من المفاهيم الشائعة في أذهان الناس أن التقاعد يعني الذبول واليأس ويعني كذلك رصيداً من العاطلين وآخرين يعنون بالتقاعد البطالة أو التواري في الظل وهو فقدان الزمالة والمتشائمون يرون في التقاعد وقوف قطار الرحلة ويرون أن الأيام التي قضوها في العمل هي الأفضل وبداية التقاعد هي نهاية المطاف. ولاشك أن التقاعد هو إحدى المحطات الرئيسة في حياة الموظف وأحد مفارق الطرق بالنسبة له حيث سيبدأ مرحلةً أخرى تختلف فيها ظروفه من الناحية الصحية والعمرية والمالية والاجتماعية. وقد يكون للمرحلة الجديدة مزايا للمتقاعد حيث يستطيع أن يسيِّر نفسه بالنمط الذي يريده وليس محكوماً بروتين العمل الوظيفي لهذا تجده قرير العين مستريح البال راضياً بقسمته ونصيبه. والتقاعد بالنسبة لبعض المتقاعدين مرحلة جديدة يحقق من خلالها أحلاماً جديدة ويعمل ما يود أن يعمله من خلال اكتشافه لقدراته ومواهبه وملكاته والأعمال التي يفضلها ويعتقد أنه سيبدع فيها. وليس صحيح ما يقال على سبيل المزاح (مت قاعد) فهذه الكلمة تبعث في نفس المتقاعد اليأس والإحباط وهبوط العزيمة والدافعية للانجاز ولا ننسى أن المتقاعد ليس بالضرورة مسناً فقد يكون في مقتبل العمر وخاصةَ المتقاعد تقاعد مبكر أو اختياري كما أن من بلغ سن الستين لم يعد شيخاً أو طاعناً في السن وضعيفاً بل قادر على العطاء ومواصلة العمل بنشاطٍ وحيوية فالحال قد تبدَّل حيث تحسنت الرعاية الصحية للإنسان في عصرنا الحاضر وزاد التقدم المطَّرد في النواحي الوقائية والعلاجية والغذائية والنفسية والمعيشية من معدل العمر وتحسُّن الصحة. وقد أصبح التقاعد المبكر في هذا القرن ظاهرةً اجتماعيةً مألوفة وكان في السابق يتركز في التقاعد النظامي أو الاجباري عند بلوغ سن الستين. وقد تنبهت المجتمعات المعاصرة إلى أهمية استثمار خبرات المتقاعدين وما لديهم من درايةٍ ومعرفةٍ وتروٍ في النظرة للأمور وحصافة فكرٍ وسدادة رأيٍ ونضج عقل فصار يطلق على المتقاعدين بيوت الخبرة ومخازن الحكمة. ونتمنى على وزارة الموارد البشرية معالجة أوضاع المجمدين وظيفياً بما يتوازى مع العقود الزمنية التي أمضوها على مراتبهم دون ترقية لكي لا يضطروا لطلب التقاعد المبكر وبذلك تنشأ مشكلة من جراء ذلك فتخسر قطاعات الدولة كوادر تساهم في بنائها ودفع عجلة تنميتها ومسيرتها وتحتاج لأيدٍ جديدةٍ تحتاج سنواتٍ طويلةً لتدريبها على العمل لتكون مثل سابقتها وذلك بأموالٍ طائلة كما يسبب التجميد تقاعساً عن أداء العمل أو تسرُّباً وظيفياً من القطاع العام إلى القطاع الخاص فضلاً عن نشوء مشكلاتٍ اجتماعيةٍ عديدةٍ منها التخلف عن سداد القروض المالية أو الامتناع عن سدادها وتصاعد قضايا الطلاق بسبب تراجع النفقة من قبل الأزواج على زوجاتهم وعائلاتهم وغير ذلك من الظواهر السلبية. ومع كل أمرٍ ملكي يتطلع موظفو الخدمة المدنية المجمدون وظيفياً من مجلس الخدمة المدنية تحسين أوضاعهم الوظيفية في وقتٍ تزايدت فيه المتطلبات المعيشية والتحديات للمواطنين الأمر الذي سبَّب لهم إحباطاً نفسياً وهبوطاً في الدافعية للعمل باعتبار أن الترقية تمثل حافزاً معنوياً ومادياً ضرورياً للموظف لحفزه على العطاء والإنتاجية وحب العمل والإبداع فيه وهذه القضية تمثل هماً عميقاً لدى شريحةٍ عريضةٍ من موظفي الدولة وقد تَسبَّبَ هذا الهم في التسرُّب الوظيفي من القطاع العام إلى القطاع الخاص بحثاً عن التعويض فضلاً عن حالة التذمُّر والاستياء والامتعاض