التحالف الأميركي - السعودي سيصمد أمام اختبار الزمن

  • 10/24/2022
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ينبغي معالجة الصراع الأخير بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بشأن قرار الرياض بخفض إنتاجها النفطي بمقدار مليوني برميل يوميًا في سياق علاقتهما الطويلة والواسعة. فلأكثر من 70 عامًا تعاون البلدان على صعيد العديد من المستويات، بما في ذلك المبيعات الضخمة للمعدات العسكرية الأميركية والتعاون في مجال الأمن القومي والتنمية الاقتصادية المشتركة ونقل التكنولوجيا الأميركية الحساسة، هذا إلى جانب تبادل المعلومات الاستخباراتية. الصراع الحالي ليس هو الأول الذي يحدث بين البلدين. في الواقع، في عام 1973، فرض السعوديون مقاطعة نفطية على الولايات المتحدة كعقاب على مساعدتها لإسرائيل خلال حرب يوم الغفران. وفي عام 2001 بعد الهجوم على مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر، توترت العلاقات مرة أخرى بسبب (لا يزال غير مثبت) احتمال تورط المملكة العربية السعودية في الهجوم، حيث إن 15 من أصل 19 إرهابياً كانوا مواطنين سعوديين. هذان الحادثان الكبيران أديا بالتأكيد إلى اضطراب العلاقة إلى حد كبير؛ ومع ذلك، في كل مرة استعادوا الروح والبعد العملي لعلاقتهما لأن مصالحهما المشتركة على العديد من المستويات تطغى على مواقفهما المتضاربة. وأعتقد أن هذا الصراع الأخير لن يغيّر، كما هو الحال مع النزاعات السابقة، العلاقات الثنائية بأي طريقة جذرية. صرح الرئيس بايدن أنه “… عندما يعود مجلسا النواب والشيوخ، ستكون هناك بعض العواقب لما فعلته [السعودية] مع روسيا.” ذهب الديمقراطيون في الكونغرس إلى حد المطالبة باتخاذ إجراءات مضادة غير مسبوقة ضد المملكة العربية السعودية، بما في ذلك وقف جميع جوانب التعاون مع الرياض. والأمر الذي عجّل برد الفعل الصارم من جانب بايدن والديمقراطيين البارزين يُعزى إلى عدة عوامل. لقد اعتبر التحرك السعودي إهانة لبايدن شخصيًا، لاسيما في ظل زيارته الأخيرة للسعودية بهدف تخفيف حدة التوتر بين البلدين وإقناع السعوديين بزيادة إنتاج النفط. كما يُنظر إلى تصرف الرياض على أنه تحرك سافر معادٍ لأميركا وتواطؤ مع روسيا ضد الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، ينظر بايدن والعديد من الديمقراطيين إلى قرار السعوديين على أنه قرار من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التضخم العالمي وتقويض الجهود الأميركية لخفض سعر الغاز، خاصة الآن قبل الانتخابات النصفية مباشرة، بينما يساعد بوتين في حربه ضد أوكرانيا. من المؤكد أنهم يشعرون أن السعوديين غير ممتنين ولا يستحقون المساعدة الدفاعية المستمرة من الولايات المتحدة، مما يقودهم إلى استنتاج أن السعوديين لم يعودوا حليفًا موثوقًا به. يبدو أن الإجراء السعودي يظهر بأن السعوديّين ينتقمون من الولايات المتحدة، وتحديداً لأن بايدن، منذ أن كان يرشح نفسه للرئاسة، وصف المملكة العربية السعودية بأنها “منبوذة”، وأن لقيادتها “قيمة تعويضية ضئيلة للغاية”. واتهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتدبير مقتل الصحفي جمال خاشقجي وأقسم على عدم التحدث معه، وانتقد المملكة لقصفها العشوائي في اليمن وانتهاكاتها لحقوق الإنسان. وأخيرًا، كانت السعودية واضحة في معارضتها لجهود بايدن لتجديد الصفقة الإيرانية. وفي محادثة أجريتها قبل يومين مع ديفيد رونديل، الرئيس السابق للبعثة في السفارة الأميركية في الرياض، ومؤلف كتاب "رؤية أم سراب" وأحد أبرز الخبراء الأميركيين في أمور المملكة العربية السعودية، أكد أن الصراع له تأثير مركّب عاطفي كبير على السعوديين فشلت إدارة بايدن في تقديره. وقال رونديل “الرئيس أهان محمد بن سلمان عدة مرات– وهذا أعتقد أنه المصطلح الوحيد الذي يمكنك استخدامه -. لقد أوضح أنه لا يحب محمد بن سلمان … وأوضح أنّ البيت الأبيض لا يريد مقابلة محمد بن سلمان … ثم يرفض الرئيس مصافحته “. وعلق رونديل بأن السعوديّين يضعون أهمية كبرى على اعتزازهم بأنفسهم وعلى استقلالهم وحذر من أن “السعوديين تصرفوا فيما اعتقدوا أنه مصلحتهم الذاتية وسوف يفعلون ذلك مرة أخرى. وإذا حاولت الولايات المتحدة عزلهم أو معاقبتهم، فإنها ستدفعهم ببساطة إلى الاقتراب من الصين وروسيا، وهو ما يحدث بالفعل”. وعلى الرغم من أنه من