كشفت دراسة أعدها حامد محمود خبير الشؤون الإيرانية، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، عن أن المجتمع الإيراني يعيش على قنبلة عرقية، وهو ما توضحه قراءة الواقع الداخلي لإيران، حيث بؤر التوتر التي تقلق السلطات الإيرانية. وأوضحت الدراسة أن هناك ثلاث قوميات تتحدى نظام الملالي، وهي الأحواز في عربستان جنوبا، والأكراد في كردستان غربا، والبلوش في بلوشستان شرقا، وهم يشعلون الاضطرابات الأثنية في إيران، بسبب استمرار إستراتيجية ولاية الفقيه، في التعاطي مع التركيبة الأثنية في بلاده، حتى تحولت إلى لغم ينذر بانفجار كبير يثير التوتر في العلاقة بين الدولة الإيرانية ومواطنيها. وبحسب الدراسة، فإن الداخل الإيراني يشهد ظهور بؤر توتر، تثير قلقل السلطات الإيرانية، ويذكر تقرير لمنظمة العفو الدولية أن الأقليات في إيران تعاني من عدم تكافؤ الفرص، والتمييز القومي في اﻟﻤجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وتشير الدراسة إلى أنه رغم النصوص الدستورية التي ترفض التمييز، فإن الأقليات في إيران ما زالت خاضعة لقوانين وممارسات تمييزية، بما في ذلك تقييد الوصول إلى البنية الأساسية مثل الأراضي، والسكن، والمياه والصرف الصحي، ومصادرة الممتلكات، والحرمان من الخدمات العامة ومن الحق في العمل في القطاع العام وشبه العام والخاص أحيانا، بناء على سياسة انتقائية تمييزية تعتمد على الطابع الايديلوجي والذي يتمحور حول المعتقد السياسي أو الديني والولاء للجمهورية الإسلامية، بما في ذلك ولاية الفقيه التي تشكل أساسا للنظام السياسي. وبحسب الدراسة تعاني الأقليات العرقية في إيران، التي تشمل العرب الأهوازيين والأذربيجانيين والبلوش والكرد والتركمان، من التمييز في القانون والممارسة على السواء، ويبقى استخدام لغات الأقليات في المكاتب الحكومية وفي التعليم في المدارس محظورا، كما يواجه النشطاء الذين يناضلون من أجل حقوق الأقليات الكثير من التهديدات بالاعتقال والقتل. طمس هوية الأحواز والاستيلاء على أراضي الإقليم تناولت الدراسة إقليم الأحواز، الذي يقع إلى الجنوب الغربي من إيران، ويفصله عنها حد طبيعي هو جبال زاجروس، وترجع أهميته إلى عوامل أولها الموقع الإستراتيجي، فهو حلقة الوصل بين إيران والعالم الخارجي عامة، ودول الخليج العربي بشكل خاص، وتبلغ مساحة الأحواز، 375 ألف كيلومتر مربع تقريبا، وعدد سكانها أكثر من 8 ملايين نسمة، 99 % منهم عربا، وترجع جذور شعب الأحواز إلى أصول وقبائل العرب، مثل بني كعب وبني طرف وبني تميم وبني مالك، وقبائل آل أسد ونعمة والزرقان وغيرها من القبائل العربية. وبعد نجاح ثورة الخميني عام 1979م، ووصول النظام الجديد لسُدة الحكم، ظن الأحوازيون أن هناك انفراجة في علاقتهم مع السلطات الإيرانية، غير أن الظلم والاضطهاد زادا عما سبق، بحسب مصادر تنتمي للأحواز ـ تحدثت عنهم الدراسة، واستمرت سياسية التمييز العنصري، والتطهير العرقي، وزاد كذلك إهمال الإقليم خدميا وتعليميا عن ذي قبل. وضمن السياسة الإيرانية لطمس هوية الإقليم العربي عمدت الدولة إلى اقتطاع أجزاء منها وضمها لبعض المدن