الشّاعر الذي تَقَشَّفَ في الشّعرِ و في الحياة

  • 10/21/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الشّاعر الذي تَقَشَّفَ في الشّعرِ و في الحياة   شهادة الشاعر : لفتة سلمان الظفيري وقع نظري أوّل مرّة على الشّاعر الراحل سامي مهدي في صيف عام 1967 في مقهى عارف آغا في شارع الرّشيد في بدايته من جهة ساحة الميدان حيث كان يجلس مع مجموعة من الأدباء على مقربة من وجاق دِلال الشّاي و كنتُ أجلس مع مجموعة من الأدباء و الشّعراء على الأريكة التي تُقابل الشاعر عبدالأمير الحصيري  ، و كانت ظلالُ نكسة حزيران قد لوّنت الأجواء السّائدة آنذاك . و كان الروائي عبدالرّحمن مجيد الربيعي  قد نشر قصة في مجلّة( المعرفة ) السّورية بعنوان (شاعر المئة مليون) أو هكذا أتذكّر و كان يعني بذلك الحصيري . أقول هذا لأرسم صورة تُفصح عن بعض ما كان يدور ، الا انني ينبغي لي أن أقول: إنّ الحصيري - و هو كثير الخصومة مع بعض الأدباء أو الشّعراء لأسباب شتّى - لم يأتِ على ذكر الراحل سامي مهدي بكلمة سوء طيلة الفترة التي كنت قريباً منه فيها و نحن نذهب في كل أسبوع مرّة او مرّتين الى مقهى خليل أو غيرها على ضفاف دجلة بداية شارع أبي نواس من جهة  جسر الجمهورية مشياً مخترقين شارع الجمهورية و شارع الكفاح انطلاقاً من مقهى عارف أغا او الزّهاوي أو غيرهما عصراً . اما اللقاء الثّاني فكان في مدرسة التّسامي الابتدائية في حي الحريّة في عام 1971 و هو يجمع المهتمين بالأدب و الكتابة  في تنظيم للكتّاب و الأدباء على ما يذكر الصّديق الكاتب الصحفي شامل عبد القادر في الخبر الصحفي الذي نشره في جريدة (المشرق ) البغدادية في الرابع من أيلول 2022 أما أنا فلم أعد أذكر من ذلك شيئاً سوى ظلال باهتة من آثار زيارة تلك المدرسة التي كنت أعرف مديرها آنذاك . و في صيف عام 1973 دعاني أحد منظّمي المهرجانات الذين كانوا يعرفون اهتمامي بكتابة الشّعر و حينما حضرتُ وجدتُ الأستاذ سامي مهدي قد سبقني في الحضور فطلب منا ذلك الصّديق أن نتوجّه الى دار في الكاظمية تقع قرب الشّوصة فأقلّني الرّاحل في سيّارته الفولكس واكن( عربة الشّعب ) و وصلنا المكان المقصود لنجد في انتظارنا شخصاً طويل القامة ، كثّ الشاربين ، و مُشرباً وجهه بحمرة الدّماء فكان ما طلبه منّا أن نكتب هتافات تُرفع  في المناسبات فتصدّى له الصّديق الراحل غاضباً بما يُعرف عنه من الجِدّ في الرَّدِّ و اللهجة الشّديدة التي لم يستطع على أثرها  أن يَنبسَ  ذلك الرّجل بكلمة واحدة ، و لقّنه درساً في الشّعر و ما يعنيه الشّعر! فتركناه بعد قليل و في أثناء عودتنا سألني الرّاحل هل تحضر لقاءات التنظيم الأدبي ؟ فأجبتُهُ بالنّفي فطلب منّي الحضور الى جريدة الثّورة في ساحة عقبة بن نافع و قد كلّم الأستاذ عبدالأمير معلّة ليضمنّي الى التنظيم الأدبي الذي كان  يقود حلقةً منه في مقرّ جريدة الثّورة و قد اتّسع ليشمل (عناصر عديدة بعضهم من الشّيوعيين السّابقين و ذوي الميول الماركسيّة ، و قد انفرط عقده لاحقاً و أصبح نسياً منسيّاً)  حسب ما ورد على لسان الصّديق الناقد عبدالحسين صنكور . و كان معنا يحضر تلك الإجتماعات الأدباء : عبدالحسين صنكور و خزعل الماجدي و غزاي درع الطّائي و صاحب الشّاهر  و حسن حمادي السّاعدي . و قد أحدث توجيه الراحل لي بالإنخراط في هذا التنظيم منعطفاً مهمّاً في حياتي الأدبية و عَرّفني على كثير من الأدباء و أنا الذي لازمني الخجل الريفي فترة طويلة و منعني من الإحتكاك بكثير من أدباء تلك المرحلة . و لأول مرّة نشر لي الأستاذ معلّة قصيدة (الحصاد ) في ملحق جريدة ( الثّورة ) اليومية في تموز عام 1974. أما اللقاء الثّالث فقد حصل في أثناء عودتي في إجازة الصيف عام 1985 -حيث كنت موفداً للتدريس في المدرسة العراقيّة التكميلية في لندن من تشرين اول عام 1981 حتى تموز عام 1987- و كنتُ فكّرت في ترجمة قصائد لشعراء الى اللغة الانكليزية ، فوقع اختياري على الشّاعر حميد سعيد الذي قدّم لي بعض نصوصه دونما تردد أو تعليق و هذا مالمسته كذلك من الصّديق خزعل الماجدي الذي سُرّ بهذا المشروع الا انني حينما زرت الأستاذ سامي مهدي فاجأته بسؤال  عن مسقط رأسه احسستُ أنه لا يرغب بأن يطرحه أحد عليه بعد أن قرأت على الغلاف الخلفيّ لمجموعته ( رماد الفجيعة ) بأنّ مسقط رأسه ( مدينة الفلوجة ) فحاول أن لا يجيب عن هذا السؤال لا بالإيجاب و لا بالنفيّ و شعرت آنذاك أنّه كان يريد أن لاينسب نفسه الى جهة من جهات الأرض و أن يكون لونه عالمياً و هكذا كان ، و لكنني يدفعني الفضول علمت فيما بعد أنّ أمّه ربّما جاءها المخاض في بيت أخواله فكانت الفلوجة هي المحطة الأولى التي يواجه بها سامي هذه الدّنيا . أقول بعد هذا الاستطراد انني بعد زيارة حميد سعيد و خزعل الماجدي لطلب نصوص للترجمة زرت الراحل العزيز سامي مهدي  لطلب بعض من نصوص قصائده إلّا أنه لم يستجب مثلما استجاب الذين زرتهم من قبلُ فراح  يُناقشني عن منهجي في إختيار قصائد الترجمة و يَطرح عليّ تساؤلات كثيرة بعضها لم أجد نفسي قادراً على إقناعه في ردّي عليها فخرجتُ منه بلا نصّ و هذا هو الأستاذ سامي مهدي لا يستجيب بسهولة لما يُطلبُ منه دون قناعة ، و هو الذي كان يكتب القصيدة نحتاً دقيقاً دون أن يكسوها بما يزيد ، و أحسبُ  أنّ هذه طبيعة لازمته منذ بداية الكتابة تعودُ على ما نشأ عليه من تربية صارمة لأبيه الذي كان يمتلك دكاناً في المحلّة التي يقيم فيها و كان يعتمد على ولده أحياناً في إدارة شؤون هذا المحلّ و هكذا بدأ يتعامل بحرص شديد انعكس في لاوعي الراحل و اتضحت آثاره في مفردات الحياة المادية و انعكاسها على مفردات اللغة في التعبير  دون زيادة أو نقص . و هو حينما أكمل الدراسة الإعدادية و أراد أن يتقدّم الى دار المعلمين العالية - قسم اللغة العربية انحرف عن هذا التوجّه لدراسة الإقتصاد في كلية الآداب بنصيحة من زميله محمد الهاشمي الذي رغّبه بالإقتصاد  ( بحديثه عنه بوصفه من علوم