الهدنة.. حربٌ بين أجنحة «الحوثي»

  • 10/10/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تواصل ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران رفض تمديد الهدنة وتحقيق السلام، وتصر على العودة إلى التصعيد والحرب ليس لصالح حسابات ومصالح النظام الإيراني وحسب، بل وهروباً من الالتزامات والمسؤوليات التي تفرضها الهدنة عليها أمام السكان والقبائل في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، وخوفاً من اتساع دائرة الصراعات الكامنة بين الأجنحة والفصائل المتعددة بداخلها، كما تهرب من ضغط أجنحتها المتصارعة والمتنافسة، كون الهدنة تفرض عليها ضغوطاً داخلية كبيرة وتحاول الهروب منها إلى الحرب. وبرغم أن مراهنة الميليشيا على الحرب لم يحقق لها أهدافها بالسيطرة على البلاد وإخضاع الشعب اليمني منذ انقلابها في 2014، ومع إدراكها الكامل أنها تخوض معارك خاسرة من قبل أن تبدأ، وهجماتها الإرهابية غير مأمونة العواقب، إلا أنها ترى الهدنة والسلام والاستقرار أصعب عليها من الحرب، وأكبر تهديد على وجودها ومصالحها غير المشروعة، كون الهدنة تجعلها في مواجهة مع نفسها وقواعدها ومقاتليها وأجنحتها، ومع السكان التي تفرض عليهم حالة من الرهاب والقمع والجباية، وسلب ونهب رواتب الموظفين وإهدار موارد البلاد، تحت مبررات الحرب ومواجهة "عدوان خارجي". ويقول محللون ومراقبون يمنيون إن الهدنة تفضح مدى تغول الميليشيا واستيلائها على السلطة والدولة أمام المجتمع، في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، وتفتح الباب أمام السكان والقبائل لتقييم أدائها وسطوتها، ونتائج انقلابها وحربها ومقارنة أوضاعهم الاقتصادية والأمنية والمعيشية بما قبل الانقلاب الحوثي, كما أن الهدوء الذي تُمثله الهدنة يفتح الباب أمام أشياع وعناصر ومقاتلي الميليشيا لتقويم ما تعرضوا له وما خسروه جراء توريطهم من قبلها في حرب انقلابية مدمّرة ودموية، وإحراقهم في معارك خاسرة، دفّعتهم أثمانا باهظة. وبالإضافة إلى العوامل والحسابات الإيرانية التي لعبت دوراً مهماً في الدفع بالميليشيا لرفض تمديد وتوسيع الهدنة، إلا أن ثمة أسباب ودوافع محلية وداخلية، وراء التعنت والرفض من جانبها لاستمرار الهدنة الإنسانية، وإصرارها على التصعيد العسكري والاستمرار في الحرب. في هذا السياق تحدث المحلل السياسي اليمني، عبدالهادي العزعزي (مهتم بتحليل ودراسة البنية الفكرية والتنظيمية والعسكرية للميليشيا) قائلاً: "الميليشيا لا تريد الهدنة كونها تؤدي إلى تقييم آثار الحرب ونتائجها، وماذا حققت ويقاس كل ذلك بمقدار الثمن الذي أجبرت فئات من السكان والقبائل على دفعه في حربها الانقلابية". وأوضح العزعزي في حديثه لـ"الرياض": "الهدنة تؤدي إلى عودة مقاتلي الميليشيا من الجبهات، مما يسمح بتقييم نسبة الفاقد السكاني على مستوى العائلات والأسر والقبائل، كما أن توقف القتال يُبرز عدد القتلى والجرحى والمعوقين وهم بمئات الآلاف، ونسبة تردد الجرحى على مراكز الخدمات الصحية، وما يشكله ذلك من تزاحم على وحدات هذه الخدمة أصلاً خصوصا في الجانب المدني". مشيراً إلى أن الهدنة وحالة الهدوء، تفتح نقاشات عن مستقبل عشرات الآلاف من الأسر التي فقدت عائلها، خصوصاً أن أغلب القتلى والمعوقين من الجرحى في صفوف الميليشيا، هم من فئة الشباب التي تترك خلفها أطفالاً أقل من عشر سنوات، ونساء وزوجات شابات، وما ينتج عن ذلك من مشكلات اجتماعية واقتصادية. وتفتح الهدنة أمام مقاتلي وعناصر الميليشيا وأجنحتها المتدنية، باباً للمقارنة بالمكاسب الاقتصادية والمالية والاجتماعية الكبيرة التي حققتها العناصر القيادية، مقارنة مع غيرهم من العناصر والمقاتلين غير المنتمين للسلالة العائلية الحوثية. وتثير الهدنة مخاوف حقيقية لدى قيادة الميليشيا، إذ أنها بحسب