إعتبر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أنّ عام 2015 كان عام التخطيط، أما عام 2016 فسيكون بداية مرحلة تنفيذ هذه الخطط، لافتا الى أنّ بلاده رفعت نسبة الإيرادات غير النفطية في الموازنة إلى 29%. وشدد في حديث مع CNBC على أنّ السعودية هي الدولة الوحيدة في مجموعة العشرين التي لا تتجاوز ديونها إلى الناتج المحلي 7% وهي تملك قدرة ضخمة على توفير الدخل من الموارد غير النفطية، ممّا سيتيح لنا مواصلة خططنا التنموية من دون اتباع سياسة تقشفية، لأن التقشّف هو كلمة غير موجودة في قاموسنا. وقال الجبير أنّ النفط هو سلعة تخضع للعرض الطلب وأنّ الحديث عن تلاعب المملكة بأسعار النفط أمر مبالغ فيه. ولفت الى أنّ بلاده تريد التعاون مع روسيا والاستثمار فيها، وننتظر الفرصة المناسبة لحل الاختلاف في الرأي مع موسكو. وحول الخلاف مع إيران إعتبر الجبير أنّ الخلاف جاء كرد فعل وأنّه على طهران أن تكف عن التدخل في شؤون جيرانها وقال: نأمل أن تتصرف إيران كحكومة وليس كقوة عدوانية. (نص الحوار) - إيران تهدّد بانتقام إلهي على إعدام عالم الدين المسلم الشيعي نمر النمر، فما ردّ حكومتكم على هذه الرسالة الموجّهة من طهران؟ - ردّنا هو أنه إرهابي. فنمر النمر كان عالم دين بقدر ما كان أسامة بن لادن عالم دين. لقد كان متورطاً بتحريض الناس، وتجنيدهم، وتوفير الأسلحة والذخائر لهم، إلى جانب تورّطه في الهجمات التي استهدفت رجال الأمن ومراكز الشرطة وأودت بحياة الأبرياء. نحن مصمّمون جدّاً في المملكة على مواجهة الإرهاب بصرامة وحزم. ولن نُظهر أي شفقة أو رحمة تجاه من يقتلون الأبرياء. فهذا الشخص إضافة إلى ستة وأربعين آخرين خضعوا لمحاكمة عادلة في النظام القضائي، وقد أحيلت قضاياهم إلى محاكم الاستئناف، وعُرِضَت على المحكمة العليا. محاكماتهم كانت علنية، وقد أتيح لوسائل الإعلام المحلية والأجنبية الاطلاع عليها متى شاءت ذلك، والسجلات كانت متاحة أيضاً. كما أنّ التهم واضحة، والإدانات واضحة، وعندما نُفِّذَت الإعدامات فتلك كانت نهاية الأمر. وهنا ينبغي الإشادة بموقف المملكة العربية السعودية في وفقتها الصارمة والحازمة حيال الذين يقتلون الأبرياء، لا إدانتها على ذلك.أمّا بالنسبة للإيرانيين، فالأمر المحيّر للغاية هو أن يكون هذا الشخص سعودي الجنسية وارتكب جريمته في المملكة وأدين في محكمة سعودية ونُفذت به العقوبة على أيدي السلطات السعودية. فما شأن إيران بهذه القضية؟ هم يعدمون مئات الأشخاص سنوياً ولا أحد يقول شيئاً حيال هذا الأمر، فهذا هو نظامهم. أمّا إقحام الإيرانيين لأنفسهم في شؤوننا الداخلية فهو ليس إلا استكمالاً لما تقوم به إيران منذ سنوات في عموم المنطقة، في لبنان وسوريا والعراق والبحرين واليمن. لقد كانوا يوفّرون الإمدادات للإرهابيين، ويجنّدون الناس، وقاموا باغتيال الناس وزرع الطائفية في المنطقة وتقسيم العالم الإسلامي. سياستهم تشكل انتهاكاً لكافة الأعراف والتقاليد التي اتفق عليها المجتمع الدولي، لذلك قرّرنا القول بأن السيل قد بلغ الزبى، ونتيجة لذلك قطعنا علاقاتنا مع الإيرانيين. - أنت تقول أنّ ما يحصل الآن مع طهران وقطع العلاقات الدبلوماسية معها لا يرتبط فقط بما حصل للسفارة، وإنّما يأتي في سياق تاريخي أطول من انتهاكات الحكومة الإيرانية. فما الذي حصل الآن لتقرروا قطع العلاقات؟ الجبير: في لحظة معيّنة ينفذ صبر الإنسان. لقد نفد الإيرانيون بجرائم القتل التي ارتكبوها لأكثر من ثلاثين عاماً: من الهجمات ضدّ السفارة الأمريكية في بيروت، إلى الهجمات ضدّ مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) في مطار بيروت، إلى خطف الدبلوماسيين واغتيالهم في بيروت وفي أماكن أخرى، بالإضافة إلى إيواء المتورطين في تفجيرات الخبر التي حصلت عام 1996، وقد قُبِضَ على أحدهم العام الماضي وهو يحمل جواز سفر إيراني على الرغم من كونه سعودي الجنسية. هذا إلى جانب إيوائهم لقادة في تنظيم القاعدة عقب العام 2001. والبعض منهم لا يزال هناك. كما أنّ الأوامر المتعلقة بتفجير المجمعات عام 2003 جاءت من القاعدة التي كانت تعمل انطلاقاً من إيران آنذاك. ولطالما كان تورّط الإيرانيين في ذلك معلوماً. كما أنّ إيران أرسلت ميليشيات للقتال ما أدّى إلى مقتل أكثر من مئتين وخمسين ألف سوري وتشريد أكثر من 12 مليون إنسان. والإيرانيون يهرّبون الأسلحة والمتفجرات إلى البحرين، وقد حاولوا القيام بذات الشيء في السعودية، وقاموا بذلك في الكويت، كما أرسلوا إمدادات من الأسلحة والمال والأفراد لدعم الحوثيين في اليمن ليتمكنوا من الاستيلاء على البلاد، وليشكلوا تهديداً للمملكة. إذاً نحن نراقب أفعالهم الشائنة في جميع أنحاء المنطقة وقد عانينا من مظالمهم بحقنا وأوضحنا لهم ذلك. وحاولنا التحاور مع الحكومة الإيرانية لمعالجة هذه المسألة وقلنا لهم بأنّهم إذا ما أرادوا علاقات طبية مع دول المنطقة فإنهم يجب أن يتصرّفوا كعضو مسؤول في المجتمع الدولي، ويجب أن يوقفوا أنشطتهم العدوانية أو العدائية. إلا أن ما رأيناه للأسف كان عكس ذلك. وبناءً عليه، قلنا في هذه الجولة الأخيرة بأنّ السيل قد بلغ الزبى، وبأنّنا يجب أن نوضح موقفنا علناً، ألا وهو أننا لن نتسامح مع استمرار العدوان الإيراني تجاه السعودية، وانّ ذلك لن يمرّ دون رد. لذا قطعنا علاقاتنا مع إيران وأغلقنا البعثات الدبلوماسية للسفارة الإيرانية في المملكة العربية السعودية. - ولكن ألا يجب أن تكون الأولوية القصوى الآن هي محاربة الدولة الإسلامية. وبما أنكم تحاربونها، فأنتم تبدون على الأقل بأنكم في صف واحد في هذه القضية مع إيران. ألن تكون هناك مشكلة إذا توقفتم عن التحاور معاً؟ الجبير: لا أعتقد بأنّنا في صفّ واحد في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. بل أعتقد بأن إيران قد أسهمت بصعود التنظيم. - لكنّهم يتهمونكم بذلك... الجبير: يمكنهم أن يقولوا ما يشاؤون. لكنّ الحقائق هي الشواهد الدامغة. فالحقيقة هي أنّه لم يكن هناك وجود للدولة الإسلامية قبل اندلاع الحرب في سوريا. والحقيقة هي أنه خلال السنة الأولى من الحرب في سوريا لم يكن هناك وجود للتنظيم، لا في سوريا ولا في العراق. وبشار الأسد هو من أطلق سراح المجرمين من سجونه. وهذا ما فعله أيضاً نوري المالكي الذي