الاحتجاجات ومأزق النظام الإيراني

  • 10/15/2022
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

منذ‭ ‬بداية‭ ‬اندلاع‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الحالية‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬تنديداً‭ ‬بوفاة‭ ‬الفتاة‭ ‬الكردية‭ ‬العشرينية‭ ‬مهسا‭ ‬أميني،‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬سبتمبر‭ ‬الفائت‭ (‬2022‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬اتهمت‭ ‬عناصر‭ ‬من‭ ‬شرطة‭ ‬الأخلاق‭ ‬بالاعتداء‭ ‬عليها،‭ ‬اتجه‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬آليات‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬معها،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬احتوائها،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬فعل‭ ‬خلال‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬السابقة،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬احتجاجات‭ ‬عامي‭ ‬2017‭ ‬و2019‭.‬ فإلى‭ ‬جانب‭ ‬التعامل‭ ‬الأمني‭ ‬مع‭ ‬المحتجين،‭ ‬وفرض‭ ‬قيود‭ ‬شديدة‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت،‭ ‬كان‭ ‬لافتاً‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬سمح‭ ‬بتنظيم‭ ‬مظاهرات‭ ‬مؤيدة‭ ‬له‭ ‬ومنددة‭ ‬بالاحتجاجات‭ ‬لتأكيد‭ ‬أن‭ ‬الشارع‭ ‬الإيراني‭ ‬ليس‭ ‬ضده‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬قاعدة‭ ‬شعبية‭ ‬داعمة‭ ‬له‭. ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الصورة‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬التقطت‭ ‬لتلك‭ ‬المظاهرات‭ ‬تعكس‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬السردية‭ ‬الرسمية‭ ‬للنظام‭ ‬إزاء‭ ‬هذه‭ ‬الاحتجاجات‭.‬ أول‭ ‬انطباع‭ ‬تمنحه‭ ‬صور‭ ‬المظاهرات‭ ‬التي‭ ‬نظمها‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬هو‭ ‬غياب‭ ‬صورة‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬إبراهيم‭ ‬رئيسي،‭ ‬بشكل‭ ‬شبه‭ ‬كامل،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تظهر‭ ‬إلا‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬المظاهرات،‭ ‬مقابل‭ ‬إبراز‭ ‬صور‭ ‬مؤسس‭ ‬نظام‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬روح‭ ‬الله‭ ‬الخميني،‭ ‬والمرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬للجمهورية‭ ‬علي‭ ‬خامنئي،‭ ‬والقائد‭ ‬السابق‭ ‬لفيلق‭ ‬القدس‭ ‬التابع‭ ‬للحرس‭ ‬الثوري‭ ‬قاسم‭ ‬سليماني‭. ‬‭ ‬إن‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬لم‭ ‬تندلع‭ ‬للاعتراض‭ ‬على‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬تتخذها‭ ‬الحكومة‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬السياسات‭ ‬العليا‭ ‬التي‭ ‬يتبناها‭ ‬النظام‭ ‬نفسه‭. ‬فشعار‭ (‬الموت‭ ‬للديكتاتور‭)‬،‭ ‬ليس‭ ‬مقصوداً‭ ‬به‭ ‬الرئيس‭ ‬رئيسي،‭ ‬وإنما‭ ‬المرشد‭ ‬خامنئي‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭.‬ وهنا،‭ ‬فإن‭ ‬المقاربة‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعتمد‭ ‬عليها‭ ‬النظام‭ ‬باستمرار‭ ‬باتت‭ ‬تواجه‭ ‬إشكالية،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬دائماً‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحميل‭ ‬الحكومة‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬فشل‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬تتخذها‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأزمات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والأمنية‭ ‬المختلفة،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬القيادة‭ ‬العليا‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الانتقادات‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬النظام‭ ‬أوعز‭ ‬حتى‭ ‬إلى‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬القريبة‭ ‬منه‭ ‬بشن‭ ‬حملة‭ ‬قوية‭ ‬ضد‭ ‬حكومة‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬حسن‭ ‬روحاني،‭ ‬لتحميلها‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬آل‭ ‬إليه‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي،‭ ‬بعد‭ ‬الضربات‭ ‬القوية‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬نتيجة‭ ‬الانسحاب‭ ‬الأمريكي‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬مايو‭ ‬2018،‭ ‬وإعادة‭ ‬فرض‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬7‭ ‬أغسطس‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬نفسه،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬حكومة‭ ‬روحاني‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الاتفاق‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬حصولها‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬أخضر‭ ‬من‭ ‬القيادة‭ ‬العليا‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬للجمهورية‭.‬ وقد‭ ‬كان‭ ‬لافتاً‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬نفسه،‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬حلفاء‭ ‬إيران،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬اللبناني،‭ ‬سعوا‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬نفسها،‭ ‬حيث‭ ‬أشار‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للحزب‭ ‬حسن‭ ‬نصر‭ ‬الله،‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬أكتوبر‭ ‬الجاري،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬إيران‭ ‬القوية‭ ‬والمقتدرة‭ ‬هي‭ ‬موضع‭ ‬استهداف‭ ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬ولذلك‭ ‬الجميع‭ ‬يراهن‭ ‬على‭ ‬التحرك‭ ‬من‭ ‬الداخل‮»‬،‭ ‬مضيفاً‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬هي‭ ‬أقوى‭ ‬وأرسخ‭ ‬وأشجع‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬زمن‭ ‬مضى‮»‬‭. ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬ذلك،‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬منه،‭ ‬رداً‭ ‬على‭ ‬اتجاه‭ ‬أطراف‭ ‬داخلية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬إلى‭ ‬إبداء‭ ‬دعمها‭ ‬للمحتجين‭ ‬الإيرانيين‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬السلطات،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬بدا‭ ‬جلياً،‭ ‬بشكل‭ ‬لافت،‭ ‬خلال‭ ‬جلسة‭ ‬انتخاب‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية،‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬في‭ ‬29‭ ‬سبتمبر‭ ‬الفائت،‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تسفر‭ ‬عن‭ ‬انتخاب‭ ‬رئيس‭ ‬جديد،‭ ‬حيث‭ ‬توزعت‭ ‬الأصوات‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬المرشحين،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬لافتاً‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬صوت‭ ‬لمهسا‭ ‬أميني‭.‬ وكان‭ ‬لافتاً‭ ‬أن‭ ‬منظمي‭ ‬المظاهرات‭ ‬الموالية‭ ‬للنظام‭ ‬لم‭ ‬يكتفوا‭ ‬بكتابة‭ ‬الشعارات‭ ‬المكتوبة‭ ‬باللغة‭ ‬الفارسية،‭ ‬بل‭ ‬تعمدوا‭ ‬كتابتها‭ ‬أيضاً‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭. ‬وهنا،‭ ‬فإن‭ ‬الرسالة‭ ‬ليست‭ ‬موجهة‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬الداخل‭ ‬الإيراني،‭ ‬وإنما‭ ‬موجهة‭ ‬أيضاً‭ ‬إلى‭ ‬الخارج،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬خاصة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬ وقد‭ ‬كان‭ ‬الشعار‭ ‬الأبرز‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬هو‭: ‬‮«‬نحن‭ ‬مطيعون‭ ‬أمر‭ ‬قائدنا‮»‬‭ ‬‭(‬We‭ ‬are‭ ‬Obedient‭ ‬to‭ ‬our‭ ‬leader‭)‬،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬الالتزام‭ ‬بما‭ ‬يقتضيه‭ ‬قانون‭ ‬‮«‬الحجاب‭ ‬والعفة‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬وقعه‭ ‬الرئيس‭ ‬الإيراني‭ ‬إبراهيم‭ ‬رئيسي،‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬أغسطس‭ ‬الماضي،‭ ‬وأثار‭ ‬جدلاً‭ ‬داخلياً‭ ‬حاداً،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أحد‭ ‬محاور‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬احتجاز‭ ‬مهسا‭ ‬أميني‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬بسبب‭ ‬اتهامها‭ ‬بعدم‭ ‬ارتداء‭ ‬الحجاب‭ ‬بشكل‭ ‬مناسب‭.‬ كتابة‭ ‬الشعار‭ ‬بالفارسية‭ ‬والإنجليزية‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬معاً‭ ‬يوحي‭ ‬بأن‭ ‬النظام‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬توجيه‭ ‬رسالتين‭ ‬إحداهما‭ ‬إلى‭ ‬الداخل‭ ‬والأخرى‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭. ‬والرسالتان‭ ‬تتضمنان‭ ‬معنى‭ ‬واحداً،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬جمهوراً‭ ‬مؤيداً‭ ‬للنظام،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الجمهور‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يدعم‭ ‬النظام‭ ‬أو‭ ‬يمثل‭ ‬ظهيراً‭ ‬شعبياً‭ ‬له‭ ‬عند‭ ‬اللزوم‭.‬ ومن‭ ‬دون‭ ‬شك،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬ينفصل‭ ‬عن‭ ‬الرؤية‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬يتبناها‭ ‬النظام،‭ ‬وحتى‭ ‬حلفاؤه‭ ‬الإقليميون،‭ ‬والتي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الأجندة‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬أطراف‭ ‬خارجية‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقها‭ ‬تعتمد‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬تغيير‭ ‬من‭ ‬الداخل‭. ‬وانطلاقاً‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬النظام‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬يواجه‭ ‬تحديات‭ ‬لا‭ ‬تبدو‭ ‬هينة،‭ ‬يتمثل‭ ‬أبرزها‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬قاعدته‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬يدعي‭ ‬أنها‭ ‬واسعة‭ ‬سوف‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬ذلك‭.‬ هنا‭ ‬تكمن‭ ‬الدلالة‭ ‬الأهم،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬يستخدم‭ ‬جانبه‭ ‬الثيوقراطي‭ ‬لعلاج‭ ‬ما‭ ‬أصابه‭ ‬من‭ ‬شرخ‭ ‬بسبب‭ ‬استمرار‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬وتراكم‭ ‬الأزمات‭ ‬مع‭ ‬الشارع،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬نفسه‭ ‬يواجه‭ ‬ضغوطاً‭ ‬لا‭ ‬تبدو‭ ‬هينة‭ ‬بدت‭ ‬جلية‭ ‬في‭ ‬تعمد‭ ‬المحتجين‭ ‬المس‭ ‬بهيبة‭ ‬المرشد‭ ‬وموقعه‭ ‬داخل‭ ‬هيراركية‭ ‬النظام‭.‬ وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬فإن‭ ‬النظام‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬استغلال‭ ‬شبكة‭ ‬المقلدين‭ ‬الواسعة‭ ‬لـ«آية‭ ‬الله‮»‬‭ ‬خامنئي،‭ ‬داخل‭ ‬وخارج‭ ‬إيران،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تأمين‭ ‬قاعدة‭ ‬شعبية‭ ‬يعتد‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الشارع‭ ‬المحتج،‭ ‬وبالتالي‭ ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬احتواء‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الحالية،‭ ‬حتى‭ ‬تمر‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يضطر‭ ‬إلى‭ ‬دفع‭ ‬أثمان‭ ‬باهظة،‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬مؤجلة‭ ‬حتى‭ ‬إشعار‭ ‬آخر‭.‬ {‭ ‬خبير‭ ‬بمركز‭ ‬الأهرام للدراسات‭ ‬السياسية‭ ‬والاستراتيجية

مشاركة :