حقق الاقتصاد الأمريكي مزيداً من الانتعاش خلال عام 2015 وارتفعت نسب ثقة المستهلكين الأمريكيين عما كانت عليه في الأعوام التي سبقت. إلا أن الأيام الحلوة التي شهدت معدلات نمو تجاوزت 3% أصبحت من الماضي. وقد اقترب الاقتصاد من مستويات ما قبل أزمة 2008 لكنه لم يعد إلى وضعه الطبيعي حتى الآن. فمعدلات إنفاق المستهلكين تحسنت كثيراً لكنها لم تحقق مستويات ما قبل الأزمة والشيء نفسه ينطبق على ثقة المستهلك. أما الشركات فلا تزال تنفق على الاستثمار في الحد الأدنى مخصصة القسم الأكبر مما لديها من النقد لإعادة شراء الأسهم وتسديد حصص الأرباح للمساهمين، أو تسعى لنقل مقراتها الرئيسية خارج الحدود بحثاً عن ملاذات ضريبية. ولهذا باتت قضية ارتداد الشركات مؤخراً من أهم القضايا. أما الحكومة فكان همها الأول وعلى جميع المستويات، خفض النفقات. والنتيجة أن خفض معدلات البطالة إلى حدود ما كانت عليه عام 2006 استغرق أكثر من ست سنوات. وحتى اليوم لا يزال عدد الأمريكيين العاجزين عن العثور على فرصة عمل، 15.7 مليون أمريكي، مرتفعاً بالمعايير التاريخية وبعيداً جداً عن معدلات الانتعاش الفعلي. وقد كف ملايين الباحثين عن عمل ممن تجاوزوا سن الخامسة والستين، عن البحث لتخفيف نسبة مشاركة العمالة إلى المستوى الذي عرفته البلاد في عهد الرئيس جيمي كارتر. ومع ذلك شهد عام 2015 تحسناً ثابتاً وهذا مطمئن نسبياً. ويحقق الاقتصاد الأمريكي نمواً بنسبة 2.2% وقد وفر أكثر من 200 ألف وظيفة شهرياً ما خفض معدلات البطالة إلى حدود 5%. ومع تقلص عدد العاطلين عن العمل تواجه بعض الشركات ضغوطاً لرفع الأجور ، حيث يشهد أجر الساعة زيادة حثيثة منذ أن بدأ الانتعاش. وسجلت مبيعات السيارات قفزات جديدة لكن ذلك مرده إلى ارتفاع متوسط عمر السيارات التي تسير على الطرق حيث صارت نسبة منها بحاجة للاستبدال. كما أن تدني تكاليف الإقراض ساعد على تنشيط شهية الشراء لدى المستهلكين. ويشهد سوق البيوت انتعاشاً متتالياً يحفز على مزيد من المشاريع في وقت تشكو فيه شركات البناء من نقص العمالة المدربة في القطاع ومن نوعية المشترين الذين يقبلون بشروط الإقراض الصارمة. وأخيراً ووسط هذه الصورة أقدم الاحتياطي الفيدرالي على رفع أسعار الفائدة لأول مرة منذ تسع سنوات بقيت الفائدة الصفرية فيها هي السائدة، وتعد مدة زمنية كافية في نظر المحللين للدلالة على الوهن الذي أصاب الاقتصاد الأمريكي خلالها. ومن أبرز أسباب بطء النمو في الاقتصاد الأمريكي حالة الفوضى التي سادت ما بعد الأزمة المالية التي كانت قاتلة فقد فيها المواطن الأمريكي عمله ومنزله ومدخراته. ولم يكن حال الشركات أفضل. لهذا عمد الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة إلى حدود الصفر. وينتظر أن تضيف تقارير الاقتصاد الأمريكي مزيداً من الوضوح على التقدم الذي يحرزه وإن كانت معدلات نموه لم تصل إلى عهدها السابق عند 3.3%. ويتوقع أن تشهد ثقة المستهلك بعض التحسن في ظل التأثير الإيجابي لأسعار الوقود المنخفضة. وقد كشف آخر تقرير حول إعانات البطالة عن تراجع لافت ليصل إلى أدنى مستوى له منذ عام 1973. لكن في الوقت نفسه تقول تقارير حكومية حول التجارة الدولية إن وضعها غير مشجع. فقد أثر الدولار القوي وضعف أداء الاقتصاد العالمي في حجم الطلب على السلع الصناعية الأمريكية وبالتالي على حركة الصادرات. وشكل الضرر الذي لحق بمبيعات وأرباح كبريات الشركات الأمريكية على أداء الاقتصاد عموماً خلال عام 2015 ما اضعف شهية الشركات لمزيد من الاستثمارات أو التوظيف الذي بقي دون معدلات عام 2014. ومن المتوقع أن تستمر تلك الضغوط خلال العام الجديد. ويبقى السؤال الملح في الفترة الحالية ما إذا كانت ظروف الطقس السيئ وعوامل أخرى سوف تضعف نتائج الربع الأول كما حدث العام الماضي. وقد حقق الاقتصاد الأمريكي معدلات نمو بلغت وسطياً 0.8% خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام منذ 2010 حتى الآن. بالمقابل حقق الناتج الإجمالي المحلي نمواً بنسبة 3.1% في الربع الثاني و2.2% في الربع الثالث و2.6% في الربع الأخير. وفي حال تكررت نسب النمو تلك فمن المستبعد أن يسارع الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة بشكل متتابع وهو ما أعرب عنه المجلس صراحة حيث ربط تحركه بما يصدر عن الاقتصاد من تقارير إيجابية. ومثلما كان نمو الاقتصاد بطيئاً فلن يكون تحرك المجلس سريعاً.
مشاركة :