العزعزي تساهم بشكل كبير في تخفيف السطوة الحوثية في الجانب الأمني، كون نسبة من المقاتلين الحوثيين ذوي حضور اجتماعي أو سياسي مختلف، مما يجعل إمكانية فتح نقاشات مع هؤلاء عما آلت إليه أوضاعهم وعن أوضاع أسرهم وعائلاتهم وذويهم وأقاربهم على المحك. كما أن هروب قيادة الميليشيا من الهدنة، مرتبط كذلك، بمخاوف عميقة من كون الهدنة وفترة الهدوء، تعمل على إبراز صراعات داخلية خطيرة لإيجاد ومراكمة امتيازات سياسية ومالية واجتماعية، ولاقتسام مصالح داخل ميليشيا مُشكلة من أجنحة ولوبيات وعصابات، وعائلات متنافسة، تقع على رأسها العائلة الحوثية. وتعمل الهدنة على إيقاف الاتهامات بالعمالة الخارجية وتمنع الميليشيا من ممارسة مسلسل الابتزاز وتوزيع التهم وتكميم الأفواه ومصادرة الحقوق والممتلكات بحجة الحرب، وتطرح عشرات الأسئلة عن المستقبل وماذا بعد الحرب وأوضاع المؤسسات والدولة ومصير المقاتلين الحوثيين، والهيئات الموازية التي أنشأتها الميليشيا، ومستقبل العاملين فيها خصوصاً من خارج السلالة الحوثية. وتخلق الهدنة، صراعات بينية وخوفا وتوترات، وعدم انسجام بين المكونات للعصابات الحوثية المهيمنة، وحلفائها القسريين التي كانت أساساً في حالة صراعات داخلية ذات أبعاد جهوية وجغرافية، وتنافسات عائلية على مستوى الفئة المهيمنة. ويقول شيخ قبلي في محافظة عمران الواقعة تحت سيطرة الإرهابيين الحوثيين (طالب بعدم نشر اسمه): "هناك بوادر صراع ظهرت بشكل كبير بين الأجنحة الأمنية والعسكرية والإدارية والاقتصادية داخل الميليشيا، خصوصاً خلال فترة الهدنة ومنذ دخولها حيز التنفيذ في إبريل الماضي، قبل أن تنتهي في مطلع الشهر الجاري وترفض تمديدها". مصادر متعددة في صنعاء، تحدثت لـ"الرياض" وأكدت أنه وأثناء فترة الهدنة "حدثت ردود فعل كبيرة نتج عنها تشظيات داخل الميليشيا، خصوصاً بعد أن قامت الجماعة العسكرية المهيمنة داخلها بتخفيض الامتيازات المالية والاقتصادية والسياسية التي كانت تُمنح للحلفاء القبليين والزعماء المحليين بهدف استقطابهم للقتال في صفوفها خلال الحرب، كون هؤلاء كانوا يرزقون من أفواه البنادق". ولفت إلى أن الهدنة وحالة توقف الحرب دفعت قيادة الميليشيا إلى عمل إعادة هيكلة للإنفاق العسكري وتحويل قسم منه إلى الدائرة الأمنية ودائرة المعالجات لنتائج الأعمال العسكرية، وقسم منه يوجه لإرضاء المجتمع في محاولة لكسب وده، لكنها فشلت في ذلك، إذ اصطدمت باتساع دائرة الأكثرية الشعبية المُهمشة اقتصاديا، وبروزها إلى السطح، وأخذها أشكال تنظيمية، حسب الحاجة والمتاح، في ظل انعدام صرف الرواتب والتراجع الكبير في قدرة القطاع التجاري والزراعي والصناعي عن امتصاص العمالة نتيجة لإنهاكه واستنزاف رأس ماله وتدني أرباحه، مقارنة بحجم الأتاوات القسرية التي تفرضها عليه. ولفت العزعزي إلى أن "أهم مؤشر على الصراع الذي تصاعد أثناء الهدنة، ظهر بين جناح القبائل التي تورطت في التحالف مع الحوثي في العام 2014، وبين جناح السلالة الحوثية". مشيراً إلى أن الميليشيا لا يمكن تقسيمها قبلياً، كون علاقاتها أدنى من قبليّة، وإنما تتشكل من عائلات مجمعة في بيئات متباينة، وعلاقات بدائية قائمة على المصاهرة ودرجة القرابة في روابط الدم، وإذ لا وحدة جغرافية واقتصادية متسقة في بنية هذه الميليشيا". وعن قلق الميليشيا ومخاوفها ذات الأبعاد المحلية والداخلية من استمرار الهدنة، يقول العزعزي: "تلك المخاوف الحوثية مرتبطة بكون الهدنة تعمل على إخراج التفاصيل الصغيرة التي تغطيها هيمنة الحرب والخوف الذي تصنعه، فالحرب وحجم الخوف المرتبط بها يوقف قدرة الأفراد والمجتمع عن التفكير المنطقي بالتفاصيل وأبعادها ولعل مشكلة تباين المواطنة بين المنتمين للسلالة الحوثية وهم أقلية وافدة ودخيلة في نظر المجتمع اليمني وبين الأكثرية الشعبية".

مشاركة :