المستقبل… )كما أنه( أي الرّاحل ) على حدّ ما قاله في ( ذكرياته )  :( درسنا أوّليات هذا العلم في الثانويّة، و كنت يومها من محبيه، و من المعجبين بمدرّسه الأستاذ صبري محمد حسن ) كلّ تلك العوامل كان لها انعكاس على طبيعة الجملة الشعرية ، و على القصيدة التي تَقَشّفتْ بين يديه فكان شكلها يعبّر عمّا تحتويه فلا يزيد هذا عن ذلك شيئاً . في نهاية هذه الشهادة أريد أن أضع إصبعي على مسألة اختلف بها الراحل الخالد من بين الكثير من مجايليه ألا و هي أنّه كان مثار جدل فيما يقفه تجاه الأشخاص في الحياة من مواقف متشدّدة كما يبدو لهم في مجتمع لم يعتد إلّا على الإلتفاف في شرنقة المجاملات التي مَزّقَها صدقُ الشّاعر المتفرّد في السلوك و في الشعر . إنّه كان منسجماً مع المباديء التي آمن بها ، و ليس العيب في أن يكون في حياته متّفقاً مع الفلسفة و القيم التي آمن بها بل العيب الإجتماعي يوصم به هؤلاء الذين يضيّعون فرص الحياة في فوضى المجاملات التي تهدر الوقت هدراً فيضيع الجوهر المطلوب و تهرب من الأصابع محركّات التغيير الذي يُسعد في ظلّه الجميع. فسامي مهدي الحيّ بمواقفه و بما تركه من تراث أدبي و شعريّ رصين سيبقى مثيراً لحوارات لا تنتهي فهو لم يمت بل انتقل الى الضفّة الأخرى من الحياة ليرى الصورة من جوانبها المختلفة باحثاً عن السّلام و نحن في انتظار أن يعود لنا حاملاً عشبةَ الأمان . و في أواخر تسعينيّات القرن العشرين كان الأستاذ رئيس تحرير جريدة الثّورة التي تقع في ساحة عقبة بن نافع على طريق معسكر الرّشيد و كنتُ أشدّ الرّحال إليه متأبِّطاً واحدة من قصائدي لنشرها في الجريدة الّا أنني كنتُ لا أرضى بتسليمها الا له بالذّات و لم يَسُدّ بابه يوماً في وجه من يطلب مقابلته فكان يستقبلني باهتمام و احترام و كلّ ما سلّمته من قصائد نُشِرَ دون تأخير طويل . و في زيارة من زياراتي له في الجريدة كنتُ عائداً من لندن و قد اشتريت كتاباً صغيراً فيه ترجمة لقصائد السّياب و ربما آخرين ترجمها عبدالله العروي فأبديتُ رغبتي بإهدائها إليه فأشار عليّ أن أتركها لدى زوجته القاصّة ثبات نايف في جريدة الجمهوريّة و قد فعلتُ . كان سامي سامياً في خُلُقِهِ الكريم ، و كان مُقلّاً في كلامه ، لا يُجامل على حساب المباديء ، و لا تأخذه في الحقّ لومَةُ لائمٍ ، و هو الذي أخذ بيدي ليضعني في قلب الأحداث الأدبية و يجمعني بطيف واسع من الأدباء ، بمستوى لا يقلّ أهمية عن دور استاذي قيس عبدالرحمن الحلّاق من هيت الذي درّسني اللغة العربية في المرحلة الأولى في دار المعلمين الإبتدائية في محافظة الأنبار يوم كانت تسمى الرّمادي في عام 1965 و هو الذي دلّني على المقاهي التي يجلس فيها الأدباء و الشّعراء في مقهى الشابندر و الزّهاوي و غيرهما من المقاهي التي كانوا يرتادونها باستمرار في شارع المتنبي او الرّشيد . و في مساء 2017/6/29 دعاني صديق العمر الأستاذ الكاتب شامل عبدالقادر بأن نلتقي في بيت الصّيدلاني عزيز