يشهد العالم للأسف، ارتفاعاً بأعداد المصابين بالسكتة الدماغية بين الشباب، بعدما كانت معظم الإصابات بهذا المرض الخطير سابقاً تتركز في الحالات العائلية وكبار السن. وقبل حلول اليوم العالمي للتوعية من السكتة الدماغية الذي يصادف 29 أكتوبر من كل عام، توجهنا إلى مجموعة من الأطباء لتسليط الضوء على أسباب انتشار هذا المرض بين فئة الشباب حالياً، والغوص في طرق العلاج والوقاية، لحماية شبابنا وشباتانا من براثن هذا المرض الذي ما زال يحصد الكثير من الوفيات. بداية لا بد من معرفة الأسباب الكامنة وراء تزايد أعداد الشباب المصابين بالسكتة الدماغية، والتي يطلعنا عليها الدكتور سيبي جون، استشاري طب الأعصاب في معهد الأعصاب في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي. بخلاف الأسباب الوراثية، هنالك عدد من عوامل الخطر التي تزيد من احتمال تعرَض الشباب للسكتة الدماغية، وهي عوامل قابلة للتعديل مثل أنماط الحياة السيئة والبعيدة عن ممارسة الرياضة،اتباع أنظمة غذائية غير صحية والتدخين بكافة أشكاله. وهنالك عوامل أخرى تتعلق بالأمراض المُصاحبة مثل ارتفاع ضغط الدم والكوليسترول وشحوم الدم، علاوة على مرض السكري. وبذلك فإن إهمال علاج هذه الأمراض يزيد من خطر تعرض الشباب للسكتة الدماغية. تشمل عوامل الخطر بين الشباب التدخين والسكري وارتفاع ضغط الدم والكوليسترول. وعلى أي حال، هنالك عوامل أخرى قد تساهم في حدوث السكتة الدماغية بين الشباب، والتي من الممكن ظهورها لأسباب مرضية أخرى، بما يشمل الأسباب الوراثية، مثل أمراض القلب الخُلقية أو المُكتسبة، الاضطرابات الوراثية التي تؤثر على الأوعية الدموية في الدماغ، داء الخلايا المنجلية، اضطرابات المناعة الذاتية، صدمات الرأس أو الرقبة، أو الالتهابات التي تصيب الدماغ، مثل التهاب السحايا. يمكن لجميع الفئات العمرية الإصابة بالسكتة الدماغية. فعلى الرغم من ارتباط التعرض للسكتة الدماغية بالتقدم بالعمر، يبقى الشباب عرضة لمخاطرها. وبدءاً من الرضع إلى الأشخاص البالغين، يمكن لأي شخص التعرض لهذه الحالة الصحية الخطيرة، في حين هناك مجموعة من الأشخاص يُعتبرون أكثر عرضة من غيرهم. وتزداد احتمالات الإصابة بالسكتة الدماغية مع التقدم بالسن، حيث يحدث أكثر من ثلثي إصابات السكتة الدماغية بين أشخاص يتجاوز عمرهم 65 عاماً. ثمة أيضاً مشاكل طبية أخرى تزيد من احتمال الإصابة بالسكتة الدماغية بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الكولسترول وشحوم الدم، والسكري من النوع الثاني، ووجود إصابة سابقة بالسكتة الدماغية، أو نوبة قلبية، أو عدم انتظام ضربات القلب مثل الرجفان الأذيني. للبحث في هاتين المسألتين المهمتين، كان لا بد من أخذ رأي مختص، فكان الحديث مع الدكتور وقاص الفاروقي، استشاري الطب الفيزيائي وإعادة التأهيل في أمانة للرعاية الصحية، أبوظبي. تُعتبر السكتة الدماغية من الأمراض التي تُسبب العجز للبالغين وأكثرها شيوعاً بينهم. وتحدث نتيجة انسداد الشرايين الأمر الذي يُسبب توقف تدفق الدم إلى الدماغ، ويحرمه بالتالي من الأكسجين والعناصر الغذائية الضرورية لعمل الخلايا الدماغية. وتظهر هذه الحالة نتيجة انسداد الشرايين أو النزف. ومع تراجع إمدادات الأوكسجين، تبدأ الخلايا الدماغية بالموت. لذلك تحتاج السكتة الدماغية لرعاية طارئة وعاجلة لاستعادة تدفق الدم. ونؤكد دائماً على أن الوقت عنصر حاسم في تجنيب مريض السكتة الدماغية لمضاعفات خطيرة تُسبَب له عاهة مُستديمة وقد تقود لإزهاق حياته. ويُعتبر نجاح علاج السكتة الدماغية الحادة رهناً بسرعة الاستجابة ونقل المريض إلى وحدة رعاية السكتة الدماغية في المستشفى لإجراء التقييم المطلوب والصور الضرورية. وعند إسعافهم مبكراً، يتمكن