الإيرانية فضلا عن توطين أعداد من الفرس والقوميات الأخرى، لتغيير التركيبة الديموغرافية للإقليم وهو ما أدى إلى انخفاض نسبة العرب إلى 95% ، كما تفرض السلطات الإيرانية اللغة الفارسية كلغة رسمية للتعلم في الإقليم، وللتواصل في الدوائر الحكومية، وغير ذلك من الأمور التي تهدف في النهاية لتغيير ملامح الإقليم وسكانه وهويتهم. وانتهجت السلطات الإيرانية سياسات تهدف للتضييق على الحريات العامة ولاسيما الحرية الدينية وطمس كل ما هو عربي في الإقليم وفرضت السلطات الإيرانية على إدارات المدارس الثانوية والمتوسطة في الإقليم التبليغ عن أي طالب عربي أحوازي يظهر عليه التحول، أو الانتماء إلى المذهب السني. ورغم أن طهران دائما ما تنفي التوجه العنصري، وتصر على أن ما تقوم به لا يتجاوز عدم السماح لأي أقلية بالخروج على نظرة الدولة الإستراتيجية، فإن انتشار البطالة، وانعدام أو نقص الخدمات في مناطق الأقليات، خاصة السنة منهم والعرب، ينبئ بغير ذلك. إيران تتجاهل 4 مطالب عادلة للبلوشستان يقع إقليم بلوشستان في جنوب غرب آسيا، على الحدود بين باكستان، وأفغانستان، وإيران، ويوجد ثلثا مساحته في باكستان، والثلث الآخر في إيران ويسكنه نحو 11.5 مليون نسمة من قومية البلوش. واللغة الشائعة في الإقليم هي اللغة البلوشية مع بعض اللغات الأخرى. وتبلغ مساحة بلوشستان إيران (70 ألف ميل مربع)، وكعادة تعاملها مع كل القوميات الموجودة داخلها، عدا القومية الآرية، عمدت السلطات الإيرانية إلى اتباع سياسة طمس الهوية لأبناء الإقليم تارة بتهجير بعض أبنائه إلى أقاليم أخرى مجاورة تحت مسميات إعادة التقسيم الإداري وتارة أخرى بفرض اللغة الفارسية وتارة ثالثة باتباع سياسات الإهمال الخدمي تعليميا ومعيشيا لإجبار أهله على النزوح لمناطق أخرى. وسعى البلوش منذ سنوات طويلة إلى تحقيق أربعة مطالب عادلة، وهي: التنمية الاقتصادية للإقليم المهمل من قبل الحكومات الإيرانية، والمساواة والعدل في توزيع الثروات والعائدات، مع إتاحة الفرصة لبناء مساجد سنية ومدارس في بلادهم، وتوقف السلطات الإيرانية عن ملاحقة علماء البلوشستان السنة وقتلهم، دون أن يحدث تقدم في هذه الملفات. الإطاحة بحلم دولة الأكراد وخميني يصفهم بالكفار تبلغ نسبة الأكراد في إيران، 10 بالمئة من السكان وينتشرون على وجه الخصوص في محافظات كردستان وكرمانشاه وأذربيجان الغربية وإيلام في شمال إيران وغربها، واتسمت العلاقة بين الكرد والأنظمة المتعاقبة بالمد والجزر، ولم تخل من صدامات دامية. وخاض أكراد إيران مواجهات مع السلطات الإيرانية المتعاقبة منذ مطلع القرن الماضي، ضمن عناوين وأهداف اختلفت وفق الظروف السياسية الإقليمية والدولية، ورغم الأهداف الكثيرة التي اختلفت بين الانفصال لإقامة الدولة الكردية المنشودة، وتحقيق الاستقلال الذاتي، ربما تمهيدا للاستقلال النهائي، واستعادة الحقوق من الأنظمة إلا أن الثابت الوحيد في معاناة الكرد، هو الحرمان والمعاناة. فأكراد إيران، وبعد عدة نزاعات، استطاعوا أن يحققو حلم الدولة عام 1946، حين أعلنوا «جمهورية مهاباد» في عهد الشاه الإيراني، محمد رضا بهلوي. لكن السلطات