الضروري إعادة تقييم العلاقة الأميركية السعودية في أعقاب ما حدث، إلا أنني أتفق مع رونديل في أنه سيكون من الخطأ أن تتخذ إدارة بايدن أي إجراءات عقابية شديدة ضد السعوديين والتي لن تؤدي إلا إلى تفاقم علاقتهم الثنائية في وقت حساس للغاية. وكما صرح وزير الخارجية أنتوني بلينكين العام الماضي، فإن الفكرة هي “ليس قطع العلاقة [الأميركية السعودية]، ولكن إعادة تقويمها.” أعتقد أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، مثل رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ روبرت مينينديز، الذي قال إنه سيقترح وقف “أي تعاون مع الرياض حتى تعيد المملكة تقييم موقفها فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا”، مضيفًا، “يكفي“، وآخرون، بمن فيهم السناتور ريتشارد بلومنثال والنائب رو خانا الذين قدموا مشروع قانون ”للإيقاف الفوري لجميع مبيعات الأسلحة الأميركية إلى المملكة العربية السعودية “، يذهبون إلى أبعد من مجرد ما يجب القيام به. ويدعو ديمقراطيون آخرون إلى اتخاذ إجراءات أكثر اعتدالًا، بما في ذلك حجب المعلومات الاستخباراتية، ورفض بيع أسلحة معينة، وتقييد الوصول إلى الأسواق المالية، وتقليص بعض عناصر التدريب العسكري، إلى جانب إبطاء مشاريع التنمية الكبرى. قد يبدو هذا ضروريا لإرسال رسالة للسعودية حول استياء الولايات المتحدة، لكنها ستظل الرسالة الخاطئة. وفي الواقع، نظرًا لأنه يجب على كلا البلدين أن يأخذ في الاعتبار الكامل أهمية علاقتهما الثنائية وتداعياتها الأمنية الإقليمية الشاملة، فلا ينبغي لهما الانخراط في سياسة واحدة بواحدة والتي لا يمكن أن تفيد إلا روسيا والصين. وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن المملكة العربية السعودية تعتمد على الولايات المتحدة في الكثير من أجهزتها العسكرية وضمانات الأمن القومي، فإن السعوديين يشعرون أنهم كانوا يتجاوبون طوال الوقت من خلال المساعدة في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي وبذل جهود كبيرة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بالتعاون مع الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب والسماح للولايات المتحدة بالاستمرار في الوجود العسكري على أراضيها. علاوة على ذلك، روج السعوديون لصورة أكثر تسامحًا من الإسلام واستمروا في تداول النفط بالدولار مما يعزز العملة الأميركية. كما يختلف السعوديون بشكل أساسي مع الولايات المتحدة حول دوافعهم لخفض إنتاجهم من النفط. كما يرون، كان عملهم مدفوعًا بشكل صارم باعتبارات تجارية. لقد أرادوا خفض إنتاج النفط من أجل زيادة الأسعار ويصرون على أنه حتى مع خفض 2 مليون برميل في اليوم، فإن السعر سيبقى بحدود 80-90 دولارًا لبرميل النفط الذي لا يزال أقل بكثير من 130 دولارًا للبرميل، وهو أعلى سعر كان سائدا ً في السنوات القليلة الماضية. السعوديون يرون أنه قرار تجاري لا علاقة له بالسياسة. فبغض النظر عن مدى مخادعة هذا الأمر، هناك فائدة مالية يمكنهم جنيها. إنه توقيت الخفض الذي أزعج العديد من المسؤولين الأميركيين. موقفي هو أن إدارة بايدن ينبغي ألا تتخذ أي إجراء عقابي ضد المملكة العربية السعودية، وبالتأكيد ليس قبل انتخابات التجديد النصفي، مما يسمح بفترة تهدئة. وينبغي بعد ذلك على إدارة بايدن إقامة اتصال من وراء الكواليس في محاولة لتخفيف خلافاتهم. فبالنظر إلى الأهمية الحاسمة لعلاقاتهما الثنائية خاصة في هذا المنعطف، يجب على كلا الجانبين تجنب أي اتهامات علنية لا يمكن إلا أن تؤدي إلى تفاقم العلاقة. سيشجع في الواقع الخلاف المستمر بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية روسيا والصين على بذل كل ما في وسعهما لإحداث انشقاق بين الحليفين، خاصة الآن عندما أعلن بايدن للتو أن الصين وروسيا خصمان للولايات المتحدة. قد يبدو هذا بمثابة استرضاء للسعوديين، لكنه ليس كذلك. فبغض النظر في الواقع عمن هو على حق ومن هو على خطأ – وفي هذه الحالة يتحمل كلاهما نصيبه من اللوم – يجب حل أي نزاع بين الحلفاء من خلال الحوار والمناقشة الصادقة. هذا هو الوقت الذي يجب أن تثبت فيه المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة أنه بالنظر إلى صداقتهما الطويلة والعلاقة البناءة لأكثر من سبعة عقود، يمكن لتحالفهما أن يصمد أمام اختبار الزمن، وسيصمد.

مشاركة :