«الوضعية قطعت رأس الفلسفة» هوسرل نحن في عصر التقنية والإبداع والابتكار المستمر... أولادنا برعوا في الخوارزميات ويحملون الأجهزة التقنية الحديثة. يبنون الوطن وفق رؤية اقتصادية حضارية تقنية جديدة. ويقرأون الكتب الحديثة في أجهزتهم المتنوعة. ولايابهون للفلسفة واجترار المقولات. نحن في زمن التفكير الناقد والإبداعي والخروج من صندوق الفلسفة الضيق. التفكير الناقد يطور التفكير والتعليم والديمقراطية في الشعوب، والفلسفة تعد خوض في مياه راكدة. تتزعم الفلسفة أول الما بعديات، وأول المغادرين عصرنا الما بعد حداثي الجديد، فقد هشم عظامها المفكر والأديب نيتشة، وقطع أوصالها المفكر والشاعر هيدجر، وهرب منها المفكر والشاعر ريتشارد رورتي Richard Rorty 1931 -2007 بعد أن أعيته إلى الأدب والنقد، واعتبرها في حكم الميتة. أسهم رورتي في تفكيك الفلسفة من خلال تحولاته من الفلسفة التحليلة إلى الفلسفة البراجماتيه ثم إلى البراجماتية الجديدة ثم إلى النقد والأدب أو ما بعد الفلسفة. قام بمراجعة تفكيكية لمفهوم الفلسفة وحدودها وصاغ تميزات ومفاهيم جديدة وطور مفهوم الفلسفة المنشئة أو النسقية، وحول الفلسفة إلى مجرد «جنس أدبي» وإلى مجرد صوت داخل المحادثات الإنسانية. الفلسفة كمصطلح واسم يجب تجاوزها، فقد حققت أهدافها وولدت علوماً متعددة، حلت مكانها وتجاوزتها باعتراف وتأكيد سادة الفلسفة نفسها في كل الأزمنة. قال الفيلسوف والمفكر الألماني أدموند هوسرل Edmund Husserl (1859 -.1938). «الوضعية قطعت رأس الفلسفه» ويعني أن العلم أنهى الفلسفة. وقال المربي والتربوي الأمريكي جون ديوي John Dewey 1859- 1952: «كنت أسعى إلى إطالة عمر الفلسفة، لكن كلمتين أصبحتا قريبتين من الناس وهما العلم والديمقراطية». أما المفكر ديفيد هيوم Divid Hume 1711-1776 فيرى أن وظيفة الفيلسوف هو أن يتحول إلى عامل نظافة ويخلص العقل من مخلفات الفلسفة». ويتساءل لونيس علي «هل بلغ الأمر هذا الحد الذي يوصف الفيلسوف بعامل النظافة؟» (عامر، 2022). وترى كاميل باغليا Camille Paglia 1947 أستاذة العلوم الإنسانية بجامعة الفنون في فيلادلفيا «أن مجال الفلسفة ليس مزدهراً في الوقت الحالي، لم يعد التفكير المنهجي يتمتع بالهيبة أو القيمة الثقافية ومكانتها، إنها ممارسة أكاديمية». (المصدر نفسه). ويرى الكاتب والمفكر العربي عبدالسلام بن عبد العالي بمقالته في جريدة الاتحاد الإماراتية بأن الفلسفة لم تعد «تحضر» حتى في كثير من البلدان الغربية بالكيفية المعهودة، وإنما صارت تعيش في «هوامشها» ويعطي أمثلة على ذلك «أن معظم المفكرين المعاصرين لا يقدمون أنفسهم كفلاسفة حتى إن كانت الفلسفة المعاصرة لم تعرف حياة فعلية إلا عندهم، ولنا في فوكو وبارت وليفي ستراوس وبورديو أمثلة على ذلك، فإن كان هؤلاء أقرب إلى اللسانيات أو التاريخ أو النقد الأدبي أو علم الاناسة وعلم الاجتماع». ويؤكد بن عبدالعالي (2020) «أن الفلسفة المعاصرة حتى في البلدان التي ما زالت تحيا فيها تدريسا ودراسة وبحثا تعيش خارج الفلسفة، وعلى هامشها، وأعني في التاريخ والدراسات الاقتصادية واللسانيات والتحليل النفسي والسيمولوجيا ودراسة الأساطير». ويرى المفكر العربي إسماعيل ملحم «... الفلسفة لم تستطع حتى الآن أن تقدم نتائج يقينية قاطعة، كما تفعل العلوم، والفلاسفة ما زالوا متناحرين، والفلسفة تشهد ركوداً أو تسير سير السلحفاة في عصر يشهد ثورات علمية متتالية سريعة في كافة مجالات المعرفة والحياة» (عامر، 2022). مآلات الفلسفة عند د.