البصرة العراقية بين الماضي والحاضر

  • 10/15/2022
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تعوَّد‭ ‬الناسُ‭ ‬أن‭ ‬يصدقوا‭ ‬التاريخ،‭ ‬والمفروض‭ ‬أن‭ ‬التاريخ‭ ‬محايد‭ ‬لأنه‭ ‬يسجل‭ ‬الأحداث‭ ‬بعد‭ ‬انتهائها،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬أبطالها‭ ‬ونفوذهم‭ ‬ولهذا‭ ‬يرى‭ ‬الناس‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬الشقيق‭ ‬وتحديدا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬البصرة‭ ‬أمرا‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬استيعابه،‭ ‬ومما‭ ‬يؤسف‭ ‬له‭ ‬فقد‭ ‬كثر‭ ‬عدد‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يوعدون‭ ‬ولا‭ ‬يوفون‭ ‬بوعودهم‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬نظرة‭ ‬واحدة‭ ‬تعطي‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الرغيدة‭ ‬لهذه‭ ‬المدينة‭ (‬البصرة‭) ‬التي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬مدينة‭ ‬الدنيا،‭ ‬فشريانها‭ ‬نهرا‭ ‬دجلة‭ ‬والفرات،‭ ‬ونخيلها‭ ‬المترامي‭ ‬الأطراف‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شارع‭ ‬وبيت‭ ‬زينة‭ ‬لكل‭ ‬الناظرين‭ ‬وجوها‭ ‬الذي‭ ‬امتاز‭ ‬بلطفه‭ ‬وهواها‭ ‬الجميل،‭ ‬لا‭ ‬أنت‭ ‬ولا‭ ‬أنا‭ ‬نقبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬البصرة‭ ‬تشكو‭ ‬التعب‭ ‬والحيرة‭ ‬في‭ ‬أمرها،‭ ‬هل‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬مدينة‭ ‬البصرة‭ ‬كانت‭ ‬تبدو‭ ‬مثل‭ ‬البستان‭ ‬بقعة‭ ‬خضراء‭ ‬بها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬22‭ ‬مليون‭ ‬نخلة‭ ‬تختال‭ ‬على‭ ‬أراضيها،‭ ‬وعبارة‭ ‬عن‭ ‬عشرات‭ ‬الأنهر‭ ‬التي‭ ‬تتفرع‭ ‬عن‭ ‬شط‭ ‬العرب‭ ‬حتى‭ ‬تلتقي‭ ‬بدجلة‭ ‬والفرات‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬القرنة‭ ‬شمالا‭ ‬من‭ ‬البصرة،‭ ‬والبصرة‭ ‬هي‭ ‬بمثابة‭ ‬مدينة‭ ‬المدن‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬الشقيق،‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬زارها‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬الجميل‭ ‬يكتشف‭ ‬أرضا‭ ‬ساحرة،‭ ‬وللبصرة‭ ‬في‭ ‬حكاياتها‭ ‬ولياليها‭ ‬الألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‭ ‬التي‭ ‬كلما‭ ‬زرتها‭ ‬تقربك‭ ‬من‭ ‬جمالها‭ ‬وفنها‭ ‬الأصيل‭ ‬على‭ ‬أنغام‭ ‬كبار‭ ‬المطربين‭ ‬أمثال‭: ‬حضيري‭ ‬بوعزيز‭ ‬ومحمد‭ ‬القبنجي‭ ‬ويوسف‭ ‬عمر‭. ‬وستبقى‭ ‬البصرة‭ ‬شامخة‭ ‬بعزتها‭ ‬وقوميتها‭ ‬وأبنيتها‭ ‬مزودة‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تولاها‭ (‬عتبة‭ ‬بن‭ ‬غزوان‭) ‬أمير‭ ‬البصرة‭ ‬سنة‭ (‬14‭) ‬هجرية‭ ‬بأمر‭ ‬من‭ ‬الخليفة‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬إن‭ ‬اسم‭ ‬البصرة‭ ‬يعني‭ (‬الحجارة‭ ‬الرقاق‭) ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تكثر‭ ‬حولها،‭ ‬وقد‭ ‬سكن‭ ‬البصرة‭ ‬قبائل‭ ‬عربية‭ ‬وقد‭ ‬قسمت‭ ‬إلى‭ ‬خمس‭ ‬دوائر‭ ‬قبلية‭ ‬سميت‭ ‬بالأخماس‭ ‬ومنها‭: ‬أهل‭ ‬العالية‭ ‬وتميم‭ ‬وبكر‭ ‬بن‭ ‬وائل‭ ‬وعبد‭ ‬القيس‭ ‬وهكذا‭ ‬بدأ‭ ‬العرب‭ ‬يزرعون‭ ‬الأرض‭ ‬الطيبة‭ ‬لكثرة‭ ‬الأنهار‭ ‬فيها‭ ‬ووسعوا‭ ‬مناطق‭ ‬سكناها،‭ ‬فصارت‭ ‬البصرة‭ ‬مدينة‭ ‬الدنيا‭ ‬ومعدن‭ ‬تجارتها‭ ‬وأموالها،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬الفلاح‭ ‬لا‭ ‬يتعب‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬السقي،‭ ‬فالأنهار‭ ‬تفيض‭ ‬بالماء‭ ‬عندما‭ ‬يجيء‭ (‬المد‭) ‬وتنسحب‭ ‬المياه‭ ‬وقت‭ (‬الجزر‭) .