شهدت كبرى صالات العرض بالمسرح الوطني في العاصمة العراقية بغداد، العرض الأول لمسرحية مكاشفات للمسرحي العراقي الراحل قاسم محمد والمخرج غانم حميد، وبمشاركة الفرقة الوطنية للتمثيل وسط حضور جماهيري واسع. وجسد العمل كل من الفنانين شذى سالم وميمون الخالدي وفاضل عباس، وسينوغرافيا علي السوداني. وتشكل المسرحية سفرًا جديدًا في أسفار المسرح العراقي عبر توظيف التراث في الفن المسرحي. وهذا المنجز يقدم قراءة نقدية واعية للموروث، هدفها تأسيس رؤية لمشكلات الواقع الملحة. واتكأ العرض على أدوات الممثل وعناصر السينوغرافيا وبلاغة النص. كما استهلت مشاهده بمؤثر صوتي يتصاعد من عمق الخشبة استحضر خطبة الحجاج في أهل العراق ليجسّد الصراع بين الطغيان وضحاياه، في إسقاط على الراهن العربي، وذلك من خلال حكاية عائشة بنت طلحة والحجاج بن يوسف الثقفي. وسعى المخرج في العرض الذي نهض به في دوري عائشة والحجاج الفنانان القديران شذى سالم والدكتور ميمون الخالدي، إلى خلق محاكاة بين الماضي والحاضر من خلال مفاهيم الشعب والمعارضة والسلطة الديكتاتورية، عبّرت عنها مونولوجات وديالوجات العرض بلغة شعرية بليغة. بدوره، وفق المخرج غانم حميد بتوظيف قدرات الممثلين المميزة وأدائهم الشخصيات بين الماضي والحاضر والانتقال بها من حالة إلى أخرى، وتمكنهم من امتلاك أدوات الإلقاء والمحافظة على شعرية وجماليات النص المنطوق بالفصحى والغني بالانثيالات الشعرية والانتقال منه إلى اللهجة العراقية المحكية دون إخلال. كما يقول المخرج غانم حميد إن «المسرحية تكشف الصراعات الفلسفية الانتهازية العميقة التي تسكن في دواخل الحاكم المستبد، من خلال الحوار الذي يجري بين الحجاج بن يوسف الثقفي وبين عائشة بنت طلحة أرملة ضحية الحجاج، مصعب بن الزبير». وأضاف: «هذه التجربة تمثل لي تحديًا كبيرًا وأنا عارف وعالم بقدرتي وتطورها وإلا من يجرؤ اليوم على أن يقدم مسرحية شعرية بلغة فخمة قد تكون قديمة في بعض بناءاتها وموزونة وتتوسل في بعض أماكنها بالقافية رغم ضعف قدرة المتلقي العام الباحث عن السهولة والإيجاز والكثافة في رسم الموضوع وتقديمه، لكني قادر على أن أقدم تجربة تتجاوز ما قدمت برؤيا معاصرة وبتقنيات إخراجية حصيلة نجاحات عدة مضت». وأكد حميد أنه أراد إخراج العمل منذ عام 1995، عندما اقترح عليه الراحل قاسم محمد، فكرة أن يقدم هذا النص بعرض يمثل هو فيه شخصية الحجاج، مع الممثلة العربية نضال الأشقر، بعد إعداده للنص عن كتابين عربيين هما: «أنا بن جلا» لمحمود تيمور، و«مكاشفات عائشة بنت طلحة» لخالد محيي الدين البرادعي، أجازها وتبناها المركز العراقي للمسرح آنذاك، لكن النظام السابق منعها بعد قطع شوط من التدريبات، لتبقى طي الأدراج طيلة عشرين عامًا. وستشارك «مكاشفات» في مهرجان المسرح العربي بدورته الثامنة الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح التي ستنعقد في دولة الكويت بين العاشر والسادس عشر من الشهر الحالي، حيث ستنافس على نيل جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة لأفضل عمل مسرحي عربي لعام 2015.
مشاركة :