عبدالله الغذامي إن تساؤلات الأستاذ الفاضل د. عبدالله الغذامي في كتابه (مآلات الفلسفة) عن مصير الفلسفة مشروعة وجديرة بالنقاش. شخصيا أقدر جهود أستاذنا الفاضل الغذامي في كتاباته النقدية في نظرية الأدب والنقد منذ بدأ مشروعه النقدي منذ الثمانينات حتى كتابه المتميز «النقد الثقافي» الذي استفدت منه. وربما اختلف معه في بعض ما جاء في كتبه الفكرية الأخيرة من بينها هذا الكتاب. وسوف أوضح وجهات نظري في هذا المجال. يقول الغذامي في كتابه مآلات الفلسفة: «تمر الفلسفة اليوم بمأزق مربك وأحياناً متطرفاً إن استقلت العلوم الطبيعية استقلالاً يشبه حالة التحرر». (ص11) ويرى أن البحث الألسني أصبح هو الأقوى... وتكون الفلسفة فرعا من فروع شجرته» (نفس الصفحة). ويؤكد الغذامي مقولة بينت «أن الفلسفة تمر بمنعطف خطير سيحولها من حال إلى حال». (ص14) ويقول في الفصل الخامس»... رأينا مأزق الفلسفة أمام التساؤلات حادة وشكوكية حول وظيفتها اليوم بلغت للقطع بموت الفلسفة أو تحويل وظيفتها أو سحب العلم لدورها» (ص171) ثم يطرح الغذامي صيغة جديدة وحيوية للفلسفة وهي صيغة (النظرية) أو (النظرية النقدية). ويعتقد الغذامي أن هذه الصيغة هي الصيغة التي تفتح فضاء متجددا للفلسفة ينقذها من جواب كجواب د. بينت «بأننا نقرأ الفلسفة لتجنب أخطاء الكبار». (ص171) الدكتور عبد الله الغذامي في هذا الكتاب يحيي ويميت الفلسفة، يخلط بينها وبين التفكير الناقد والنظريه النقدية، وهي حقول معرفة مختلفة ومستقلة عن الفلسفة، وأحيانا يعد الفلسفة أصبحت جزءاً من اللسانيات، يتفق حينا مع ستيفن هوكينج بأن الفلسفة ماتت، لكنه يؤجل الترحم عليها إلى حين. في تقديري الفلسفة لا تتجزأ ولا تحول إلى مسميات أخرى، علينا أن نعترف بشجاعة العلماء والمفكرين والأدباء والنقاد بأنها ماتت وانتهت، ويبرز الآن في الساحة الثقافية التفكير الناقد والإبداعي، ونظرية النقد والنقد الثقافي الذي كتب عنه د. عبدالله وأجاد. بعد أن تحررت العلوم الطبيعية والإنسانية من الفلسفة التي ماتت، لا يمكن آن نعد أن االفلسفة تحولت إلى (نظريه أو تفكير ناقد) نعم الأدب بكل أنواعه الشعر والقصة والرواية والمسرحية أن تتطور في أنواعها وأشكالها وتقنياتها وتستفيد من العلوم الطبيعية والإنسانية مثل (علم النفس وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا والجمال). وإذا كانت الفلسفة لدى كثير من الكتاب والمفكرين والنقاد الفرنسيين قد تحولت إلى اللغه واللسانيات والأدب والنقد، فإن ذلك يؤكد إيمانهم بنهاية الفلسفة، وبداية عصر جديد للعلوم الإنسانية المتكاملة. كما أعتقد أنه يصعب استبدال الفلسفة بـ(النظرية أو نظرية النقد). لأن هذا حقول معرفية تطور بفضل تطور الأدب والنقد واستفادتهما من العلوم الإنسانية (النفس والاجتماع والانثربولوجي واللسانيات) فالعلوم تداخلت وتكاملت بما يسمى Interdisciplinary fields أزعم أن الدكتور الغدامي في هذا الكتاب يعترف أن الفلسفة ماتت وانتهت لكنه لا يود أن يقول ذلك، ربما لحنينه كأديب وناقد للفلسفة التقليدية.