يتعرض النموذج الديموقراطي البرلماني لامتحانات عسيرة في عالم متغير تتعرض ثوابته ومسلماته للتشكيك، إثر صعود الأحزاب اليمينية الشعبوية المعادية للقيم الليبرالية ووصول رموزها للسلطة، مما جعل بعض الكتّاب الغربيين يشخص حالة الديموقراطية بالأزمة، ولم يفت المراقبون لملتقى أثينا الرابع عن الديموقراطية ملاحظة جو التشاؤم الذي خيم على الملتقى، لقد اتفقوا على أن الديموقراطية كنظام للحكم في خطر، وأن الليبرالية متمثلة في الحقوق المدنية، وحكم القانون، وحماية الأقليات في وضع صعب، أوساط الأحزاب اليمينية في القارة العجوز ابتهجت للخروج البريطاني، واليوم هي منتشية لفوز ميلوني زعيمة حزب «أخوة إيطاليا» ذات الجذور الفاشية، والفائز الأكبر بالانتخابات الإيطالية العامة الأخيرة 25 سبتمبر 2022، بهذا الفوز يحقق اليمين المتطرف الإيطالي فرصة تاريخية لحكم البلاد منذ 1945 ويأتي هذا الفوز بعد أن حقق اليمين المتطرف السويدي تقدماً كبيراً في الانتخابات التشريعية 11 سبتمبر 2022، مما دفع حازم صاغية أن يتنبأ بأن اليمين سيحكم أوروبا. هل انتهى مشروع الديموقراطية؟ الشعبوية المتطرفة أكبر معاول هدم النظام الديموقراطي وأخطرها على مستقبله، ويبدو أن الشعبوية إحدى العوارض الملازمة للنظام الديموقراطي، وقديماً نعى فلاسفة اليونان على ديموقراطية أثينا أنها ساوت أصوات الصالحين وغير الصالحين على حساب الكفاءة، وكذلك كانت نظرة قدمائنا إلى العامة، كانوا يحذرون من مشاركتهم في الشأن العام لأنهم سريعو الانقياد للخطباء الشعبويين الذين يتلاعبون بعواطفهم على حساب المصلحة العامة. تأتي انتخابات الكويت في ظل 3 متغيرات: 1- المد الشعبوي الذي يحتل المشهد السياسي العالمي ومخرجات انتخابات الكويت لن تكون بمنأى عنه. 2- تراجع ثقة شعوب العالم في البرلمانات «سجل الاتحاد البرلماني العالمي».3- نجاح النموذج الفردي في تحقيق تنمية وازدهار لمجتمعاته «الصين، الخليج، الاتحاد السوفياتي، تركيا» الآن: هل يكون المجلس الجديد قادراً على إحداث التغيير؟ سؤال يشغل الساحة الكويتية، وبين يدي قراءات، أبرزها: 1- قراءة الدكتور محمد الرميحي «قراءة نقدية في نتائج الانتخابات الكويتية» قراءة يغلب عليها التفاؤل والإيجابية، يرى أن: المخرجات أفصحت عن بدايات للمجتمع المدني، وأن القول بتقدم المعارضة غير دقيق، ومثله القول بفوز مجموعة متشددة، لأن المجتمع الكويتي ينبذ تاريخياً التزمت والتطرف. 2- قراءة الدكتورة موضي الحمود «كيف سيكون الأمر في القاعة» قراءة يغلب عليها الأمل والثقة، فالمجلس أمام تحد كبير، هو تراجع الثقة الشعبية بالبرلمان «عالمياً» لكنها تثق بقدرة المجلس على التناغم مع جهود القيادة في «تصحيح المسار» 3- قراءة الأستاذ عبدالله بشارة «الانتخابات القادمة ومصير البرلمان» كتبه قبل الانتخابات، يرى أن الشراكة التضامنية «بين السلطتين» جوهر الدستور، وأساس فاعلية البرلمان، ويبدي خشيته في حالة عودة المعارضين السابقين واستمرار التأزم من تصاعد المبررات الضاغطة لتجميد العمل البرلماني. 4- قراءة الأستاذ سامي النصف «بيزنطة الجديدة» تقوم على أنه إن لم يتحقق التعاون بين السلطتين بديلاً عن التعارك هذه المرة، فعلينا الاعتذار المسبق لأجيالنا القادمة. 5- قراءة الدكتور حامد الحمود «ماذا ستكون أولويات النواب الإسلاميين» يبدي خشيته من أن يشغل «التكتل الإسلامي» المجلس بأجندة «الأسلمة». 6- قراءة الاقتصادي عامر ذياب التميمي «الإصلاح ونتائج الانتخابات» قراءة تنتقد نظام الصوت الواحد وتقسيم الدوائر الانتخابية، آملاً في قيام المجلس بدور إصلاحي فاعل. 7- وأخيراً قراءة الكاتب أحمد الصراف «قراءة ليبرالية في نتائج الانتخابات» قراءة صادمة للقراءات السابقة، خلاصتها أن المخرجات كارثية أفرزت مجلساً «طائفياً قبلياً وأصولياً». ما قراءتي؟ قراءتي تقوم على أنه عندما تغيب الحكومة عن «هندسة الوضع الانتخابي» في مجتمعاتنا التي لم تحقق صهر مكوناتها بعد، تحضر التضامنيات العصبوية بقوة، ويملك الخطباء الشعبويون الساحة، أمة تصحيح المسار بتركيبتها من كبار الرموز الشعبوية الذين حصدوا أكبر الأصوات، تعكس بصدق تضامنياتها وممثليها، والمجلس الشعبوي، كثير تقلباته، صعب ضبط إيقاعه، ويتعذر توقع أدائه. يبقى احترام خيارات الشعب وتهنئة الشعب الكويتي والتمني بتصحيح المسار. * كاتب قطري
مشاركة :