عند المتضررين والشعور بالظلم والإجحاف والغمط وضياع سني العمر. وأناشد مجلس الخدمة المدنية بتعويض هؤلاء الموظفين عن السنوات التي أمضوها في انتظار الترقية بترقيتهم بأثرٍ رجعي أي بالقفز على المرتبة التي يستحقونها بموجب سنوات الخدمة واحتساب سنوات التجميد على كل مرتبةٍ مرَّوا بها منذ تعيينهم الوظيفي أي بمعادلة سنوات التجميد بعدد المراتب التي توازيها وصرف علاواتهم المالية التي توقفت في كل مرتبةٍ تجمَّدوا عليها مع إحالة الموظف للتقاعد المبكر أو النظامي بكامل راتبه الذي أحوج ما يكون إليه في ظل الارتفاع المعيشي في وقتنا الراهن وليضمن معاشاً تقاعدياً كافياً لمتطلبات حياته اليومية. ولتكن معالجة أوضاع المجمدين وظيفياً أسوةً بالعاملين على بند الأجور اليومي الذين تم تثبيتهم على وظائف رسميةٍ بالمرتبة المتوازية مع المؤهل العلمي والخبرات وسنوات الخدمة الوظيفية وتعويضهم مالياً بمبالغ مجزية عن إجازاتهم وسنوات خدمتهم الوظيفية وكما تم اتخاذه حيال تعديل أوضاع المعلمين والمعلمات المعينين على مستوياتٍ أقل مما يستحقونها وكما تم تعديله في نظام تقاعد العسكريين بإضافة بدل النقل والإعاشة. وحجة وزارات الدولة في عدم ترقية بعض الموظفين لأنهم لم يفتحوا نطاق الترقية على مستوى مناطق المملكة حجةً واهيةً لا تبرر لها إغفال أهمية الترقية الوظيفية كحافزٍ ضروريٍ للموظف وحقٍ مشروعٍ له لقاء خدمته الوطنية في أي ثغرٍ من ثغور الوطن وللموظفين أحقية رفض الترقية خارج المنطقة التي يقطنونها لما يترتب عليها من الضرر المعنوي والمادي في حالة تعارضها مع ظروفهم العائلية أو الاجتماعية أو المادية وتكبدهم عناء السفر والتنقل وتعرضهم لمخاطره وتضاعف المصاريف المالية والضغوط النفسية والابتعاد عن الأسرة والأقارب والمعارف وتعطيل مصالحهم المعيشية وتفاقم معاناتهم النفسية وبالتالي إقدامهم على طلب التقاعد المبكر وهم في أوج عطائهم وإنتاجيتهم التي يفترض أن يستفيد منها الوطن وأبنائه وقد ازداد إحباطهم النفسي بعد تعديل أوضاع العاملين على بند الأجور اليومي الذين كانوا مرؤوسين عندهم وتحولوا إلى رؤساء لهم وإن إعطاء الموظفين حقهم في الترقي سيتيح لهم مناخاً وظيفياً حافزاً ومريحاً ينعكس على أدائهم العملي ومن ثَمَّ على منجزات الوطن وأبنائه. كما نتمنى تحسين أوضاع المتقاعدين بزيادة معاشاتهم وإعادة بدل غلاء المعيشة المخصوم منها إبان جائحة كورونا من أجل مساندة الاقتصاد الوطني الذي مر بأزمةٍ من جراء الإنفاق الهائل على مكافحة الجائحة وكذلك تخصيص صندوقٍ لدعم المتقاعدين حين تعرضهم للأمراض العضال وأيضاً عند الضائقة المالية مع إعفائهم من الرسوم والضرائب وتمكينهم من الحصول على خصوماتٍ في وسائل النقل العام ومراعاتهم عند المراجعات الحكومية وإعادة الاعتبار الاجتماعي لهم في المحافل الرسمية الذي فقدوه بعد التقاعد ودعم جمعية المتقاعدين لتتمكن من خدمتهم بالشكل اللائق والصورة المرضية والاستفادة من خبراتهم من خلال الاستشارة بحسب وظائفهم المهنية والفنية والإدارية والعلمية والطبية والعسكرية. وفي ظل الخصخصة بتحويل القطاع العام إلى خاص أتمنى أن تحذو وزارات الدولة ما فعلته الشركات الكبرى من عرض الشيك الذهبي على الراغبين في التقاعد المبكر ممن أمضوا في الخدمة 25 عاماً ليستفيدوا من مبلغ العرض في تنفيذ مشروعٍ تجاريٍ او استثمارٍ آخر أو ادخاره ليعينهم على متطلبات الحياة المعيشية بعد التقاعد.
مشاركة :