أطلق سراح المجرمين من سجونه هو الآخر. وقد انتقل هؤلاء المجرمون إلى سوريا، وانضمّوا إلى صفوف الحركات المتطرفة التي تطوّرت وأصبحت ما يُعرف بداعش أو الدولة الإسلامية، هم ليسوا لا دولة ولا إسلامية لذلك لا يجب أن نطلق عليهم هذا الاسم. خلال العامين الأولين، تعامل بشار الأسد معهم، واشترى النفط منهم، وسمع لهم بالتمدد، وسمح لهم بالنمو لكي يستطيع أن يقول للناس: إمّا أنا أو الإرهابيين، ونتيجة لذلك فقد توسعوا. لقد أرسل الإيرانيون ميليشياتهم، كفيلق القدس والميليشيات التي جنّدوها من العراق وأماكن أخرى وحزب الله إلى سوريا ليقاتلوا دعماً لبشّار الأسد. هم لم يقاتلوا داعش، بل قاتلوا المعارضة السورية المعتدلة بينما سمحوا لداعش بالنمو والازدهار لكي تشكّل تهديداً للجميع. لذلك قول الإيرانيين بأنّهم ضد داعش هو قول مخادع. وحينما يتعلق الأمر بالعراق وداعش، فإن سبب وجود داعش في العراق هو السياسات الطائفية التي اتّبعها نوري المالكي لسنوات عديدة وهو يُعتبرُ وكيلاً لإيران في العراق. لقد همّش السنّة، وعامل الأكراد بطريقة غير منصفة فيما يخصّ تقاسم الإيرادات، وحاول فرض أجندة إيرانية طائفية شديدة التطرّف لاقت رفضاً من الشعب العراقي، حيث أصبح العراق نتيجة لذلك مرتعاً خصباً لداعش. ولطالما قلنا، وكنت أنا شخصياً أقول بأنّ القضيتين الضخمتين الأساسيتين اللتين يجب على الناس التعامل معهما بجدّية هما بشار الأسد في سوريا – والذي يجب أن يرحل لكي يكون المجال مفتوحاً أمام هزيمة داعش، كما يجب تطبيق الإصلاحات التي اتفق الشعب العراقي عليها خلال الصيف ما قبل الماضي والتي تحافظ على وحدة البلاد، وتمنح حقوقاً متساوية لجميع المكوّنات المجتمعية العراقية، بغضّ النظر عن مذهبها أو عرقها. فهذه هي الطريقة التي تسمح لنا بإزالة التربة الخصبة التي تنمو فيها داعش، وساعتها يمكننا مواجهتها. - ماذا عن الوضع في سوريا؟ ففي حال عدم وجود حوار فعلي بين السعودية وإيران ألا يعني ذلك بأن الموت والدمار وتدفق مئات آلاف المهاجرين سيستمر لفترة أطول؟ الجبير: نحن ندعم حلّ النزاع في سوريا على أساس مبادئ جنيف واحد، ومباحثات فيينا ونيويورك. كما أنّنا ندعم التوصل إلى تسوية من شأنها إنشاء مجلس للحكم سيتولّى الصلاحيات من حكومة بشار، ومن ثمّ سيكتب دستوراً جديداً ويحضّر لانتخابات جديدة بهدف الانتقال إلى سوريا جديدة لا يكون لبشار الأسد دور فيها. لطالما دعمنا ذلك. ولطالما قلنا بأننا نفضل الحل السياسي لا العسكري. ولكن لطالما قلنا أيضاً بأنّ الشعب السوري لديه الحق في الدفاع عن نفسه ضدّ هذا الطاغية، ونحن ندعم هذا الحق بكلّ السبل المتاحة لنا وسنستمر في ذلك. هذا هو موقفنا. أمّا الموقف الإيراني، من جهة أخرى، فقد تمثّل في إرسال آلاف المحاربين، وتجنيد الآلاف بل وعشرات الآلاف من مقاتلي الميليشيات من مختلف الأماكن مثل إيران، وباكستان، وأفغانستان والميليشيات الشيعية من العراق ولبنان بهدف دعم بشار الأسد. - ما هي الخطوة التالية الضرورية لإنهاء الأزمة بين السعودية وإيران، وما هي الخطوات التي يجب أن تحصل؟ وهل هناك من دور يمكن لأمريكا أن تؤدّيه؟ الجبير: الأمر بسيط للغاية. نحن لم نصعّد في السابق أبداً ..... - لكنّ إيران اعتقلت 40 شخصاً على الأقل على صلة بما حصل لسفارتكم. ألا يُظهِرُ هذا على الأقل بادرة دعم؟ ألا يُعتبرُ خطوة عملية؟ الجبير: سوف نرى. وكما قلت من قبل نحن لم نصعّد. ولطالما كانت إجراءاتنا بمثابة ردّ فعل على ما قامت به إيران. نحن لا نتدخّل في الشأن الداخلي الإيراني، ولا نرسل الأسلحة والمتفجرات إلى إيران. كما أننا لا نجنّد الإيرانيين لقتل إيرانيين آخرين. - هل سياستكم الخارجية مبنية على ردّ الفعل؟ الجبير: ما قمنا به من خطوات جاء ردّاً على الأعمال العدوانية التي ارتكبتها إيران بحقنا. أمّا فيما يخصّ سؤالك الأصلي حول الخطوات المطلوبة لحلّ الخلاف الجاري بيننا، فالأمر ببساطة يتعلّق بإيران التي يجب أن تكفّ عن التدخل في شؤون جيرانها، كما يجب أن تتوقف عن دعم الإرهاب. أليس هذا ما نريده جميعاً في شتى أنحاء العالم؟ آمل أن تغيّر إيران سياستها، وأن تتبنّى سياسة أكثر تصالحية وطبيعية، تماماً كما تفعل الحكومات والدول الأخرى. وأودّ التأكيد هنا على أننا لا نتبنّى أي موقف عدائي تجاه إيران أو تجاه الشعب الإيراني، فنحن نكنّ احترماً هائلاً للثقافة والتاريخ الإيرانيين، فهي بلد جار لنا. مشكلتنا هي مع الحكومة الإيرانية فقط، والتي تُعتبرُ مصدراً للعداء. لكنّنا نتمنى الخير للإيرانيين، ونأمل أن تتصرّف حكومتهم كحكومة وليس كقوة عدوانية وشريرة. وأمّا فيما يتعلق بالخطوات التي اتخذها الإيرانيون، فقد طلبنا المساعدة من الأمن الإيراني في تمام الساعة الثانية ظهراً أو نحو ذلك، ولم يأتِ أحد، ثمّ طلبناهم مجدداً في الساعة السادسة ولم يحصل شيء أيضاً، ثم عاودنا الاتصال بهم عدّة مرات حينما كانت الحشود تتزايد ولم يحصل شيء. - إذاً هم امتنعوا عن نجدتكم؟ الجبير: لم تأتِ أيّ جهة لمساعدتنا، رغم أنّ ذلك هو أحد المبادئ الأساسية لاتفاقية فيينا، ولحماية العلاقات الدبلوماسية، حيث تقع على عاتق حكومة الدولة المضيفة مسؤولية حماية البعثات الأجنبية المعتمدة لديها. كما أنّ ذلك هو أحد المبادئ الأساسية في العلاقات الدولية. وحتّى في حالات الحرب بين الدول، يتوجّب على كلّ منها حماية البعثات الدبلوماسية المتبادلة فيما بينها، إلا أنّ الإيرانيين لم يفعلوا ذلك. ثمّ شاهدنا الإيرانيين يدخلون سفارتنا ويضرمون النار فيها، إلى أن رأينا قوات الأمن الإيرانية تأتي ثم تخرج هي ذاتها من السفارة حاملة عدداً من أجهزة الكمبيوتر والوثائق. - هل لديكم أشرطة تثبت ذلك؟ الجبير: شرحنا ما حصل في مؤتمر صحفي قبل أيّام، وهو موجود لدينا ومتاح لعامّة الناس. ولدينا شهود عيان حضروا الواقعة، إلى جانب دبلوماسيين آخرين غير سعوديين. كما قام الإيرانيون بالتقاط صور السيلفي لأنفسهم داخل السفارة. أمّا في مدينة (مشهد)، فنحن نعتقد بأنّ الباسيج كان من المعنيين بعملية تنظيم المظاهرات، وهو ذاته الباسيج الذي اقتحم السفارة البريطانية عام 2011. ثمّ قُطِعَ التيار الكهربائي عن الحي الذي يعيش فيه الدبلوماسيون السعوديون أي ما بين الساعة الثانية أو الثالثة فجراً، في وقت كان القائم بالأعمال السعودي يلتقي مع دبلوماسيين آخرين من دول صديقة لنرى الخطوات التي يجب علينا اتخاذها. لا تبدوا هذه الأحداث مجرّد مصادفات. - تعتبرونه حادثاً مدبراً؟ الجبير: لاحظنا أمراً آخر، ألا وهو حصول مناوبات بين صفوف المتظاهرين، ففي منتصف الليل، غادرت مجموعة من المتظاهرين ثم قدمت مجموعة أخرى، فبدا الأمر وكأنّ مجموعة ما قد استبدلت بأخرى ما أن انتهت فترة مناوبتها! لقد كان الأمر منظماً بكل وضوح، ولم يكن عشوائياً. ثمّ أعربت إيران عن أسفها لما جرى بعد وقوع الواقعة. دعيني أعطيكِ مثالاً آخر. لقد ناقشنا مع السلطات الإيرانية مسألة إخراج العائلات السعودية المؤلفة من نساء وأطفال، واتفقنا على إخراجهم في اليوم التالي. وهم وافقوا على ذلك. وأخبرناهم بأنّ بعضهم ليس لديه جوازات سفره التي احترقت واتفقنا على آلية عمل معيّنة. وقد ذهب هؤلاء السعوديون إلى المطار وتركهم الإيرانيون ينتظرون هناك لأكثر من ثلاث ساعات. هم لم يكونوا ليلعبوا هذه الألاعيب لو كانوا جادّين. هذا الأمر لا يحصل عندما تكون هناك أزمة، فإما أنك تحمي البعثة أو لا تحميها. - هلا أخبرتني عن الروس. لقد عرضوا الوساطة هنا، كما عرضوا الوساطة في سوريا أيضاً. هل هناك من دور لروسيا. وإذا كان الأمر كذلك، فما هو؟ الجبير: لكلّ دولة دور تقوم به مادام هذا الدور إيجابياً. أمّا حينما يتعلّق الأمر بالوساطة، فنحن لا نحتاجها، لأننا نعلم موقف إيران، وإيران تعلم موقفنا. وهم يعلمون ما هي مشاكلنا معهم. وما يجب عليهم فعله هو أن يظهروا لنا بأنّهم جادّون. أظهروا لنا تغييراً في السلوك وفي الموقف. أظهروا لنا رغبة بأنكم تريدون علاقات طبيعية، وسنبادركم التحية بأحسن منها. وليس لدينا أيّ مانع في ذلك. أمّا بالنسبة لروسيا، فبوسعها أن تلعب دوراً هاماً جداً من خلال الضغط على بشار الأسد للتنحي والسماح بحصول انتقال في سورية، وقد أوضحنا ذلك بكل جلاء للروس. - حصل تحوّل ملحوظ في التواصل بين الحكومتين السعودية والروسية، وكذلك في مجال الاستثمار في روسيا التي تأذت جراء العقوبات المفروضة عليها منذ عامين، كما أنها تتضرر أيضاً جراء تراجع أسعار النفط حالها حال السعودية. فهل هناك برأيك فرصة للتوصّل إلى نوع من الاتفاق بخصوص الإنتاج النفطي؟ الجبير: النفط هو سلعة تتحكّم الأسواق بها، وهو يخضع للعرض الطلب، وللتقلبات الدورية في العرض والطلب اللذين يؤثران على أسعار النفط. وأعتقد أن النقاش الدائر بخصوص قدرتنا على التلاعب بالأسعار أو قدرتنا على التلاعب بالأسواق هو أمر مبالغ فيه. ففي نهاية المطاف، الأمر مرتبط بالأساسيات وبالعرض والطلب. وبالنسبة لعلاقاتنا مع روسيا، نحن نعتقد بأنّ حجم التجارة بيننا وبين روسيا لا يتناسب مع حجم اقتصادي بلدينا. كلانا بلدان عضوان في مجموعة العشرين، إلا أن تعاملاتنا التجارية ضئيلة جدا، واستثماراتنا قليلة جدا أيضاً. لذلك أردنا تغيير هذا الوضع. روسيا تمثل قوّة عظمى، ويعيش فيها عشرون مليون مسلم، كما أنّ بإمكان روسيا ان تؤدّي دوراً إيجابياً. نحن رغبنا بتحسين علاقاتنا معها والتعاون معها. هذا التوجّه ليس على حساب أي بلد آخر، ولكن من أجل إقامة علاقات أفضل مع روسيا. وقد بدأنا عملية التواصل معها وبدأنا بتشجيع التجارة والتبادل العلمي والاستثمار معها، وسنستمر في ذلك. أمّا بالنسبة للمجالات التي قد نختلف عليها مع الروس، فسنتفق على التباحث بشأنها، وسنحاول حلها، وإن كانت هناك أمور لا يمكن حلّها، فسننتظر الفرصة المواتية لنغتنمها ونتمكن من حلّها. - هل مواصلة الاستثمار في روسيا أمر مهم للسعودية؟ الجبير: سنواصل الاستثمارات في روسيا طالما كانت مربحة. وإن كانت هناك استثمارات جيدة للسعوديين وللخزينة السعودية فسنستثمر فيها، مثلنا مثل أي مستثمر جاد، حيث سندرس التكاليف والعوائد. - تلاحظون النقاش الدائر في المنطقة بخصوص ما إذا كان تدخلكم في اليمن ناجحاً أم لا. متى تعتبرون أنكم نجحتم في اليمن، وما مدى قربكم من تحقيق هذا النجاح؟ الجبير: تتألف العملية الجارية في اليمن من مرحلتين. المرحلة الأولى كان لها علاقة بالتهديدات التي نشأت على حدودنا. فقد كانت هناك ميليشيا تحالفت مع إيران ومع حزب الله واستولت على أجزاء متزايدة من البلاد. وهي انطلقت من قواعدها واستولت على العاصمة، وعلى الحكومة، وتحرّكت جنوباً، واستولت على عدن، وحاصرت القصر الرئاسي في عدن، وكانت على وشك إما خطف الرئيس، أو سجنه، أو قتله لا سمح الله. وقد طلب رئيس اليمن الدعم بموجب المادة الحادية والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة. وقد عملت السعودية إلى جانب تحالف مؤلف من عشر دول على توفير الدعم. نحن نواجه وضعاً كنّا فيه أمام ميليشيا بحوزتها أسلحة ثقيلة، وصواريخ بالستية قادرة على الوصول إلى مئات الأميال، ناهيك عن سيطرتها على القوى الجوية. ولا أعتقد أنّ هناك مثالاً آخر مشابهاً في العالم كنّا فيه أمام ميليشيا من خارج الحكومة تسيطر على طائرات حربية. لقد كان ذلك خطراً داهماً بالنسبة للمملكة. وبالتالي فإنّ الهدف من المرحلة الأولى من العمليات كان مواجهة ذلك التهديد: أي الأسلحة الثقيلة والصواريخ البالستية، والدفاعات الجوية والقوى الجوية، بهدف إبعاد ذلك الخطر. أمّا المرحلة الثانية من العملية فقد كانت تهدف إلى الدفاع عن الحكومة اليمنية الشرعية التي لم يكن لأي أحد في العالم مشكلة معها. ونحن نستند إلى أساس قانوني هو قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 ولدينا المادة الحادية والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة، ولدينا طلبات تقدّمت بها الحكومة الشرعية، ولطالما قلنا بأنّ الغاية من العمليات هي فتح المجال أمام حصول تسوية في اليمن. فالوضع في اليمن لا يمكن أن يحلّ إلا سياسياً من خلال تطبيق المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216. هذا ما نعمل عليه. وقد أحرزت العمليات الحربية تقدّما تدريجياً في اليمن، حيث باتت الحكومة الشرعية في اليمن تسيطر على ما يقارب 80% من البلاد الآن، وهو الأمر الذي لم يكن قائماً في الأشهر الستة الماضية. - إلى متى؟ الجبير: لا أعتقد أن أحداً يستطيع التنبؤ بمسار الحروب، فهذا كمن يحاول التنبؤ بحركة سوق الأسهم. قد يكون هناك حالات صعود وحالات هبوط. لكننا نرى الآن تقدماً متزايداً، ونأمل أن تكون محادثات جنيف بين الحكومة وتحالف الحوثيين وصالح قادرة على إحراز التقدّم المنشود. وإن لم تحرز تقدماً، فسنواصل دعمنا للحكومة الشرعية في اليمن. الوضع هناك سيُحل، لكنها مسألة وقت. - السعودية هي أكبر اقتصاد في المنطقة وأكبر دولة منتجة للنفط في العالم. وما يحصل فيها يترك تبعات كبيرة على الأسواق العالمية أيضاً. فهل تمتلك السعودية خطة ما؟ أم أنّ العالم يجب أن يكون قلقاً؟ الجبير: لطالما وضعت السعودية وعلى مدى عقود خططاً خمسية لتحقيق عدد من الأهداف التنموية، ولكي نتمكّن من بناء مشاريع البنية التحتية مثل المدارس والمستشفيات، وتعليم شعبنا، وتوفير فرص العمل له، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتنويع اقتصادنا. ونحن اليوم نعمل على جانب آخر في المملكة حيث سنقوم بإدخال تغيير جذري وإحداث نقلة نوعية في اقتصادنا، كما سنعمل على زيادة الكفاءة في كلّ جانب من جوانب عمل المؤسسات السعودية والاقتصاد السعودي. وسنبحث في كيفية تحقيق المزيد من الدخل من الموارد غير النفطية التي نمتلكها. هذه أمور ستُعلن في الأسابيع القليلة المقبلة، ونحن بغاية الشفافية حيال ذلك. فبلادنا التي تنعم بالاستقرار السياسي تمتلك إمكانات ضخمة وفرصاً هائلة، كما أن لدينا جيلاً من الشباب الذي يتمتّع بالحيوية. وهناك ما يقرب السبعين في المئة من السكّان الذين تقلّ أعمارهم عن الثلاثين عاماً، وهم متعلمون ومن بين الأكثر نشاطاً على شبكة الانترنت، ولاسيما وسائل التواصل الاجتماعي كتويتر وفيسبوك وغيرها. هذا بالإضافة إلى امتلاكنا لمؤسسات تجارية ضخمة، وبعضها يحظى بمكانة رائدة في العالم كأرامكو وشركة الاتصالات السعودية. وهناك مئات الألوف من الشبّان والشابّات الذين درسوا أو لازالوا يدرسون في الخارج من اليابان إلى أمريكا. هم سيعودون إلى هنا مزوّدين بالمعارف، إلى جانب قدرتهم على التحدّث بلغات متعددة، فضلاً عن قدرتهم الفائقة على التواصل مع العالم، وبذلك فإنّ كلّ هذه الطاقة ستجتمع في بلادنا الغنية بالموارد الطبيعية، والثروات المعدنية، والبنى التحتية الرفيعة المستوى، والبيئة السياسية المستقرة، الأمر الذي سيسرّع وتيرة النمو الاقتصادي، وهو ما نأمل تحقيقه بالفعل. دعيني أعطيكِ لمحة عن وضعنا. أستطيع أن أصف عام 2015 بأنّه كان عام التخطيط. أما عام 2016 فسيكون بداية مرحلة تنفيذ هذه الخطط. فقد تمكّنا في العام السابق من زيادة نسبة الإيرادات غير النفطية في الموازنة إلى 29% وهي نسبة غير مسبوقة. حيث أنّ 90 إلى 95% من دخل معظم الدول المنتجة للنفط يأتي من النفط. كما كنّا قادرين على تنويع اقتصادنا، ولازلنا في بداية هذه العملية حتى الآن. وستشاهدون في الأسابيع المقبلة الكثير من الأشياء الطموحة جداً، ولكن الواقعية للغاية في الوقت ذاته. وليس لديّ أدنى شك في أنّ ذلك سيزيد من ثقة المستثمرين المرتفعة أصلاً بالسعودية، وسيعزّز من ثقة مواطنينا التي تعدُّ قوية جداً بطبيعة الحال. وهذا الأمر سيقود إلى حصول تغيّرات في السعودية. - أنت تقول أنّ أسعار النفط لا تؤثر على السياسة الخارجية السعودية، لكن في ضوء انخفاض أسعار النفط حالياً، هل بوسعكم الاستمرار في انتهاج سياسة خارجية توسعية في ضوء عمليات خفض الدعم الحاصلة في البلاد؟ الجبير: ليست السياسة الخارجية والأمنية من الكماليات. فهي ليست هواية يرغب المرء في ممارستها، ثمّ يقرّر فجأة التخلي عنها لأنها مكلفة للغاية. بل هي ضرورة، ويجب علينا العمل لوضع الأمور في نصابها في منطقتنا، كما ينبغي علينا القيام بما نحتاجه لحماية مواطنينا وبلادنا مهما كان الثمن. هذه ثوابت سنتمسك بها. وبالنسبة لوضعنا الداخلي، أودّ التأكيد بأنّنا الدولة الوحيدة في مجموعة العشرين التي ليس لديها ديون تقريباً. فنسبة ديوننا إلى الناتج المحلي الإجمالي لدينا تبلغ 5% أو 6% أو 7% وهي نسبة ضئيلة جداً، بينما في معظم البلدان من تكون هذه النسبة لديه بين 50% و60%، فهو في وضع يحسد عليه. كما تصل هذه النسبة في بعض دول مجموعة العشرين إلى 200%! ونحن لم نصل إلى هذا المستوى بعد، ما يعني بأنّ لدينا قدرة هائلة على الاقتراض. كما أنّنا نملك قدرة ضخمة على توفير الدخل من الموارد غير النفطية، ممّا سيتيح لنا مواصلة خططنا التنموية دون اتباع سياسة تقشفية، لأن التقشّف هو كلمة غير موجودة في قاموسنا. ونحن لسنا مضطرين إلى أي سياسة تقشفية أو التأثير على حياة مواطنينا. وعندما يتحدّث الناس عن سياسات الدعم، فإننا أسعار الطاقة لدينا منخفضة للغاية، وتبلغ نسبة الأشخاص المستفيدين منها 20%. لذلك غيّرنا الصيغة المتبعة بحيث لا تتغيّر الأسعار بالنسبة الطبقة الوسطى والطبقة الوسطى الدنيا وبالتالي لن تتأثر حياتهم، أما الميسورون القادرون على إنفاق المزيد فسيتمكّنون من سداد تكلفة إنتاج هذه الطاقة. وعليه، فإنّ تأثير هذه الخطوة سيكون محدوداً. أمّا أكثر المتأثرين بذلك فسيكون التأثير عليهم شبه معدوم. - إذاً العالم لا يجب أن يقلق بشأن السعودية؟ الجبير: ليس هناك من داع للقلق بشأن السعودية على الإطلاق. فالمملكة موجودة منذ أكثر من 300 عام، ونحن الآن أمام الدولة السعودية الثالثة. الأسس هي نفسها ولم تتغيّر. والمملكة العربية السعودية هي بلد يحترم جميع مكوّناته. - كثيرون يشككون في ذلك.. الجبير: نحن بلد يحترم جميع مكوّناته، ولكن على طريقتنا. وأعني بذلك بأنّنا نتواصل مع الناس ونتشاور معهم بخصوص كلّ القضايا. كما أنّ الشعب يرتبط بأواصر متينة مع قيادته. ونحن لسنا بلداً فوضوياً. بل إنّنا نمتلك حساً تنظيمياً عالياً ونتابع الأمور بدقّة. كما أنّ سياساتنا كانت ثابتة على مدى السنوات السبعين الماضية - ولم يحصل أن قفزنا من التعاون مع الدول الغربية إلى العالم السوفييتي ثم عدنا من جديد إلى دول الغربية – هذا الأمر لم يَبْدُر منّا على الإطلاق. ونحن لم نعهد الالتفاف، بل إنّنا مُتّسقون للغاية في مواقفنا. في بعض الأحيان، يتّهمنا الناس بالبطء في مواقفنا وتحركاتنا، وهم ذاتهم من يعتقد في أحيان أخرى، بأننا نتحرك بسرعة زائدة. وإذا ما كان الناس يقولون هذين الشيئين المتناقضين معاً، فأنا أفترض بأننا نسير بالسرعة الصحيحة. - سعادة الوزير شكراً لكم الجبير: أهلا وسهلا بكم.
مشاركة :