أخفق البرلمان اللبناني للمرة الثالثة، أمس، في انتخاب رئيس جديد، وهو ما يعني اتجاه البلاد إلى «فراغ رئاسي»، وما يفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد. وحضر 119 برلمانياً من أصل 128 نائباً الجلسة العامة لمدة نصف ساعة. وتتطلب قواعد الانتخابات نصاباً بثلثي أعضاء البرلمان المنقسم سياسياً، وهو ما يعني أنه لا يمكن لأي حزب أو تحالف أن يفرض خياره. وأظهر فرز بطاقات التصويت وجود 55 ورقة بيضاء، بينما حصل السياسي المسيحي ميشال معوض على دعم 42، وحملت الأصوات الباقية شعارات سياسية كان من بينها «دكتاتور عادل». وبينما حدد رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة المقبلة في 24 أكتوبر، لانتخاب الرئيس، فإن خبراء ومحللين سياسيين من لبنان توقعوا انتهاء ولاية عون في 31 من الشهر الجاري، من دون التوافق على خلف له. واعتبر الباحث السياسي محمود فقيه، أن ما حدث كان متوقعاً، في غياب التوافق بين القوى السياسية، مؤكداً دخول لبنان في فراغ محتوم، وبقاءه رهينة التسويات والتوافقات داخلياً وخارجياً. وسبق أن شغر منصب الرئيس مرات عدة منذ الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990. وتوقعاً لفراغ آخر، كثّف السياسيون جهودهم للاتفاق على حكومة جديدة برئاسة رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي الذي يشغل حالياً منصب رئيس حكومة تصريف الأعمال، إذ يمكن أن تنتقل السلطات الرئاسية إلى الحكومة الجديدة. ويرى خبراء في تصريحات لـ«الاتحاد»، أن الكتل النيابية خططت لتأجيل انتخاب رئيس جديد للبلاد إلى ما بعد مغادرة الرئيس ميشال عون القصر الجمهوري في 31 من الشهر الجاري، مستبعدين حدوث توافق بين مكونات مجلس النواب قريباً. وأرجعوا ذلك إلى ما اعتبروه «غياب التوافق الخارجي على تسوية داخلية». وقال المحلل السياسي محمد الرز، إن الجلسة الأخيرة للبرلمان اللبناني أظهرت حرص عدد من الكتل النيابية على تأجيل انتخاب رئيس جديد للبلاد إلى ما بعد مغادرة الرئيس ميشال عون، موضحاً أنه لكل من هذه الكتل أسبابها، فنواب ميليشيا «حزب الله»، ومعهم نواب التيار الوطني الحر (العوني) يسعون لهذا التأجيل تحت شعار التوافق على شخص الرئيس الجديد، والهدف الحقيقي هو انتظار متغيرات محتملة أو تسويات إقليمية تسمح لرئيس التيار العوني جبران باسيل بالترشح للرئاسة الأولى. وأضاف الرز لـ«الاتحاد»، أن هناك كتلاً نيابية معارضة لكنها مشتتة في مواقفها، رغم أن مرشح المعارضة ميشال معوض حصل على 44 صوتاً نيابياً في الجلسة الأخيرة وهو رقم يعتد به. ولفت إلى أن القوى المنادية بالتغيير والمستقلين صوتوا لمصلحته، مؤكداً «لكنا أصبحنا أمام مشهد آخر، فالرئيس يُنتخب بأغلبية 86 صوتاً في الجلسة الأولى و65 صوتاً في الثانية»، مشيراً إلى أن هناك نواباً ينتظرون أن تتفاقم الأمور في مرحلة الشغور الرئاسي سياسياً ومعيشياً وربما أمنياً، وهو ما سيدفع بالجميع إلى البحث عن تسوية، وهنا يأتي اسم قائد الجيش جوزيف عون بمواصفاته القادرة على بسط الأمن والاستقرار ومحاربة الفساد كأمر واقع لا بديل له لإنقاذ لبنان ويحظى بقبول دولي وعربي وقد يكون هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحاً. ورئيس الجمهورية الحالي العماد ميشال عون، الذي تنتهي ولايته نهاية الشهر الحالي، يشغل المنصب منذ ست سنوات، وانتخب بعد شغور في موقع الرئاسة دام نحو سنتين ونصف السنة، فيما تتطلب قواعد الانتخابات نصاباً بثلثي أعضاء البرلمان المنقسم سياسياً، وهو ما يعني أنه لا يمكن لأي حزب أو تحالف أن يفرض خياره. إلى ذلك، اعتبر الباحث السياسي اللبناني أمين قمورية أنه إذا لم يحدث توافق مسبق بين القوى سيكون من الصعب أن يكون هناك رئيس للجمهورية خلال الفترة المتبقية من الولاية الدستورية لرئيس الجمهورية في 30 أكتوبر الجاري. وتوقع قمورية لـ«الاتحاد»، أن يدخل لبنان مرة أخرى في نفق الفراغ الرئاسي، لكن لا أحد يعرف إلى متى ستستمر تلك الفترة، وهذا ما يعرض البلاد إلى مزيد من الهزات والأزمات المتوقعة، إضافة إلى الأزمات الموجودة بالفعل. واتفق الأكاديمي والسياسي اللبناني بشير عصمت مع قمورية، موضحاً أنه لن يكون هناك رئيس في القريب العاجل، لأنه لا توافق بين مكونات مجلس النواب، وهناك توازن يتيح لكل فريق تعطيل النصاب دون أن يملك أي طرف أو تحالف توفير النصاب والأكثرية معاً، معتبراً أن القوى الخارجية المؤثرة في إعطاء ضوء أخضر ما لانتخاب رئيس للبنان منشغلة عن لبنان حالياً.
مشاركة :