هل وجّه صندوق النقد الدولي رسالة دعم واضحة إلى قيس سعيد تونس - وصفت أوساط سياسية تونسية إعلان صندوق النقد الدولي عن اتفاق أولي ستحصل من خلاله تونس على قرض في ديسمبر المقبل بأنه رسالة إيجابية للرئيس قيس سعيد، خاصة أن موعد تسليم القرض سيتزامن مع الانتخابات التشريعية التي يراهن من خلالها الرئيس التونسي على صعود برلمان جديد يتسم بالجدية والنزاهة ويقطع مع فوضى البرلمان السابق. وقالت الأوساط السياسية التونسية إن تزامن تسليم القرض مع الانتخابات هو رسالة دعم من الصندوق ومن ورائه الولايات المتحدة لوجود شخصية قوية يمكن أن تساعد البلاد على الخروج من أزمتها وتشرع في الإصلاحات الاقتصادية العاجلة التي يحتاجها الاقتصاد التونسي. وأعلن صندوق النقد الدولي يوم السبت عن اتفاق أولي على مستوى الخبراء لمنح تونس قرضا بقيمة 1.9 مليار دولار على مدى 48 شهرا، هي في أمسّ الحاجة إليه لإنعاش المالية العمومية. واعتبرت هذه الأوساط أن الولايات المتحدة، ذات التأثير القوي في صندوق النقد، باتت مقتنعة بضرورة دعم المرحلة الانتقالية التي تعيشها تونس بما فيها إجراء الانتخابات والتشجيع على أن تكون هذه الانتخابات نزيهة وأن تفرز برلمانا متنوعا، وأنها لا تدعم ديمقراطية الفوضى التي كانت سائدة في السابق، وهو ما يمثل رسالة قاطعة إلى من ما يزالون مراهنين على دعم الخارج لتغيير المشهد أو الضغط على قيس سعيد بأن الأمر قد انتهى. تسليم القرض مع الانتخابات هو رسالة دعم دولي لوجود شخصية قادرة على إخراج تونس من الأزمة وأكدت الولايات المتحدة الاثنين أهمية وجود “حكومة ديمقراطية” بينما تستعد تونس لانتخابات مبكرة، وأعربت عن التزامها بـ”دعم الشعب التونسي في هذه الفترة الحرجة”. جاء ذلك في بيان للسفارة الأميركية عقب لقاءات في تونس أجراها نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل كريستوفر لومون بين 14 و16 أكتوبر الجاري. وقالت السفارة إن لومون “التقى مع عدد من ممثلي المجتمع المدني النشط في تونس الداعين لعملية سياسية ديمقراطية تشاركية تحمي الحريات الأساسية، بما في ذلك الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي”. وشدّد لومون على “التزام الولايات المتحدة المستمر بدعم الشعب التونسي خلال هذه الفترة الحرجة”، وفق البيان. وخلال لقائه مسؤولين بوزارتي الخارجية والداخلية والهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أكد “أهمية وجود حكومة ديمقراطية شفافة ومتجاوبة في الوقت الذي يستعد فيه التونسيون للانتخابات البرلمانية القادمة وسط تحديات اقتصادية متزايدة”. ويقول مراقبون إن الولايات المتحدة التي وجدت في أكثر من مرة موقفا حازما من قيس سعيد بشأن التدخلات الخارجية، باتت تقارب الموضوع التونسي من زاوية الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يحتاج إلى إجراءات عاجلة لمنع تدهوره، وإن التونسيين وقفوا خلال الفترة الماضية على أن إعطاء الأولوية للموضوع السياسي والانتقال الديمقراطي لم يفض إلى نتائج إيجابية وعلى العكس فقد قاد إلى الفوضى، وإنها تدعم الآن إعطاء الأولوية للإصلاحات الاقتصادية. وأظهرت تجارب كثيرة أن مقاربة الأزمات يجب أن تبدأ بالموضوع الاقتصادي وتحسين أوضاع الناس ثم البحث عن تعميق الديمقراطية، لكن ما شهدته تونس هو العكس حيث قاد الاستغراق في الإصلاحات السياسية إلى تهميش الوضع الاقتصادي، وما انجر من وراء ذلك من ارتفاع حاد في الأسعار وندرة في المواد الأساسية وعجز الحكومة عن الإيفاء بالتزاماتها، وهذا كله نتائج لسياسات الحكومات السابقة. ويعتقد المراقبون أن صندوق النقد لديه ثقة في أن حكومة الرئيس قيس سعيد أصبحت قادرة على تنفيذ التعهدات وبدء الإصلاحات وفق أجندة واضحة، على عكس حكومات سابقة كانت تطلق الوعود دون أن تقدر على اتخاذ قرار تنفيذها بسبب تعدد جهات اتخاذ القرار. وتعوّل تونس كثيرا على نتائج القرض الجديد من الصندوق لتخفيف حدة الأزمات الداخلية بعد ارتفاع أسعار الكثير من السلع والخدمات وما نجم عن ذلك من تململ اجتماعي يمكن أن تتفاقم مخاطره في الفترة المقبلة، حيث باتت الحكومة مطالبة بالوفاء باستحقاقات عاجلة لمنع اتساع نطاق الغليان الاجتماعي. وكان الصندوق قال في تصريحات سابقة إن “السلطات التونسية وخبراء الصندوق حققوا تقدما جيدا في تحديد المعالم الرئيسية للسياسات والإصلاحات التي يمكن أن يدعمها برنامج الحكومة مع الصندوق”، مرحبا “بانفتاح الحكومة التونسية والشركاء الاجتماعيين على الحوار البناء بشأن تنفيذ برنامج إصلاحي مراعٍ للاعتبارات الاجتماعية وداعم للنمو”.
مشاركة :