علينا أن ننشغل بالتطورات الجديدة في الأدب والنقد والعلوم الإنسانية الثرية. التفكير الناقد ودوره في الحياة الجديدة التفكير النقدي Cretical Thinking في تعريف موسوعة ستانفرد الفلسفية Standford Encyclopedia Philosophy هو: «التفكير الدقيق الموجه لهدف»، Creative thinking is careful thinking ,directed to goal ويعرفه المربي جون ديوي بأنه «تفكير تأملي». أما المجلس الوطني الأمريكي للتفكير الناقد فيعرفه بأنه «عملية ذهنية منضبطة تتمثل في استيعاب وتحليل، وتقييم المعلومات المأخوذة عن طريق الملاحظة والتجربة، أو نتيجة لتواصل والاتصال كدليل على الاعتقداد والعمل، ويعد النموذج التالي للتفكير الناقد هو التفكير الذي يبنى على قيم فكرية عالمية كالوضوح، والدقة، والاتساق، والملاءمة، والعمق، والأدلة الصحيحة، والاتساع والإنصاف» (مروان، 2021). والتفكير الناقد يعد أسلوبا وميزة مهمة في مختلف المجالات، لأن القدرة على التفكير بوضوح وتسلسل منطقي هادف تسهم في حل المشكلات بشكل منهجي وعقلاني، وهذا بدوره يشكل إضافة تنافسية في أي مهنة. وقد تطور التفكير الناقد في عصر تطور المعلومات والتقنية والاقتصاد المعرفي الجديد، لأنه يتعامل مع التغير السريع في مختلف المجالات، بشكل مرن وفعال، وذلك بناء على المهارات الفكرية التي تشمل تحليل المعلومات ودمج مصادر المعرفة المتنوعة. كما يعتمد التفكير الناقد على الإبداع والخيال وتحسين طريقة التفكير في حل المشكلات. ونظرا لأننا في عصر سريع التغير فإن التفكير الناقد يجب ألا يعتمد على التفكير المنطقي فحسب، بل على التركيز على المستقبل، أي النظر إلى الوضع الحالي والأخذ بعين الاعتبار تأثير القرارات الحالية في المستقبل لضمان تكامل الرؤية والنتائج. التفكير الناقد والإبداعي يثمر في حقول معرفية متعددة كالتربية والإدارة والتقنية والأدب والنقد والعلوم الإنسانية الأخرى، ويولد إبداعات وابتكارات ونظريات ونماذج تطبيقية مفيدة ونافعة للبشرية في مقدمتها الذكاء الاصطناعي. * * * هوامش - عبدالله الغذامي، مآلات الفلسفة (2018) العبيكان للنشر. - عبد السلام بن عبدالعالي، أي مستقبل للفلسفة في بلاد العرب, صحيفة الاتحاد الإماراتيه. 2 يناير 2020. - رسلان عامر، هل فقدت الفلسفة أهميتها في العالم المعاصر، موقع معنى، 13 يونيو، 2022. - محمد مروان، تعريف التفكير الناقد، 22 نوفمبر 2021، رابط - https://mawdoo3.com/%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%81_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D9%83%D9%8A%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D9%82%D8%AF -How to help your learner become a strong critical thinker,July 6,2020 m_cam paign={campaign}&utm_term=&gclid=Cj0KCQjwkOqZBhDNARIsAACsbfI6jhAnEWxS171i_hrAHhcWXwokRT47jS7afePiQMf84eOagnsLKIAaAsa4EALw_wcB ** ** - ناصر العديلي Chmq2012@gmail.com
مشاركة :