مع تواصل التداعيات الداخلية والدولية للغارات الروسية المكثفة على مناطق أوكرانية، رداً على تفجير جسر القرم قبل يومين، جددت القوات الروسية، اليوم (الثلاثاء)، شن هجمات جوية على مواقع في عدد من المدن الأوكرانية، ووجهت تحذيراً جديداً إلى الغرب من مخاطر «تصعيد منفلت» للتوتر، على خلفية تحركات لتوسيع عمليات إمدادات أوكرانيا بتقنيات عسكرية، بينها أنظمة دفاع جوي. وهدد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، من أن روسيا سوف «تضطر لاتخاذ تدابير مضادة بسبب المشاركة المتزايدة للولايات المتحدة وأوروبا في النزاع الأوكراني». ونقلت وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية عن الدبلوماسي المسؤول عن ملف الأمن الاستراتيجي في الخارجية، أن موسكو «تلاحظ بأسف أن المساعدات الواسعة والمستمرة لأوكرانيا، وتدريب أفراد الوحدات العسكرية الأوكرانية على أراضي بلدان الحلف الأطلسي، وتقديم المعلومات الاستخباراتية وصور الأقمار الصناعية لدرجة تحديد الأهداف للمدفعية والتخطيط لعمليات القوات المسلحة الأوكرانية، تجر بشكل أكبر الدول الغربية للانخراط في الصراع إلى جانب نظام كييف». واعتبر أن هذه التطورات تتزامن مع دعوات متجددة لمسؤولين على مختلف المستويات في الولايات المتحدة وأوروبا إلى «هزيمة بلادنا في ساحة المعركة». وتابع: «من الواضح أن المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة وحلف الناتو لا تخدم روسيا. نأمل بأن تفهم واشنطن والعواصم الغربية الأخرى خطورة التصعيد المنفلت». في الوقت ذاته، أكد نائب الوزير أن موسكو «لا تهدد باستخدام الأسلحة النووية». واتهم الولايات المتحدة والدول الغربية بـ«تأجيج الخطاب النووي على خلفية الأحداث الجارية في أوكرانيا». ورأى أن «الغرب يحاول جعل الأمر يبدو كما لو أن روسيا تستعد لشن ضربات باستخدام أسلحة الدمار الشامل»، مشيراً إلى أن العقيدة النووية الروسية «تحدد بوضوح» مجالات استخدام هذا السلاح. ووفقاً لذلك، تحتفظ روسيا بالحق في استخدام الأسلحة النووية في حالة «تلقي معلومات موثوقة حول إطلاق صواريخ باليستية لمهاجمة أراضي روسيا أو حلفائها، واستخدام الأسلحة النووية أو أنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل على أراضي روسيا وحلفائها». وأضاف أن الأمر يشمل أيضاً «تهديد العدو للمنشآت المهمة في الدولة أو المنشآت العسكرية المهمة، التي سيؤدي فشلها إلى تعطيل رد القوات النووية. كذلك العدوان على روسيا باستخدام الأسلحة التقليدية، الذي يجعل وجود الدولة في حد ذاته مهدداً». وجاءت تحذيرات ريابكوف على خلفية تسارع تحركات بلدان غربية لمواجهة ما وصف بأنه تصعيد روسي قوي من خلال الهجمات الصاروخية على مدن أوكرانية أمس. ومع الإعلان عن اجتماع منتظر لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، جاءت دعوة بريطانيا لعقد اجتماع طارئ لحلف شمال الأطلسي (ناتو) لتدخل في الإطار نفسه. فضلاً عن الإعلانات المتكررة من جانب الإدارة الأميركية عن طلب أوكرانيا تزويدها بشكل عاجل بأنظمة دفاع جوي متطورة. وحمل تحذير السفير الروسي في واشنطن، أناتولي أنتونوف، إشارة جديدة من جانب موسكو في هذا السياق، مع تأكيده اليوم أن «الولايات المتحدة وحلفاءها يقتربون بسرعة من تجاوز الخط الأحمر عبر مواصلة توريد الأسلحة إلى أوكرانيا». وقال: «نحث الولايات المتحدة وحلفاءها على عدم تجاوز الخطوط الحمراء التي اقتربت منها، والتوقف عن تزويد نظام كييف بالسلاح الفتاك. لن يؤدي ذلك إلا إلى المزيد من الضحايا والدمار وإطالة أمد النزاع». وأشار إلى أن تصريحات البيت الأبيض، حول نية مواصلة دعم كييف بتزويدها بالأسلحة، تعد «تأكيداً آخر على أن واشنطن قد تحافظ على صفتها شريكاً في الصراع». وتزامنت التطورات مع تلقي موسكو هزيمة دبلوماسية ليلة الثلاثاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي رفضت إجراء اقتراع سري طالبت به موسكو للدول الأعضاء في إطار مناقشة مشروع قرار غربي يدين الاعتراف باستفتاءات انضمام مناطق انفصالية في أوكرانيا إلى روسيا. وقد تقدمت ألبانيا في وقت سابق بمقترح لإجراء تصويت مفتوح على القرار أيدته 107 دول، وعارضته 13، وامتنعت عن التصويت 39 دولة. من جهته، أوضح رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، تشابا كوروشي، أن قراراً بهذا الشأن سيتم اتخاذه في ختام نتائج التصويت التي سيتم الإعلان عنها في تقرير الاجتماع. وفي المقابل، وصف مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، عملية التصويت، بـ«التدليس والاحتيال». وقال إن موسكو لم تمنح فرصة لتوضيح وجهة نظرها. وانتقد الموقف المنحاز والسلبي المتعمد الذي اتخذه رئيس الجمعية العامة في «تشويه الحقائق، وحرمان روسيا من حقها في التعبير عن رأيها وتوضيح وجهة نظرها ومنح هذا الحق لخصومها». وطالب بتطبيق المادة 87 من قواعد الجمعية العامة للتصويت السري بشكل عاجل، لكن رئيس الجمعية العامة رفض هذا الإجراء. وكانت موسكو سعت إلى جعل التصويت على القرار سرياً في إطار مواجهتها ما وصفته بأنه «ضغوط كبيرة مارستها واشنطن على مواقف العديد من الدول في الاقتراع المفتوح». ميدانياً، أفادت وسائل إعلام أوكرانية، صباح اليوم، بوقوع عدة انفجارات في مدن أوكرانية. وأشارت تقارير إخبارية إلى وقوع انفجارات في منطقة أوديسا (جنوب غرب) وفي فينيتسا (وسط). وتحدثت أخرى عن انفجارات في كريفوي روغ (وسط) وروفنو (غرب)، فيما تم تفعيل الدفاعات الجوية في خميلنيتسكي (غرب). ويأتي ذلك بعد إعلان حالة التأهب الجوي وانطلاق صفارات الإنذار في العديد من مقاطعات أوكرانيا. ولم تصدر روسيا تأكيداً خلال ساعات الصباح اليوم، حول قيام قواتها الجوية بتوجيه ضربات جديدة في العمق الأوكراني، علماً بأن وزارة الدفاع الروسية كانت أكدت أمس أن «كل الغارات التي تم شنها أصابت أهدافها بدقة وأنجزت المهام المطلوبة منها».
مشاركة :