المرضى من تلقي علاج إذابة التجلطات الدموية أو إزالتها باستخدام القسطرة. وتعمل هذه العلاجات على تحسين النتائج بالنسبة للمرضى عبر استعادة تدفق الدم. وبعد إجراء هذه الخطوات، يحتاج المريض لمراقبة مكثفة وفحوص إضافية للتحقق من سبب حدوث الخثرة. وبصرف النظر عن الإجراءات التي تُتخذ لعلاج السكتة الدماغية الحادة، فإن تدابير إعادة التأهيل في المراكز المتخصصة بعد التعافي من السكتة الدماغية أثبتت قدرتها على تحسين حالة المرضى واستعادة وظائفهم الطبيعية والوقاية من فقدان الحياة بسبب السكتة الدماغية. من الشائع أن تبدأ إجراءات إعادة التأهيل بعد التعرض للسكتة الدماغية بفترة تتراوح بين 24 و48 ساعة، أثناء تواجد المريض في وحدة رعاية السكتة الدماغية الحادة في المستشفى. ومع زيادة قدرة المريض على تحمل العلاجات المُكثَفة واستقرار حالته حتى يتم نقله خارج الجناح، وتحويله عموماً إلى وحدات إعادة تأهيل المرضى النزلاء، حيث يجري توفير 3-4 ساعات من العلاج يومياً. ويحظى بذلك بفرصة استعادة وظائفه الحركية وتحسين فرص شفائه. تُمثَل عملية إعادة تأهيل مرضى السكتة الدماغية برنامجاً مصمماً بشكل شخصي وفقاً لاحتياجات كل مريض، وتنطوي على عدد من الإجراءات والتدابير المقدمة بأيدي فريق عمل متكامل بهدف تدريب المريض على استعادة مهاراته التي خسرها بسبب الحالة الصحية التي تعرَض لها. وحسب أجزاء الدماغ التي تعرضت للضرر بسبب السكتة الدماغية، يمكن لإجراءات إعادة التأهيل المساعدة في استعادة النظر والقدرة على البلع والكلام والتفكير والحركة والإحساس ومهارات الحياة اليومية. وهنالك العديد من المُقاربات العلاجية لمساعدة مرضى السكتة الدماغية على التعافي، وتدور جميعها حول نفس المبادئ. فجميعها تصب في مسار الممارسة المتكررة للحركات لاستعادة الوظائف الحركية، ويجري تقديم العلاج بأيدي عدد من الأخصائيين. ويكون العلاج الفيزيائي مُوجهاً لتحسين أداء العضلات وقوتها وتعزيز القدرة على التنقل والتوازن والحركة، كما أنه مفيد في إدارة الألم والتشنج والوقاية منهما. يساعد العلاج الوظيفي في تحسين القدرات المعرفية، وقوة الأطراف العلوية والمدى والتنسيق والتدريب على النشاط الوظيفي. ويساهم العلاج الوظيفي أيضاً في علاج النطق لدى مرضى السكتة الدماغية الذين فقدوا القدرات المعرفية، مثل الذاكرة والمُعالجة وحل المشكلات والمهارات الاجتماعية والحكم والوعي بالسلامة. ويلعب مُعالج النطق واللغة دوراً في تحسين التواصل عبر استعادة القدرات اللغوية وتحسين القدرة على الكلام باستخدام تمارين مختلفة. ويكون أيضاً خبيراً في إعادة تأهيل البلع للأشخاص الذين لا يستطيعون تناول الطعام بعد السكتات الدماغية. كما يتعاون مُعالج النطق بشكل وثيق مع فريق الرعاية لتقديم التقييم والتوصيات بشأن الصعوبات المعرفية والمساعدة في إنشاء طرق للتواصل مع المريض مثل أجهزة الاتصال المساعدة أو لوحات الصور. يبقى المتعافون من السكتة الدماغية عرضة لتكرار حدوثها في المستقبل. وعلى الرغم من الجهود المبذولة في المشهد الطبي والتقدم الذي تم تحقيقه في سبل إدارة السكتة الدماغية، تبقى هذه الحالة الصحية قادرة على التسبب بمضاعفات خطيرة، كالعاهة المستديمة. لذلك فإن أفضل فرصنا في الوقاية من المضاعفات الخطيرة هي تجنب حدوث السكتة الدماغية أساساً. وبذلك يجب تعديل عوامل الخطر وضبط مستويات ضغط الدم وإدارة مرض السكري وارتفاع الكوليسترول. ويتعين على المصاب بالسكتة الدماغية ممارسة النشاط البدني بانتظام وتبنَي نمط غذائي صحي، والإقلاع عن التدخين الذي يُعتبر من أبرز أسباب السكتة الدماغية، حتى لو تطلَب الأمر طلب مساعدة طبية للإقلاع. ولا نقصد هنا التدخين فحسب، وإنما تجنب التدخين السلبي أيضاً. ونؤكد