يحتدم بالجزائر حاليًا جدل حاد حول فترة حرجة من تاريخ البلاد تتعلق بدور قادة الجيش في إزاحة الرئيس الشاذلي بن جديد مطلع 1992، على أثر تدخلهم لإلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في نهاية 1991. ولا يزال قطاع واسع من الجزائريين، بعد مرور 24 سنة عن الحادثة، يتساءل إن كان ما وقع «انقلابا على الشرعية». وقال خالد نزار وزير الدفاع سابقا، في مؤتمر صحافي عقده الليلة ما قبل الماضية بالعاصمة، أن الشاذلي (توفي في 2012) «استقال بمحض إرادته ولم ندفعه للاستقالة». وكان نزار أيام الأحداث الرجل القوي في النظام بحكم منصبه، ولم يتردد في إعلانه تحمل مسؤولية قرار وقف زحف الإسلاميين نحو السلطة، بإلغاء الدور الثاني من انتخابات البرلمان التي كان يرتقب أن يجري في النصف الثاني من يناير (كانون الثاني) 1992. وقد خرج نزار عن صمته، على أثر نشر صور فيديو في صحيفة إلكترونية محلية، يظهر فيها رجل الثورة حسين آيت أحمد المتوفى في 25 من الشهر الماضي، يقول إن نزار عرض عليه رئاسة البلاد خلفا للشاذلي بن جديد وإنه رفض ذلك، بحجة أن «العسكر بقيادة وزير الدفاع نفذوا انقلابا على الشرعية الديمقراطية». وفي فيديو آخر، يذكر وزير حقوق الإنسان وعضو «المجلس الأعلى للدولة» سابقا، علي هارون، أن نزار اقترح على آيت أحمد قيادة الدولة بعد الأزمة السياسية الحادة التي نتجت عن الوقوف حائلا دون وصول «جبهة الإنقاذ»، إلى البرلمان، وعن استقالة (أو إقالة) الرئيس بن جديد. وقال نزار بشأن الموضوع: «لم أعرض أبدا على الراحل آيت أحمد رئاسة الدولة، كل ما في الأمر أنني التقيته 4 مرات خلال الأيام الصعبة التي أعقبت استقالة الشاذلي الذي تنحى طواعية، ولم يضغط عليه الجيش بغرض إبعاده كما يشاع. لقائي بالسيد آيت أحمد كان في إطار مشاورات عقدتها من موقعي وزيرا للدفاع، مع كل أطراف الطبقة السياسية بهدف إيجاد حل للأزمة». يشار إلى أن آيت أحمد كان رئيس حزب «جبهة القوى الاشتراكية» المعارض، الذي حلَّ ثانيا في ترتيب الفائزين في انتخابات البرلمان. وبالنسبة له، الأمر لا يعدو كونه انقلابا عسكريا. وفتح تدخل العسكر في السياسة، أبواب جهنم على الجزائر التي عاشت إرهابا مدمرا لمدة تفوق 10 سنوات. وجرى اتصال خامس بين نزار وآيت أحمد في منفاه الاختياري بسويسرا، خلال نفس العام، وذلك عن طريق مستشار وزير الدفاع الجنرال محمد تواتي. وخلال هذا اللقاء ينفي نزار أنه عرض على رجل ثورة التحرير الرئاسة.. «فقد طلبت منه العودة إلى البلاد للمشاركة في فترة انتقال من حالة اضطراب إلى الحالة العادية، لكنه رفض». ونشرت أمس صحيفة محلية، تصريحا لرئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق الجنرال محمد بتشين، جاء فيه أن اقتراح الرئاسة على آيت أحمد من طرف نزار «حقيقة مؤكدة يعرفها الجميع». ومعروف أن قادة المؤسسة العسكرية وجدوا صعوبات جمة في التعامل مع الوضع، بعد أن ثار الإسلاميون على قرار حرمانهم من الفوز بالانتخابات. فلجأوا في تلك الظروف الصعبة إلى رجل الثورة محمد بوضياف الذي كان يعيش في المغرب، وأقنعوه بدخول البلاد لقيادة «مجلس الدولة» وهو إدارة جماعية لشؤون البلاد، تألفت من عدة مسؤولين يقودهم وزير الدفاع نزار. وبعد ستة أشهر من تسلمه الحكم، اغتيل بوضياف (29 يونيو (حزيران) 1992 على أيدي ضابط في القوات الخاصة أشيع أنه متعاطف مع الإسلاميين. ولا تزال ظروف الاغتيال غامضة إلى يومنا، والرواية الأكثر تداولا أن «نافذين في النظام قتلوا بوضياف لتشويه صورة الإسلاميين، وتبرير قمعهم بالسلاح». وتعود اليوم (الاثنين) 11 يناير، الذكرى الـ24 لما يسمى في الصحافة «وقف المسار الانتخابي»، ولا يزال نفس السؤال مطروحا: هل ما حدث كان «انقلابا على اختيار الشعب»، كما يقول الإسلاميون، أم «إنقاذا للجمهورية من الإرهابيين»، كما يذكر العلمانيون والنخبة الفرنكفونية المتنفذة في الحكم ووسائل الإعلام؟
مشاركة :