي مدرسين مكانهم الحقيقي الفصل المدرسي بكل مستوياته. خطر النقّاد وترى الروائية فاطمة البلوى أن: الفجوة بين النقاد والروائيين كبيرة وفي تزايد بالاتساع وان كانت ظاهرة. قد تُقّدّم الرواية بشكل افضل في حال ابتعد النقاد عن الحكم على الرواية السعودية بشكل قاطع وجماعي لأن ذلك قد يتسبب في وأدها باكرا رغم نضوجها بتعدد مراحلها وروادها. ومهمة النقاد هي الارتقاء بالرواية بمعرفة مكامن اختزالها للخطأ، أو البحث عن السبب في عدم تقدمها حسب الآراء المطروحة.. فمن خلال الحوار والتناقش نضع النقاط على الحروف بتقبل الحوار بين الطرفين حيث لن يفيد النفي القاطع والصراخ. ما قد يغذي الروائيين والنقاد سلبيا، ويعمل على تراجع الرواية، واعطاء العالم والقراء فكرة سلبية عن الرواية السعودية، رغم نضوجها بروادها وتنوعها، ولنا في سدرة المنتهى للاستاذ أحمد الهلالي نموذج في الخيال العلمي في الرواية.. ولنا في رواية ترمي بشرر للاستاذ عبده خال نموذج من نوع طرح القضايا الاجتماعية.. ولابد من اقناع الناقد للروائي برأيه وتوجيهه، وتقبل الروائي للناقد، من أجل التقدم بالرواية.. والابتعاد عن رشق كل منهما للآخر.. وتقع المهمة الكبرى على عاتق الناقد.. لأنه من يوجه الرواية.. حتى تتم معالجتها بطريقة نقدية هادفة.. وحتى لا نبحث عن نشر رواياتنا في الخارج.. بعيدا عن الرشق الذي سيقتلع الرواية من جذورها بسبب التعصب للرأي.
مشاركة :