بغداد - فتحت السلطات العراقية تحقيقا في "سرقة" 2.5 مليار دولار من أموال أمانات هيئة الضرائب في مصرف حكومي، كما أعلن مسؤولون الأحد في قضية تكشف من جديد الفساد المستشري في البلاد والذي وعد رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني بجعله أولوية عمل حكومته التي لم تر النور بعد. ويستهل السوداني في حال استقرت حكومته وهدأ ضجيج المواجهات السياسية عهده بواحدة من أكبر قضايا الفساد المالي في مؤسسات الدولة وهو اختبار جدي لما قدرته على وضع حد لاستنزاف مالية الدولة. ويعيش العراق حالة من الاضطراب المالي على الرغم من ارتفاع احتياطه من النقد الأجنبي بفعل إيرادات مالية ضخمة من صادرات النفط، بينما يشكو العراقيون من تردي الوضع المعيشي وسوء الخدمات وهي أيضا من ضمن التحديات الكبرى التي سيواجهها رئيس الوزراء المكلف الذي رشحه الإطار التنسيقي (يضم القوى الشيعية الموالية لإيران) ويرفضه التيار الصدري. ولم تكشف السلطات هوية المتورطين في القضية. ونشرت وكالة الأنباء العراقية الرسمية السبت طلبا بفتح تحقيق أرسلته وزارة المالية إلى هيئة النزاهة، وهي هيئة حكومية معنية بمكافحة الفساد. ويتحدّث الكتاب الرسمي المؤرّخ 12 اكتوبر/تشرين الأول عن "عملية سرقة 3.7 تريليون دينار عراقي (نحو 2.5 مليار دولار) من حساب أمانات الهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين". وكتب رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني في تغريدة على تويتر "وضعنا هذا الملف في أول أولويات برنامجنا، ولن نسمح بأن تُستباح أموال العراقيين، كما حصل مع أموال أمانات الهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين". وأَضاف "لن نتوانى أبدا في اتخاذ إجراءات حقيقية لكبح جماح الفساد الذي استشرى بكل وقاحة في مفاصل الدولة ومؤسساتها". وكشف كتاب رسمي صادر عن هيئة الضرائب، سرّب إلى الإعلام، أن مبلغ 2.5 مليار دولار، جرى سحبه بين الفترة الممتدة من 9 سبتمبر/ايلول 2021 و11 أغسطس/اب 2022. وحرّرت هذه الصكوك المالية إلى خمس شركات، قامت بصرفها نقدا مباشرة. وفي تعليق على القضية، كتب الباحث في 'سنتشوري إنترناشونل' سجاد جياد على تويتر "الأسئلة البديهية هي من هم المالكون الحقيقيون لتلك الشركات ومن سمح بإعطاء الصكوك لتلك الشركات؟ وكيف عبر الأمر غير ملحوظ لعام كامل؟ من هم السياسيون المتورطون في عملية الفساد والسرقة الكبيرة هذه؟". وقالت هيئة النزاهة الأحد إنها فتحت تحقيقا بالقضية، مضيفة في بيان أن "القضية معروضة الآن أمام القضاء"، وأنها سترفق "المعلومات التي تضمَّنها كتاب وزارة الماليَّة بعد تنظيمها وفق محاضر مع الأوراق التحقيقية وتودعها لدى القضاء ليقوم الأخير بإصدار القرارات المناسبة بحق المقصرين". وأضافت أن "القضاء سبق أن أصدر أوامر استقدام بحق مسؤولين كبار في الوزارة بشأن الثغرات التي أفضت إلى حصول هذا الخرق الكبير والتجاوز الفظيع على المال العام". وأصدر مصرف الرافدين بيانا على صفحته بفيسبوك، أوضح فيه المكتب الإعلامي للمصرف أنه تعقيبا على ما يتم تداوله بشأن سرقة مبالغ مالية من حساب الهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين، يؤكد المصرف بهذا الخصوص عدم علاقته بأي عمليات تلاعب أو سرقة يجري الحديث عنها. وأضاف أنه "مهمته كانت قد انحصرت في صرف صكوك الهيئة العامة للضرائب من فروعه بعد التأكد من صحة صدورها بكتب رسمية بين المصرف والهيئة، وأن ما يجري الحديث عنه في الآونة الأخيرة هو موضوع يتعلق بالهيئة العامة للضرائب وحساباتهم المصرفية" . وأكد البيان "عدم سرقة أي مبالغ مالية من فروعه ويشير إلى أنه ملتزم بالآليات المتعلقة بقانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وأن الموضوع برمته منظور من قبل القضاء وأن المصرف مستمر في التعاون مع الجهات المختصة للكشف عن الحقائق". وفي حديث السبت عن تحقيق داخلي في وزارة المالية بشأن القضية، اتهم وزير المالية السابق بالوكالة إحسان عبدالجبّار في تغريدة "مجموعة محددة" بالمسؤولية بدون أن يعطي تفاصيل إضافية. ويحتل العراق المرتبة 157 (من 180) في مؤشر منظمة الشفافية الدولية عن "مدركات الفساد". وقالت مبعوثة الأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت في إحاطتها أمام مجلس الأمن "يمثل الفساد المستشري سببا جذريا رئيسا للاختلال الوظيفي في العراق"، مضيفة "بصراحة، لا يمكن لأي زعيم أن يدّعي أنه محمي منه". وغالبا ما تستهدف المحاكمات في قضايا الفساد في حال حصلت، مسؤولين في مراكز ثانوية، في بلد تشكّل فيه عائدات النفط 90 بالمئة من إيراداته.
مشاركة :