تعوَّد الناسُ أن يصدقوا التاريخ، والمفروض أن التاريخ محايد لأنه يسجل الأحداث بعد انتهائها، بعيدا عن أبطالها ونفوذهم ولهذا يرى الناس ما يحدث في العراق الشقيق وتحديدا في مدينة البصرة أمرا من الصعب استيعابه، ومما يؤسف له فقد كثر عدد أولئك الذين يوعدون ولا يوفون بوعودهم على الأقل نظرة واحدة تعطي الأمل في الحياة الرغيدة لهذه المدينة (البصرة) التي كان في يوم من الأيام يطلق عليها مدينة الدنيا، فشريانها نهرا دجلة والفرات، ونخيلها المترامي الأطراف في كل شارع وبيت زينة لكل الناظرين وجوها الذي امتاز بلطفه وهواها الجميل، لا أنت ولا أنا نقبل أن تكون البصرة تشكو التعب والحيرة في أمرها، هل تعلم أن مدينة البصرة كانت تبدو مثل البستان بقعة خضراء بها أكثر من 22 مليون نخلة تختال على أراضيها، وعبارة عن عشرات الأنهر التي تتفرع عن شط العرب حتى تلتقي بدجلة والفرات في مدينة القرنة شمالا من البصرة، والبصرة هي بمثابة مدينة المدن في العراق الشقيق، وكل من زارها في الزمن الجميل يكتشف أرضا ساحرة، وللبصرة في حكاياتها ولياليها الألف ليلة وليلة التي كلما زرتها تقربك من جمالها وفنها الأصيل على أنغام كبار المطربين أمثال: حضيري بوعزيز ومحمد القبنجي ويوسف عمر. وستبقى البصرة شامخة بعزتها وقوميتها وأبنيتها مزودة منذ أن تولاها (عتبة بن غزوان) أمير البصرة سنة (14) هجرية بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن اسم البصرة يعني (الحجارة الرقاق) التي كانت تكثر حولها، وقد سكن البصرة قبائل عربية وقد قسمت إلى خمس دوائر قبلية سميت بالأخماس ومنها: أهل العالية وتميم وبكر بن وائل وعبد القيس وهكذا بدأ العرب يزرعون الأرض الطيبة لكثرة الأنهار فيها ووسعوا مناطق سكناها، فصارت البصرة مدينة الدنيا ومعدن تجارتها وأموالها، حتى إن الفلاح لا يتعب في عملية السقي، فالأنهار تفيض بالماء عندما يجيء (المد) وتنسحب المياه وقت (الجزر) . والحديث عن البصرة يطول وقد يحتاج إلى مجلدات ليكون القارئ العربي قريب منه ومن ألذ رطب البصرة (البرحي - الحلاوي - الليلو والسكري والخضرواي) ولهذه المدينة العربية أيضا نشاط في الحركة الأدبية والعلمية، بل كان للمساجد والأسواق الأدبية والمكتبات الأثر الكبير في انعاش الجو الأدبي والاجتماعي وكان من نشاط أهل البصرة وحبهم في التأليف، أن الخليفة العباسي المأمون أمر بجمع ما يخص كل ما كتب من الفقه والأدب والعلوم في غضون عشرين عاما، فإذا بها تزيد على مائتي ألف مجلد أمر بنقلها إلى بغداد فحملتها ثلاث سفن، وكان أهم مركز ثقافي وديني هو (المسجد الكبير) حيث كانت جلسات القرآن الكريم والفقه والنحو والشعر ويعد هذا المسجد ثالث مسجد بني في الإسلام وأول مسجد بني في العراق، ولم تخل البصرة من ظاهرة العلم، فكانت (جامعة البصرة) وهي من الجامعات المهمة في العراق الشقيق، حيث تدرس فيها كل العلوم الإنسانية والعلمية، وللتاريخ فإن أهل مدينة البصرة، قد وقفوا على مر الأزمان بوجه الغزاة وتصدوا لهجماتهم على الأرض العربية، وها هي تقف صامدة شجاعة بوجه العدوان الإيراني القادم من بلاد فارس، والحقيقة والمطلوب اليوم لابد من صمود البصرة، فهي قوية معطاءة تفتح أبوابها لمحبيها ولأصدقائها وتغلقها بقوة بوجه أعدائها، إن ما يحدث في البصرة لا يمكن قبوله. يجب ألا يترك العراق هكذا، فالعراق هو من الدول التي أسست الجامعة العربية وكان له شأن كبير في المحافل الدولية. مرة أخرى نكرر أن العراق الشقيق في حاجة شديدة إلى عمل جبار للخروج من محنته لكي نرى البصرة من جديد مدينة المدن كما كانت في زمنها الجميل، وإن قلوبا كثيرة سينتابها فرح وانشراح إذا حدث ذلك، فالعراق دائما سيبقى جزءا لا يتجزأ من الأمة العربية.
مشاركة :