الودائع المحتجزة لدى البنوك اللبنانية في انتظار الحل المجهول

  • 10/14/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كثرت مؤخرا الهجمات على البنوك اللبنانية من قبل المودعين الذين إما نفد صبرهم بعد طول انتظار أو تزايد مع طول الوقت قلقهم حول مصير أموالهم، خاصة أنه منذ بداية الأزمة التي تمتد الآن لأكثر من ثلاث سنوات لم يتم طرح واضح وشفاف وموثوق فيه لا من قبل البنوك المعنية ولا من قبل الحكومات المتعاقبة حول كيفية معالجة الودائع المحجوزة، الأمر الذي يبرر بالطبع قلق المودعين ولجوء بعضهم إلى استخدام مختلف الوسائل بما فيها التهديد بالسلاح لاسترجاع أموالهم. ومثل هذه الأعمال لن تتوقف طالما لم تتوافر حتى الآن خطة عمل واضحة وإن كانت على مدى فترة زمنية معقولة توضح للمودعين وتطمئنهم حول كيفية استردادهم لودائعهم. ويبدو أن التقصير راجع إلى موقف كل من الدولة من خلال حكوماتها المتعاقبة وإلى مجموعة البنوك المعنية أيضا. من ناحية البنوك التي عملت على استقطاب هذه الودائع وقامت بتوظيفها في شكل ديون على الدولة اللبنانية لم تراع في ذلك درجة انكشافها على الدولة، والتي وصلت إلى درجة مرتفعة وذات مخاطر عالية جدا، على الرغم من تحذير كثير من المختصــين وتحــذير مؤسسـات التصنيف الائتماني.  كذلك فإن البنوك بأخذها مثل هذه المخاطر المرتفعة لم يكن لديها تفويض من قبل المودعين بتوظيف أموالهم في مثل هذه المخاطر. على صعيد الدولة اللبنانية من خلال حكوماتها المتعاقبة تأخرت كثيرا ولم تقم حتى الآن بالإصلاحات المالية والاقتصادية المطلوبة، كما أن اتخاذ الدولة قرار التخلف عن سداد ديونها لا يبدو أنه قرار صائب، وحسبما يبدو دون دراية أو إدراك كامل لتبعات وتداعيات مثل هذا القرار، الأمر الذي من ناحية كان وراء تفجير هذه الأزمة المالية والمصرفية، كما أنه من ناحية أخرى أضر بسمعة لبنان المالية حاضرا ومستقبلا أيضا. هل كانت هناك بدائل أفضل؟ ليس من المؤكد، لكن كان يمكن على الأقل شراء مزيد من الوقت من خلال إعادة التمويل إلى أن تجيء حكومة قادرة ومقتنعة بإجراء الإصلاحات المالية والاقتصادية الضرورية دون الحاجة إلى تعريض البــلاد لمثل هــذه الأزمــة المالية والمصرفيــة الحالـية. على كل حال، فإن المسؤولية تقع بالتالي على عاتق الطرفين؛ الدولة والقطاع المصرفي، ولذلك فإن كلا من الدولة والمصارف عليهما تقاسم الأعباء دون الإضرار بحقوق المودعين الذين لم يشاركوا أو يستشاروا في كيفية توظيف هذه الودائع. المهم عدم التأخر أكثر في تقديم رؤية مشتركة من قبل الدولة والمصارف حول مصير أموال المودعين، هذا إذا أردنا توقف مسلسل اقتحامات البنوك، كما أن توافر خطة واضحة ومطمئنة من شأنه أيضا معالجة أزمة الثقة التي بدون شك قد تدهورت الآن بين كل من القطاع المالي والمصرفي من جهة وبين المؤسسات المحلية والعالمية وبقية المتعاملين من جهة أخرى. ولا يمكن التعويل كثيرا على حلول تأتي من الخارج في شكل مساعدات صندوق النقد الدولي أو مساعدات خارجية أخرى، حيث إنه من المعروف منذ زمن بعيد وحتى قبل نشوب هذه الأزمة أن مثل هذه المساعدات مشروطة بتوافر إرادة وقدرة السلطات اللبنانية على إجراء مجموعة من الإصلاحات المالية والاقتصادية التي طال انتظارها. إنه من المؤسف حقا أن بلدا مثل لبنان تتوافر لديه كل مقومات النجاح يقع في مثل هذه الظروف المستهجنة والتي أدت إلى تدن سريع ولافت في مستويات المعيشة للمواطن اللبناني الذي لم يعرف ظروفا مماثلة طوال تاريخه الطويل. الوضع حسبما يبدو لم يعد محتملا ولا بد من مخرج سريع يعيد إلى لبنان مكانته المعروفة، ويعطي للمواطن اللبناني الأمل في أن بلده قادرة على الخــروج من هذه الأزمة واستعادة مكانتها المعهـــودة كأحـد أهم وأفضل مناطق العيش والعمل والاستثمار في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي.   * الرئيس السابق لصندوق النقد العربي

مشاركة :