الإيرانية نجحت، بعد أشهر قليلة، في القضاء على الدويلة الوليدة، لتستمر علاقة المد والجز مع نظام الشاه، وصولا إلى عام 1979 حين أطاحت ما تسمى بالثورة الإسلامية بنظام الشاه وسمحت «لولي الفقيه» الخميني بقيادة البلاد. ومع سقوط نظام الشاه، وانتصار الثورة الخميني عام 1979 شكل الكرد في إيران مليشياتهم الخاصة باسم «البشمركة»، وبسبب رفض مرشد الثورة الخميني إعطاءهم حكما ذاتيا دخلوا -وخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني- في مواجهات مع القوات الإيرانية في كثير من المدن الكردية، التي تعرضت لهجمات عنيفة من الحرس الثوري الإيراني مما اضطر البشمركة لأن تلجأ للجبال. ولما نشبت الحرب بين العراق وإيران عام 1980 تلقى كرد إيران دعما من العراق، واستمرت المواجهات بين الطرفين خلال التسعينيات تعرض خلالها الكرد لنكسات عدة، وتخللتها مفاوضات في بعض الأحيان، ولكن الوضع في نهاية المطاف استقر للسلطات الإيرانية وأصبحت المواجهات المسلحة في المناطق الكردية الإيرانية متقطعة وغير ذات أهمية. ورفضت الأحزاب الكردية في إيران الدستور الإيراني الجديد، بعد أن اعتبروا أنه يكرس العنصرية والتفرقة بين المواطنين، مما دفع الخميني إلى إصدار فتوى ضد الأكراد تعتبر أن «الكرد كفار»، وقصفت الطائرات عدة مناطق كردية. وأسفر قمع السلطات الإيرانية لانتفاضة الأكراد وكفاحهم المسلح، الذي استمر من 1979 إلى 1988، تاريخ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، عن مقتل 3 آلاف كردي، حسب مسؤول العلاقات العربية في حزب الكوملة الكردستاني الإيراني، سوران بالاتي. وأقدمت السلطات الإيرانية على اغتيال عدد من قادة الأكراد، من أبرزهم زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، عبدالرحمن قاسملو، الذي قتل، على يد المخابرات الإيرانية في فيينا عام 1989، واستمرت السلطات الإيرانية في اغتيال قادة الأكراد، وفي القمع السياسي المتمثل بمنع الكرد من المشاركة في الحياة السياسية بشكل مستقل وحظر الأحزاب الكردية، وأهمها حزب الكوملة والحزب الديمقراطي الكردستاني، إعدام 6 نشطاء سنة أكراد بتهمة «محاربة الله» في 4 مارس 2015 أعلنت السلطات الإيرانية إعدام 6 نشطاء سنه أكراد وهم حامد أحمدي وكمال ملايي وجمشید دهقاني وجهانكیر دهقاني وصديق محمدي وسيد هادي حسيني في سجن رجايي شهر. وكانت المحكمة الثورية حكمت عليهم بالإعدام في عام 2012 بتهمة «محاربة الله» و»الإفساد في الأرض». وكانت منظمة العفو الدولية دعت السلطات الإيرانية لتأجيل العقوبة بحق هؤلاء متهمة طهران بتعذيب السجناء ومحاكمتهم خلف الأبواب المؤصدة، وعدم السماح للمتهمين بالاتصال بمحامين للدفاع عنهم. وتعرض السجناء للضرب المبرح والإساءة خلال نقلهم إلى الزنازين على يد مأموري السجن، ولم يسمحوا لهم حتى بالتوضؤ قبل أداء فريضة الصلاة ووجهوا لهم أسوأ الشتائم، وربطوا أيدهم بأرجلهم بالأصفاد مما صار البعض منهم ينزف نتيجة لذلك. وانتهت الدراسة إلى القول إن هناك إرهاصات وظواهر داخل إيران وخارجها تدل على احتمال تحجيم دورها القادم إقليميا، مع أزمات داخلية متوقعة.
مشاركة :