‬ ‭ ‬والحديث‭ ‬عن‭ ‬البصرة‭ ‬يطول‭ ‬وقد‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مجلدات‭ ‬ليكون‭ ‬القارئ‭ ‬العربي‭ ‬قريب‭ ‬منه‭ ‬ومن‭ ‬ألذ‭ ‬رطب‭ ‬البصرة‭ (‬البرحي‭ - ‬الحلاوي‭ - ‬الليلو‭ ‬والسكري‭ ‬والخضرواي‭) ‬ولهذه‭ ‬المدينة‭ ‬العربية‭ ‬أيضا‭ ‬نشاط‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬الأدبية‭ ‬والعلمية،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬للمساجد‭ ‬والأسواق‭ ‬الأدبية‭ ‬والمكتبات‭ ‬الأثر‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬انعاش‭ ‬الجو‭ ‬الأدبي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬نشاط‭ ‬أهل‭ ‬البصرة‭ ‬وحبهم‭ ‬في‭ ‬التأليف،‭ ‬أن‭ ‬الخليفة‭ ‬العباسي‭ ‬المأمون‭ ‬أمر‭ ‬بجمع‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كتب‭ ‬من‭ ‬الفقه‭ ‬والأدب‭ ‬والعلوم‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬عشرين‭ ‬عاما،‭ ‬فإذا‭ ‬بها‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬مائتي‭ ‬ألف‭ ‬مجلد‭ ‬أمر‭ ‬بنقلها‭ ‬إلى‭ ‬بغداد‭ ‬فحملتها‭ ‬ثلاث‭ ‬سفن،‭ ‬وكان‭ ‬أهم‭ ‬مركز‭ ‬ثقافي‭ ‬وديني‭ ‬هو‭ (‬المسجد‭ ‬الكبير‭) ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬جلسات‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬والفقه‭ ‬والنحو‭ ‬والشعر‭ ‬ويعد‭ ‬هذا‭ ‬المسجد‭ ‬ثالث‭ ‬مسجد‭ ‬بني‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬وأول‭ ‬مسجد‭ ‬بني‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬ولم‭ ‬تخل‭ ‬البصرة‭ ‬من‭ ‬ظاهرة‭ ‬العلم،‭ ‬فكانت‭ (‬جامعة‭ ‬البصرة‭) ‬وهي‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬الشقيق،‭ ‬حيث‭ ‬تدرس‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والعلمية،‭ ‬وللتاريخ‭ ‬فإن‭ ‬أهل‭ ‬مدينة‭ ‬البصرة،‭ ‬قد‭ ‬وقفوا‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬الأزمان‭ ‬بوجه‭ ‬الغزاة‭ ‬وتصدوا‭ ‬لهجماتهم‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬العربية،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬تقف‭ ‬صامدة‭ ‬شجاعة‭ ‬بوجه‭ ‬العدوان‭ ‬الإيراني‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬فارس،‭ ‬والحقيقة‭ ‬والمطلوب‭ ‬اليوم‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬صمود‭ ‬البصرة،‭ ‬فهي‭ ‬قوية‭ ‬معطاءة‭ ‬تفتح‭ ‬أبوابها‭ ‬لمحبيها‭ ‬ولأصدقائها‭ ‬وتغلقها‭ ‬بقوة‭ ‬بوجه‭ ‬أعدائها،‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬البصرة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬قبوله‭.‬ يجب‭ ‬ألا‭ ‬يترك‭ ‬العراق‭ ‬هكذا،‭ ‬فالعراق‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬أسست‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬شأن‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭. ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬نكرر‭ ‬أن‭ ‬العراق‭ ‬الشقيق‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬شديدة‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬جبار‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬محنته‭ ‬لكي‭ ‬نرى‭ ‬البصرة‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬مدينة‭ ‬المدن‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬زمنها‭ ‬الجميل،‭ ‬وإن‭ ‬قلوبا‭ ‬كثيرة‭ ‬سينتابها‭ ‬فرح‭ ‬وانشراح‭ ‬إذا‭ ‬حدث‭ ‬ذلك،‭ ‬فالعراق‭ ‬دائما‭ ‬سيبقى‭ ‬جزءا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭.‬

مشاركة :