بغداد - يعقد البرلمان العراقي الخميس جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية تفتح الطريق أمام تشكيل حكومة، في خطوة تهدف إلى إخراج البلاد من مأزق سياسي عميق متواصل منذ عام، وتخللته مراحل من العنف والتوتر. ولا تزال حالة من عدم اليقين تخيّم على جلسة الخميس المقرر أن تبدأ الساعة 11,00 (08,00 ت غ) في البرلمان الواقع في المنطقة الخضراء المحصنة والتي تضمّ سفارات أجنبية ومؤسسات حكومية. منذ الانتخابات التشريعية في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2021، لا تزال الأطراف السياسية النافذة عاجزةً عن الاتفاق على اسم رئيس جديد للجمهورية وتعيين رئيس جديد للحكومة، الأمر الذي أدّى إلى مفاقمة الأزمة في بلد متعدد الطوائف والإثنيات. وفي صلب الأزمة الخلاف بين المعسكرين الشيعيين الكبيرين: التيار الصدري من جهة، والإطار التنسيقي الذي يضمّ كتلاً عدّة من بينها دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة الفتح الممثلة لفصائل الحشد الشعبي. لكن رئاسة الجمهورية تعكس من جهتها المنافسة الحادة كذلك بين الحزبين الكرديين الكبيرين. وتتولى المنصب عادةً شخصية من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، فيما يدير الحزب الديموقراطي الكردستاني حكومة إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي. لكن الحزب الديموقراطي الكردستاني بات يسعى كذلك إلى منصب رئاسة الجمهورية. ويعتبر مراقبون أن تسريب فكرة ترشيح عبداللطيف رشيد يهدف إلى نقل الضغط من الحزب الديمقراطي وزعيمه إلى الاتحاد الوطني ومحاولة إحداث خلافات داخله، فضلا عن إرباك علاقته بالإطار التنسيقي وسط تصريحات تفيد بأن الإطار يضغط على بارزاني للقبول بكل شروطه وإلا سيضطرّ إلى وضعه على هامش العملية السياسية كما حصل مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر. وخلال الأشهر الماضية سيطرت التناقضات على مواقف حزب بارزاني بشأن المرشح الرئاسي، وقد وصلت إلى حد الحديث عن أن الحزب لا يمانع في دعم برهم صالح، وأنه حريص على إحداث تفاهم كردي – كردي، قبل أن يتراجع كما جرت العادة. وتشير هذه المستجدات إلى مرونة بارزاني بسحب مرشح الديموقراطي، وإدراكه أن لا معنى للاستمرار بالتفاوض مع الصدر بعد سلسلة أخطاء تكتيكية للتيار الصدري مثل استقالة نوابه وخسارة أكبر حضور له في البرلمان، وإهانة كل المرجعيات الرسمية بـ"غزوة البرلمان" ثم خسارته مواجهة عنيفة في الشارع، وبعد أن أدرك بارزاني حجم الإرادة الإيرانية وإصرارها في تمرير الإطار ومرشحه. وأخفق البرلمان ثلاث مرات هذا العام في انتخاب رئيس للجمهورية لعدم تحقق نصاب الثلثين المطلوب لذلك (220 نائباً من أصل 329). ومن بين ثلاثين مرشحاً، يبرز ثلاثة. أولهم الرئيس الحالي برهم صالح المرشح الرسمي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، والوزير السابق البالغ من العمر 78 عاماً عبد اللطيف رشيد القيادي في الاتحاد الوطني والمرشح بشكل مستقل، وريبر أحمد، وزير الداخلية في إقليم كردستان، المرشح عن الحزب الديموقراطي الكردستاني. وتنحصر المنافسة على المنصب بين المرشحين عبد اللطيف جمال رشيد وبرهم صالح. ويقول حمزة حداد الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية "ليس واضحاً بعد ما إذا كانت الأحزاب الكردية قد تمكنت من التوصل لاتفاق بشأن الرئيس". ويضيف "لكن بمعزل عمن سوف يتم اختياره، سيقوم