نجحت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في إنجاز اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، لأسباب أميركية داخلية تتعلق بالانتخابات النصفية، وأخرى استراتيجية ترتبط بحاجة أوروبا للغاز خصوصاً أن بعض التقديرات تشير إلى أن استخراج إسرائيل للغاز من حقل كاريش، إضافة إلى عدد من الحقول الأخرى، سيؤدي إلى تأمين نحو 8 في المئة من حاجة القارة للغاز هذا الشتاء، إلى جانب أسباب مرتبطة بالانتخابات الإسرائيلية حيث ترغب إدارة بايدن في دعم الوسطي يائير لابيد في مواجهة زعيم المعارضة اليمينية بنيامين نتنياهو. لبنانياً، هناك حاجة ماسة للبدء بالتنقيب عن النفط، وهناك إصرار واستعجال من رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه لإعلان الاتفاق قبل انتهاء ولايته في نهاية الشهر الجاري، كل هذه العوامل تجمّعت وساعدت واشنطن على بلورة صيغة مرضية للطرفين، وهو ما سيدخل لبنان في مسار جديد أصبح بموجبه النفط والغاز هما الضمانة للأمن والاستقرار على جانبي الحدود، وهو ما ترى فيه مصادر لبنانية رفيعة المستوى أنه تطبيق لاتفاق الهدنة الذي أقر في عام 1949. وقضت الصيغة النهائية التي بذل الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين جهوداً كبيرة للتوصل إليها بأن يتم تعليق البت في المنطقة المحيطة بخط العوامات التي تطالب إسرائيل باعتبارها حدودها الدولية وهو ما يرفضه لبنان، على أن يتم إيجاد ترتيب لها لاحقاً في مفاوضات ترسيم الحدود البرية، بشكل لا يكون لها أي تأثير أو انعكاس على تلك الحدود. إلا أنها ستكون منطقة حرة أو آمنة بحاجة إلى ترتيبات لوجستية. وقد كان الخلاف خلال الساعات التي سبقت الاتفاق على الصيغة النهائية يتعلق بكلمة واحدة، هي أن إسرائيل تريد اعتبار تلك المنطقة مرسومة وفقاً للأمر «القائم»، بينما لبنان طالب باستبدال هذه العبارة بعبارة الأمر الواقع. أما النقطة الثانية، فكانت متعلقة بحصة إسرائيل من التعويضات التي تطالب بها من جراء استخراج الغاز من حقل قانا، وهذه نقطة اعتبر لبنان أن لا علاقة له بها، ويجب أن تحل بين إسرائيل وشركة توتال الفرنسية. وعلى هذا الأساس أنجزت الصيغة النهائية. لبنان وافق سريعاً على المقترح معتبراً أنه نجح في تحصيل حقوقه وحماية ثرواته، كذلك الأمر بالنسبة إلى الإسرائيليين، في حين يدور النقاش الأساسي حالياً حول موعد تحديد جلسة للمفاوضات غير المباشرة في الناقورة لإعداد المراسيم وتوقيعها، إذ سيوقع كل طرف وثيقة منفصلة عن الطرف الآخر ويتم إيداعها لدى الأمم المتحدة. أما في إسرائيل فهناك حاجة للبت بالاتفاق في الحكومة المصغرة اليوم، والحكومة ككل، وهناك من يطالب بعرضها على المحكمة العليا للبت بها. وعلى وقع تسلّم لبنان للمسودة النهائية حط وفد من شركة توتال في بيروت وبدأ لقاءات مع المسؤولين حول الاستعداد للبدء بالعمل، وحسبما تقول مصادر متابعة فإن شركة توتال ستكون جاهزة للعمل بالتزامن مع توقيع الاتفاق، وهي ستعمل على استقدام بواخرها وآلياتها في حدود مطلع السنة الجديدة. وطلب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بعد لقائه ووزير الطاقة وليد فياض بوفد من شركة توتال «المباشرة بالإجراءات التنفيذية للتنقيب في المياه اللبنانية فوراً». وقال فياض بدوره إن البدء بأعمال التنقيب وتنفيذها «هي عملية تأخذ وقتاً إضافة إلى تحضير المواضيع الهندسية واللوجستية ولكن ستبدأ الأعمال فوراً».
مشاركة :