أيضاً على أهمية الفحوصات الدورية والالتزام بالأدوية حسب نصائح الطبيب. ويجب على الأشخاص الذين عانوا من عجز عصبي عابر مثل الدوار أو الضعف أو فقدان الحواس، مراجعة طبيب الأعصاب فوراً لاستبعاد أي عوامل خطر جديدة أو تعديل العلاج حسب المطلوب. لا بد من التركيز أيضاً على مسألة إدارة السكتة الدماغية وكيفية علاجها بالوقت والشكل السريع والمناسب لتجنب أية مضاعفات خطيرة كما أشار الدكتور الفاروقي سابقاً. لذا توجهنا بالسؤال للدكتور خالد أنور، استشاري الطب الفيزيائي وإعادة التأهيل في أمانة للرعاية الصحية، أبوظبي لإطلاعنا على سُبل إدارة السكتة الدماغية وإعادة التأهيل بعد الإصابة. إن الإدارة الناجحة للسكتة الدماغية تتضمن 3 عناصر رئيسية: وهناك العديد من الدلائل العلمية التي تشير إلى ضرورة نقل المرضى المُصابين بالسكتة الدماغية إلى وحدة رعاية خاصة في المستشفيات وليس لأقسام الرعاية الطبية التقليدية، في حين يُقلَص العلاج المُبكر لحالات السكتة الدماغية الحادة من الأضرار التي يتعرض لها الدماغ، ويحمي المريض من المضاعفات. وفي سياق مشابه، يُوصى مرضى السكتة الدماغية بالخضوع لفترة إعادة تأهيل على يد فريق مؤهل يضم أطباء إعادة التأهيل، كوادر تمريض متخصصة في إعادة التأهيل، متخصصين في العلاج الطبيعي، معالجين مهنيين ومعالجي النطق واللغة وأخصائيي التغذية والأخصائي الاجتماعي وأخصائي علم النفس العصبي. يشمل برنامج إعادة التأهيل بعد السكتة الدماغية الحادة تقييم حالة المريض بدقة، وتوثيق جميع الأضرار البدنية والنفسية التي لحقت به، ليجري بعد ذلك إعداد برنامج لإعادة التأهيل بهدف زيادة القدرات الحركية والوظيفية للمريض وتقليل آثار السكتة الدماغية، ويتمكن المريض بذلك من العودة للحياة الاجتماعية والمهنية. ويضع برنامج إعادة التأهيل أهدافاً طويلة المدى وأهدافاً أسبوعية قصيرة الأجل. إلا أن المريض يبقى دائماً محوراً لعملية صياغة هذه البرامج، حيث يتم مناقشة نتائج التقييم الأولي مع المريض وأسرته، ليتمكن فريق الرعاية من تحديد الأهداف المناسبة. وتجري عملية مراجعة الأهداف على أساس أسبوعي ويحرص الفريق على ضمان الالتزام بالمسار المحدد لتحقيق الأهداف طويلة الأجل. تبدأ مُنسقة السكتة الدماغية بتثقيف المريض وأسرته حول عوامل الخطر، وأهمية ضبط مستويات سكر الدم، وضغط الدم، والكوليسترول مع الانتباه لأنماط الحياة الصحية بما في ذلك الإقلاع عن التدخين، تبني أنماط حياة مريحة وبعيدة عن أي توتر، وممارسة الرياضة بانتظام. تُعتبر الوقاية من السكتة الدماغية أمراً ممكناً في معظم الحالات، نظراً لوجود عوامل خطر محددة يمكن تعديل عدد منها، في حين لا يمكن تغيير بعضها الآخر مثل التقدم بالسن، والتاريخ العائلي للإصابة بالسكتة الدماغيةـ والجنس، وبعض العوامل المتعلقة بالعِرق. ومن أبرز عوامل الخطر القابلة للتعديل: ومعظم عوامل الخطر هذه تحدث بسبب أنماط الحياة والعادات الغذائية السيئة، وبالتالي يمكن تعديلها باتباع أنماط حياة صحية واختيار المواد الغذائية الصحية. وفي الحقيقة، فإن 70% من حالات السكتة الدماغية يمكن الوقاية منها بتعديلات بسيطة في أنماط الحياة. يُعتبر ارتفاع ضغط الدم أبرز عوامل الخطر المُسببة للسكتة الدماغية،يُعرف بالقاتل الصامت، ويزيد من خطر تعرض الشخص للسكتة الدماغية بمعدل 4 إلى 6 أضعاف حال إهمال علاجه. لذلك من الهام الخضوع لفحوصات دورية لكشف الإصابة بارتفاع ضغط الدم وعلاجه بشكل مناسب، فالسيطرة على هذه الحالة الطبية تُقلَص فرص حدوث السكتة الدماغية بشكل كبير. كما أن التشخيص المبكر والعلاج لمرض السكري وارتفاع ضغط الدم ومجموعة محددة من أمراض القلب على غرار الرجفان الأذيني، يساعد في الوقاية من السكتة الدماغية.
مشاركة :