هذا الشخص بتكليف رئيس للحكومة"، موضحاً أن "محمد شياع السوداني هو الشخصية الأوفر حظاً" لهذا المنصب، وهو وزير ومحافظ سابق له من العمر 52 عاماً، اختاره الإطار التنسيقي. لكن ينوّه حداد إلى أن "في السياسة العراقية، كلّ شيء يمكن أن يتغير في اللحظة الأخيرة". منذ إسقاط نظام صدام حسين في العام 2003 إثر الغزو الأميركي، تهيمن الأحزاب الشيعية على الحياة السياسية. وكان ترشيح الإطار التنسيقي لمحمد شياع السوداني في الصيف، شرارة أشعلت التوتر بين الإطار والتيار الصدري الذي اعتصم مناصروه أمام البرلمان نحو شهر. لكن الإطار التنسيقي الذي يضمّ كتلة نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق والخصم التاريخي للصدر، لم يتراجع عن مرشحه. ويعتزم الإطار تشكيل حكومة، وهو يمثّل حالياً الكتلة الأكبر في البرلمان، بعد الانسحاب المفاجئ لنواب التيار الصدري وعددهم 73 نائبًا من البرلمان. ويطالب الصدر، الذي اعتاد على إطلاق المفاجآت السياسية، بحلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة. ولا يزال موقفه بشأن التطورات غير معروف. وكان أثبت في الأسابيع الأخيرة قدرته على زعزعة المشهد السياسي عبر تعبئة عشرات الآلاف من مناصريه للنزول إلى الشارع. ووصل التوتر ذروته في 29 آب/أغسطس، حينما قتل 30 من مناصريه في اشتباكات داخل المنطقة الخضراء مع قوات من الجيش والحشد الشعبي، وهي فصائل مسلحة شيعية موالية لإيران ومنضوية في أجهزة الدولة. وكانت بعثة الأمم المتحدة في العراق قد دعت الاثنين الأطراف السياسية إلى الانخراط في "حوار دون شروط مسبقة" من أجل إيجاد مخرج لـ"أزمة طال أمدها تنذر بمزيد من عدم الاستقرار". وشهدت بغداد منذ الليلة الماضية وحتى صباح اليوم إجراءات أمنية مشددة تمثلت في إغلاق الجسور الرئيسة بين جانبي بغداد وتقييد حركة المركبات في عدد من الشوارع وخاصة المؤدية إلى مقر البرلمان العراقي في المنطقة الخضراء الحكومية في ظل انتشار كبير للقوات في الشوارع واستخدام ملفت للكتل الإسمنتية والأسلاك الشائكة في إغلاق الشوارع والساحات. ومن المنتظر أن تعقد جلسة البرلمان عند الساعة 1100 بالتوقيت المحلي في مقر البرلمان بالمنطقة الخضراء. وبحسب مصادر سياسية عراقية فإن القوى العراقية الفاعلة في البرلمان العراقي تعيش حالة من التباين في دعم أي من المرشحين لهذا المنصب وخاصة قوى الإطار التنسيقي الشيعي التي تضم 123 نائبا حيث لوح صاحب الأكثرية في هذا المكون وهو ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي بدعم مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني إضافة إلى تحالف السيادة بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي. ولوحت كتل أخرى في الإطار التنسيقي وأبرزها تيار الحكمة الوطني بزعامة عمار الحكيم وائتلاف النصر بزعامة حيدر العبادي وتحالف الفتح بزعامة هادي العامري بدعم مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني. وأعلنت كتل مستقلة أبرزها امتداد وإشراقة تشرين مقاطعة جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. وتحتاج جلسة البرلمان حضور ثلثي عدد النواب من إجمالي عدد نواب البرلمان العراقي البالغ عددهم 329 نائبا. ومن الصعوبة حسم انتخاب الرئيس خلال الجولة الأولى للانتخاب داخل البرلمان في جلسة اليوم بسبب كثرة عدد المرشحين للمنصب لكنه بحاجة إلى جلسة حاسمة يحافظ فيها على حضور ثلثي عدد النواب.
مشاركة :