مقياس التعاسة على مستوى العالم يتزايد حتى بلغ ذروته عام 2021 بحسب مؤشر غالوب (Gallup)، فما السبب؟ صحيح أن جائحة كورونا كان لها تأثير لكن التصاعد بدأ منذ عقد من الزمان رغم الجهود التي يبذلها القادة في تحسين مستوى المعيشة؛ لماذا لم تبلغ هذه الجهود غايتها؟ لأن القادة يركزون على توفير الوظائف وتحسين المستوى المادي باعتبارها المقياس الوحيد للسعادة، ولكم هذا المقياس مختل لأنه يغفل المشاعر والحالة النفسية وحتى في العمل يغفل المديرون عن شعور العاملين ومدى التقدير الذي يحظون به في طرق العمل التي يقترحونها أو الآراء التي يبدونها. هذه خلاصة كتاب صدر الشهر الماضي بعنوان «النقطة العمياء» (Blind Spot) وعنوان فرعي: صعود عالمي للتعاسة وكيف غفل عنه القادة، لمؤلفه جون كلفتون الرئيس التنفيذي لغالوب (مؤسسة عالمية للتحليلات والمشورة). النقطة العمياء في علم تصميم السيارات، هي النقطة التي لا يشاهدها السائق خلال جلوسه في مقعد القيادة عبر المرايا الجانبية ولا حتى المرآة الداخلية، رغم أنها بالقرب منه. من هنا جاء كتاب ليفحص بعضًا من أهم نتائج الاستبيانات التي توصلت إليها غالوب خلال الخمسة عشر عامًا الماضية، والتي تم الحصول عليها من سؤال مواطني العالم عن الكيفية التي تسير بها حياتهم عبر خمس تجارب، وهي الغضب والتوتر والحزن والألم الجسدي والقلق. الاستبيانات تعطي مؤشر التجربة السلبية عبر مقياس مركب لهذه التجارب السلبية الخمس، تتراوح درجات المؤشر من صفر إلى 100 بناء على تقييمات المشاركين لحياتهم. خلال الفترة منذ 2006 حتى 2011 ظل المؤشر يراوح نفسة بحوالي 24 نقطة، بعد ذلك أخذ بالارتفاع التدريجي حتى بلغ ذروته العام الماضي بـ 33 نقطة. إذن، بحسب المؤشر تزايدت التعاسة على مستوى العالم منذ عقد من الزمان، وحسب مؤسسة غالوب فقد فات على أغلب قادة العالم تقريبًا تنامي التعاسة ولم ينتبهوا إليها، لأنه بينما يولي القادة اهتمامًا وثيقًا لمقاييس مثل الناتج المحلي الإجمالي أو البطالة، لا يتتبعون مقاييس أخرى متصلة بالرفاهية والمشاعر والحالة النفسية. تقول المؤسسة إن قادة الأعمال والسياسيين والاقتصاديين وخبراء السياسة والمواطنين العاديين سيجدون شيئًا ذا قيمة في هذا الكتاب الجديد. تتساءل مؤسسة غالوب: ما الذي سيغفل عنه القادة بعد ذلك؟ وتجيب: استنادًا إلى البحث العالمي الذي أجرته المؤسسة، يطرح الكتاب حالة ملحة تتمثل في أن القادة يجب أن يقيسوا ويقدروا الرفاهية والسعادة، وأيضاً كيف تسير حياة المواطنين، ويوضح لهم الطريقة لذلك. كما يناقش العناصر الخمسة الأساسية لحياة رائعة وأين يحتاج العالم إلى التطوير في كل منها لتحسين حياة الناس. فتداعيات هذه النقطة العمياء كبيرة وبعيدة المدى، وقد غاب عن كثير من القادة تعاسة المواطنين التي حسب الكتاب أشعلت فتيل أحداث تتراوح من الانتفاضات العربية إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى انتخاب دونالد ترامب. يقول مؤلف الكتاب مع شيء من المبالغة: موضوعي يتناول ماهية شعور الناس، حيث الاتجاه الذي يحصل في العالم بزيادة الضغوط والحزن والألم الجسدي والقلق والغضب، لم تلحظ من قادة العالم. كل فرد يمكنه الإحساس بأن هناك حالة إحباط في كل مكان بالعالم، لكن المشكلة أنهم يعتقدون أن ذلك ناتج من جائحة كورونا، وهذا فعلاً إنما هذا الاتجاه بالمشاعر السلبية كان في تزايد قبل كورونا بعقد من الزمن. النقطة العمياء لدى القادة لتحديد مشاعر الناس هو أنهم يركزون أكثر من اللازم على ما إذا كان الناس يحصلون على الوظائف وعلى كم من المال يجنون، ولا يتوفر لديهم مقاييس عن كيفية شعور الناس. مؤشر غالوب يمكنه إضاءة النقطة العمياء للقادة عبر مجموعة متكاملة من المعلومات تمكنهم من رؤية كيف يشعر الناس جنبًا إلى جنب مع المقاييس الاقتصادية. بدلاً من الرؤية التقليدية المنحصرة على الاقتصاد هناك الرؤية العاطفية والسلوكية. خذ، على سبيل المثال، أماكن العمل، المقاييس المعتادة هي الأرباح والعوائد، لكن أحد المقاييس التي لا يراها القادة عادة هي مشاعرهم أو في إعطائهم الفرصة لعمل ما يقومون به بشكل أفضل. « الفكرة عمومًا ليست جديدة، فقد سبق أن أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يدعو الدول الأعضاء إلى قياس مقدار السعادة لدى شعوبها للمساعدة في توجيه سياساتها العامة. وفي عام 2012، عقد الاجتماع الأول للأمم المتحدة رفيع المستوى حول «السعادة والرفاه: تحديد نموذج اقتصادي جديد»، وصدر أثناءها تقرير السعادة العالمي الأول كنص أساسي للاجتماع، محدداً حالة السعادة العالمية وأسباب السعادة والبؤس والآثار المترتبة على السياسات التي أظهرها دراسة الحالة. وصارت تصدر تقارير سنوية تستخدم بيانات من استطلاع غالوب العالمي، متضمناً أراء كبار الخبراء في العديد من المجالات كالاقتصاد وعلم النفس، وتحليل الاستبيانات، والإحصاءات الوطنية، إضافة إلى وصف كيف يتم قياس الرفاه وإمكانية استخدامها على نحو فعال لتقييم التقدم المحرز في الدول، وينظم كل تقرير المسائل المتعلقة بالسعادة، بما فيها الأمراض العقلية، والفوائد الموضوعية للسعادة وأهمية الأخلاق، والآثار المترتبة على السياسات، والروابط مع نهج منظمة التعاون والتنمية وتقرير التنمية البشرية لقياس الرفاه الشخصي.
مشاركة :