عذاب الذي هو صديق الأستاذ سامي مهدي وكذلك صديق شامل عبدالقادر فكان اللقاء بين أربعة هم : 1- الصّيدلاني عزيز عذاب صاحب الدار 2- الأستاذ الشاعرسامي مهدي 3- الأستاذ الكاتب شامل عبدالقادر 4- الشّاعر لفتة سلمان الظّفيري و كان الأستاذ سامي مهدي متماسكاً ، يتحدّث ردّاً على كثير من التّساؤلات المثيرة التي كان يطرحها شامل عبدالقادر على مائدة شهيّة أعدّها الصديق عزيز عذاب و في منتصف تلك الليلة  او بعد ذلك بقليل ودّعنا الصديق عزيز عذاب و أخذنا سيّارة أجرة لتحمل الثلاثة فأوصلنا في البداية الأستاذ شامل الى بيته و بقيت أنا و الأستاذ سامي الذي نزل أمام بيته في حي العامرية و أوصلني السّائق الى بيتي في حي الحسين . تلك الليلة هي آخر ليلة رأيت فيها الرّاحل الكبير الذي كانت علائم المرض بادية على يديه فقد أعوجّت أصابعه و لولا ذلك لما عرفتَ بأنّه مريض دون أن يُؤثِّرَ ذلك في عزيمته الحديد ، و إرادته التي لا تلين ! و قد حاولتُ بعد ذلك أن أزوره الا أن الصّديق الروائي حمدي مخلف الحديثي لم يشجّعني على ذلك و قال لي بأنّ حالته الصحيّة تمنعه من استقبال الزّائرين . و حين اقترحت على الأصدقاء أن نلتقي في بيتنا لندعو مجموعة من الأدباء و الشعراء و منهم من كان يطرق بابنا بين حين و آخر أمثال الدكتور محمود فرحان رئيس إتحاد الأدباء و الكتاب في الأنبار و الشّاعر الدكتور ريكان ابراهيم و الرّوائي حمدي مخلف الحديثي و الرّوائي راسم الحديثي و كذلك الشّاعران فائز الحداد و طلال الغوّار و قد اتصلتُ بالأستاذ الصّديق النّاقد الأدبي و الفنّي مؤيد البصّام و طرحت عليه الفكرة رحّب بها و ذكرتُ له هل يمكن أن ندعو الأستاذ سامي للحضور  لعلمي بأنه عازف عن الخروج من البيت فقال لي : أنا سأقنعه بالحضور إلا أن ذلك اللقاء لم يتمّ و خسرنا بذلك التواصل مع الرّاحل و ضاعت منا فرصة ثمينة إن ذلك التقشّف بادٍ عليه في سلوكه اليوميو و التقشّف هنا بمعنى الزّهد الذي كان يعيشه أي أن يأخذ ما يكفيه مما يحتاج إليه دون تبذير و تلك لَعَمري فلسفة تتصل بما يراه المتصوّفة و قد رأينا ذلك فيما يلبس فإنّه طيلة حياته لم يلبس سوى السّفاري و لم يركبه التباهي بالمظهر في يوم من الأيام و في تقديري أنه كان يَصدر عن فلسفة آمن بها فحدّدت له كلّ شيء . أجل كان صديقنا الخالد زاهداً ، عفيفاً ، و نزيهاً و قد قست عليه الحياة خلال السنوات العشرين الأخيرة و لربّما لم يجد أحياناً ما يسدّ به مبلغ الدّواء حينما ساءت حالته الصحيّة في أواخر العمر . و إنّ فلسفته تلك وجدتْ طريقها الى  تفاصيل حياته ، فطبعتْ كلّ شيء بما كان يراه حتى قصائده تقشّفت فلم تأخذ من اللغة الا ما يسدّ حاجتها و ها هو ذا ينشر قصيدة (الحقيبة ) على صفحته في الفيس بوك في أواخر عام 2021 و هو مصداق ما تحدّثت به عن رشاقة القصيدة لديه و هي قصيدة رثاء حقيقيّ للذات و قد أعجبتُ بها أيّما إعجاب و عبّرت عمّا كان يعيشه من أحوال المتصوّفين و قد ارسلتها