لندن - قدمت وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برايفرمان الأربعاء استقالتها في قرار يأتي بينما تكابد رئيسة الوزراء ليز تراس للحفاظ على منصبها وسط أزمة سياسية تفجرت بعد نحو ستة أسابيع من توليها مهامها. وعزت برايفرمان استقالتها إلى ارتكابها خطأ باستخدام بريدها الإلكتروني الشخصي في إرسال وثيقة رسمية إلى "زميل برلماني أهل للثقة". وفي كتاب استقالتها الذي نشر على تويتر. لكنها لفتت أيضا إلى أن الحكومة "لم تف بوعود رئيسية" من بينها مكافحة الهجرة غير القانونية. ومن شأن الاستقالة أن تفاقم متاعب رئيسة الوزراء التي دافعت الأربعاء في البرلمان عن نفسها في مواجهة سيل من الانتقادات بعدما اضطرت للتراجع عن برنامجها الاقتصادي مؤكدة أنها "محاربة وليست شخصا ينسحب". وتراس التي تراجعت شعبيتها أكثر من أي وقت وتواجه اعتراضات من داخل غالبيتها، كانت صامتة بعد ستة أسابيع على دخولها إلى داونينغ ستريت. وخرجت عن صمتها فقط لكي تعتذر في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" بعد تراجعها المذل عن خطة خفض الضرائب الموعودة. وواجهت اختبارا مهما خلال لقائها الأسبوعي في جلسة المساءلة في البرلمان. وقالت "أنا مستعدة للمواجهة، مستعدة لاتخاذ قرارات صعبة". وبنبرة تحد، حاولت الدفاع عن سياستها وسط صيحات الاستهجان والدعوات للاستقالة من المعارضة العمالية وإقناع المحافظين في حزبها بقدرتها على البقاء في داونينغ ستريت. وتساءل زعيم المعارضة العمالية كير ستارمر "ما فائدة رئيسة وزراء لا تصمد وعودها أسبوعا؟ معددا كل الإجراءات التي اضطرت تراس للتراجع عنها بضغط من الأسواق ومعسكرها، مضيفا "كيف يمكن تحميلها المسؤولية عندما لا تكون مسؤولة؟". وتعود الأزمة إلى تقديم "الموازنة المصغرة" في نهاية سبتمبر/ايلول من قبل وزير ماليتها آنذاك كواسي كوارتينغ والتي تتضمن خفض ضرائب بشكل كبير ودعما قويا لفواتير الطاقة، الأمر الذي أثار مخاوف من تراجع الحسابات العامة. وسجل الجنيه الاسترليني تراجعا إلى أدنى مستوياته وارتفعت معدلات الاقتراض الحكومي طويل الأجل. واضطر بنك انكلترا للتدخل لمنع الوضع من التدهور إلى أزمة مالية. وفي محاولة لتهدئة العاصفة الاقتصادية والسياسية، اضطرت رئيسة الوزراء لتعيين وزير مالية جديد هو جيريمي هانت المكلف بإصلاح برنامجها الاقتصادي وطمأنة الأسواق حيال خطة موازنة الحكومة خلفا لكواسي كوارتنغ الذي أقيل من منصبه. وأعلن هانت العودة عن كل التخفيضات الضريبية التي وعدت بها رئيسة الوزراء وحذر من أنه يجب الادخار في الإنفاق العام مثيرا شبح عودة التقشف كما حصل بعد الأزمة المالية في 2008. ومع تسارع التضخم إلى 10.1 بالمئة في سبتمبر/أيلول وهو أعلى مستوى منذ 40 عاما، "يجري التحضير لتمرد في صفوف المحافظين"، بحسب صحيفة ديلي تلغراف، فيما تطرقت صحيفة 'تايمز' أيضا إلى هذا "التمرد" معتبرة في الوقت نفسه أن مثل هذا القرار الذي لا يحظى بشعبية غير مرجح. وحرص وزير المالية الجديد على طمأنة البريطانيين صباح الأربعاء قائلا "هذه الحكومة تعطي الأولوية للفئات الأكثر ضعفا مع تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاتجاه نحو نمو طويل الأمد يرغب فيه الجميع" وذلك في تعليق على بلوغ التضخم ذروة جديدة. وإذا كان الوضع السياسي لا يزال فوضويا، فإن ضبط الوضع الاقتصادي هذا يبدو أنه طمأن الأسواق وصندوق النقد الدولي الذي رحب بالعودة إلى "الانضباط المالي" في وقت يلوح فيه الركود في الأفق. لكن الحركات الاجتماعية تواصل التزايد، فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد يوغوف أن بريطانيا من أصل عشرة لديه رأي إيجابي تجاه تراس، وواحدا من خمسة لدى ناخبي القاعدة المحافظة. واعتبر 55 بالمئة من أعضاء الحزب أن ليز تراس يجب أن تستقيل فيما عبر 38 بالمئة فقط عن رغبتهم في بقائها في منصبها. وقبل سنتين من الانتخابات البرلمانية المقبلة، تتقدم المعارضة العمالية على المحافظين في استطلاعات الرأي. وحض خمسة نواب من حزب تراس، رئيسة الحكومة على الرحيل. وبسبب عدم وجود شخصية تخلفها بشكل واضح، يبدو المحافظون مترددين في خوض عملية تعيين جديدة وطويلة ويسعون إلى توافق على اسم، لكنهم ليسوا قريبين من تحقيق ذلك. وقال وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي لشبكة "سكاي نيوز" صباح الأربعاء "لا أعتقد حقا أن بدء حملة جديدة للتخلص من رئيس وزراء آخر سيقنع البريطانيين بأننا نفكر فيهم وليس في أنفسنا ولن يقنع الأسواق بأن تبقى هادئة".
مشاركة :