الى الصديق الشّاعر حميد سعيد في 2021/9/14 معلّقاً عليها و في أدناه  القصيدة و يليها تعليقي : قصيدة الحقيبة ما عدتُ أملكُ من متاعِ الأمسِ غيرَ حقيبةٍ رثَّتْ ، وحالتْ ، ليس فيها غيرُ أقلامٍ كتبتُ بها وأوراقٍ صنعتُ زوارقَ الأحلامِ منها ، وَهْيَ أفقرُ ما تكونُ الآنَ : أقلامٌ مُثلَّمةٌ ، وأوراقٌ بلا حلمٍ ، أقولُ لمنْ يراني : « إنني بلّغتُ ، لكنَّ البلاغَ .. » ويقطعُ الموتى حديثي قبلَ أن أفضي بما عندي ، فأحتضنُ الحقيبةَ ثمَّ أمضي غيرَ مكترثٍ لمن فهمَ البلاغَ ومن مضى عنّي ولم يفهمْه ، فهي حقيبتي وحدي ، وإن رثَّتْ ، وإن حالتْ ، وأعرف أنني سأعودُ ثانيةً إلى نفسي وأحلمُ ( لي من الأحلامِ ما يخضرُّ في الأرحامِ إن عقمتْ ) وأعرفُ أنه قَدَري ، وأعرف أنني ، وحقيبتي ، سنظلُّ نرتادُ الشواطيءَ في الضحى ، ونظلُّ نصنعُ للغواةِ زوارقَ الأحلامْ . و هذا تعليقي الذي نشرته في صفحة الأستاذ سامي مهدي ذاتها : ما أعجبَ هذا المحتوى الذي لا يَفيض على ما احتواهُ ! إنّهُ نصٌّ لا يَقوى على كتابته من تمنّى ، فهو يَجعلُ من الحقيبة موضوعاً لا يبتعد عن يدي كلِّ واحد منّا و لكن هيهات للمتمنّي أن يأتي بِمِثلِهِ. اللهَ الله ! إنّه نشيدُ كلّ واحدٍ منّا و قد بلغَ الغايةَ و لم يبلغ نهايتَها ! لم يبقَ من الحقيبة التي رَثّتْ سِوى هذا الشَّجنِ الذي لم يَجدْ له فيها حيِّزاً من الفراغ  فأخفاهُ نَصّاً ثانياً يُشير إليه النصّ المقروء ! أتحدّى من قرأ هذا النصّ و لم يحفظه نشيداً يُسَلّي به ما بَلَغته سَفينتُه التي حطّمتْها الرّيحُ الهوجاء ، و نَزَعتْ منها المسامير! إنّهُ نصٌّ يَنِزُّ رَثاءً ، و أجملُ ما قرأتُ في هذا الموضوع من الشِّعْرِ الحديث ، إنّه سيفتح المجال للقول الكثير ، و النقد البَهيّ! متّعك الله شاعرنا الكبير Sami Mahdi بالصّحة و العمر الطويل. و كان تعليق الشاعر الكبير حميد سعيد محبوب النّاس كما يلي : تعليق في الصميم . و في نهاية هذه الشهادة أريد أن أضع إصبعي على مسألة اختلف بها الراحل الخالد من بين الكثير من مجايليه ألا و هي أنّه كان مثار جدل فيما يقفه تجاه الأشخاص في الحياة من مواقف متشدّدة كما يبدو لهم في مجتمع لم يعتد إلّا على الإلتفاف في شرنقة المجاملات التي مَزّقَها صدقُ الشّاعر المتفرّد في السلوك و في الشعر . إنّه كان منسجماً مع المباديء التي آمن بها ، و ليس العيب في أن يكون في حياته متّفقاً مع الفلسفة و القيم التي آمن بها بل العيب الإجتماعي يوصم به هؤلاء الذين يضيّعون فرص الحياة في فوضى المجاملات التي تهدر الوقت هدراً فيضيع الجوهر المطلوب و تهرب من الأصابع محركّات التغيير الذي يُسعد في ظلّه الجميع. فسامي مهدي الحيّ بمواقفه و بما تركه من تراث أدبي و شعريّ رصين سيبقى مثيراً لحوارات لا تنتهي فهو لم يمت بل انتقل الى الضفّة الأخرى من الحياة ليرى الصورة من جوانبها المختلفة باحثاً عن السّلام و نحن في انتظار أن يعود لنا حاملاً عشبةَ الأمان

مشاركة :